الرئيس التركي يغرق الجيش بحرب ضد الأكراد لتجنب محاولة انقلاب جديدة وروسيا تستعد لسيناريوهات سقوط أردوغان

لا تثير الاستدارة التركية شبه التامة نحو روسيا تساؤلات الدول الغربية وحدها، بل امتدت هذه التساؤلات إلى وسائل الإعلام الروسية التي بدأت تراقب أسرار هرولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نحو الكرملين التي تبدو في ظاهرها ردة فعل غاضبة على مواقف واشنطن، لكنها في العمق تكشف عن مخاوف الرئيس التركي على مصيره وتحسبه من انقلاب مفاجئ كردة فعل على سياسة صفر أصدقاء التي بات يتبعها في محيطه.
 
وأبدت وسائل الإعلام الروسية اهتماما كبيرا بالاتفاق الأميركي التركي حول “المنطقة الآمنة” شرق الفرات، وعلاقة ذلك بالشأن الداخلي لأنقرة ومخاوف أردوغان من محاولة انقلاب عسكري جديدة عليه، فضلا عن تزايد الانشقاقات داخل حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه واحتمال أن يتم عزله عن قيادة الحزب الحاكم أيضا.
 
واعتبر إيغور سوبوتين، في صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية أن “تركيا تبتز الولايات المتحدة بحياة العسكريين الأميركيين” الموجودين كخبراء في شرق الفرات. ونقل الكاتب عن خبراء يرون ضرورة النظر إلى تهديدات القيادة التركية للأكراد في إطار طريقة تعاطي أنقرة مع العديد من المشكلات الإقليمية.
 
ويفهم الروس أن التهديدات التركية القوية، التي توحي بالمواجهة وتتحدى دولة في حجم الولايات المتحدة، تتعالى دائما عندما تصل المفاوضات الدبلوماسية إلى طريق مسدود، وأن الهدف انتزاع مكاسب من إدارة أميركية لا تبدو مستعدة للتصعيد في المنطقة وإن كانت بالتوازي ترفض تسليم حلفائها الأكراد.
 
ويشدد إعلاميون روس على أن تركيا ليست مستعدة لمواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة في شمال سوريا، وأن الأمر مرتبط بالأوضاع الداخلية التركية التي لا تسير لفائدة أردوغان ما يدفع إلى التصعيد وتخويف خصومه تحت لافتة الوحدة ومصالح تركيا العليا.
 
وكتب المحلل السياسي سعيد غفوروف أنّ أردوغان يرغب في إشغال الجيش خشية أن ينقلب عليه، في ظلّ أزمة داخلية خطيرة في البلاد. وقال “يحتاج الرئيس التركي إلى الحرب بحدّ ذاتها، وليس إلى النصر، فالوضع السياسي في البلاد غير مستقر، والظروف موضوعيا تنقلب ضده”.
 
وأظهرت الانتخابات البلدية الأخيرة بوضوح أن المعارضين الأتراك يكتسبون قوة. لكن أردوغان يسعى لأن يضع الجميع تحت الضغط ويخوفهم من أعداء تركيا، ما يجعل المعارضة تسير وفق أجندته.
 
ويرى غفوروف أنّ التنبؤ بخطوات أردوغان المستقبلية أمر صعب للغاية، حيث تختلف تكتيكاته عن الاتجاهات السياسية العامة في البلاد. فحتى أولئك الذين كانوا يساندونه مؤخرا، بشكل قاطع، بما في ذلك العديد من أعضاء حزبه، غير راضين عن الموقف… فقد يتم عزله من منصب القيادة داخل الحزب. ويمكن أن يقوم بذلك العسكريون المستاؤون.
 
ويتابع المحلل السياسي الروسي بالقول إنّ احتمال تغيير السلطة في تركيا على غرار الميدان الأوكراني يغدو أكثر واقعية، فثمة دلائل تشير إلى أن أوروبا تفكر بالفعل في الإطاحة بـ”أردوغان، على طريقة الإطاحة بيانوكوفيتش في أوكرانيا”.
 
وتشبه الظروف الحالية في تركيا من نواح كثيرة ما كانت عليه أوكرانيا قبل خمس سنوات، فالطغمة المالية غير راضية عن الرئيس، وترى فيه عقبة أمام التكامل الأوروبي، والعمال يضربون باستمرار، والحزب الحاكم غير راض عن نتائج الانتخابات.
 
ولا تبدو موسكو منزعجة على مصير أردوغان خاصة أن التقارب مع تركيا هو خيار استراتيجي للأتراك ولن يقدر أي مسؤول قادم على تغييره.
 
ولم يستبعد فلاديمير أحمدوف، كبير الباحثين في معهد الاستشراق بموسكو، حدوث انقلاب في تركيا في المستقبل، ويستدرك بقوله “على المدى القصير الجيش التركي فقد قدرته على القيام بانقلاب بعد تغيير القيادات وملاحقة من ساهموا في الانقلاب الماضي”.
 
وقال أحمدوف في تصريح لـ “العرب” إن العلاقات الروسية التركية لن تتأثر جذريا بأي انقلاب، وهو توجه لا يقتصر على الحكومة الحالية برئاسة أردوغان بل أيضا أغلب المعارضة التركية تدعم الانفتاح الكبير على روسيا.
 
وأضاف “انطلاقا من عدم القلق الروسي لمستقبل الرئاسة في تركيا، فإن موسكو ليست مشغولة بمستقبل أردوغان كونها غير قلقة على مستقبل علاقات البلدين”، مشيرا إلى أن “التقارب الكبير بين موسكو وأنقرة أعطى روسيا قدرة كبيرة على التحرك بحرية مطلقة في سوريا حتى في المناطق الحدودية مع تركيا”. كما أن “روسيا ستغير طريقة تعاملها مع الملف السوري في حال حدوث تغييرات في نظام الحكم التركي”.