تونس: "أزمة هوية" تمزق حزب النهضة ومخاوف من انتخاب برلمان بدون أغلبية

أرجع المحللون هزيمة حزب النهضة في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية التونسية إلى ما وصفوه بـ"أزمة الهوية" التي يمر بها، وإخفاقه في الفصل بين توجهه الإسلامي وسياسته. من جهة أخرى أعرب المحللون عن تخوف من تأثير نتيجة الانتخابات الرئاسية في التشريعية، ما قد يؤدي إلى انتخاب برلمان بدون أغلبية.
 
يبدو أن حزب النهضة التونسي يعاني من "أزمة هوية"، هكذا فسر المحللون مسألة خروج حزب النهضة من الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية بهزيمة لم تكن متوقعة كغيره من أعضاء التحالف الحاكم. ورأى المراقبون أن الحزب الذي حصل مرشحه عبد الفتاح مورو على عدد أصوات بلغ 530 434، قد أخفق بشكل أو بآخر في الفصل بين توجهه الإسلامي وسياسته، كما عجز عن تقديم حلول عملية للأزمة الاجتماعية والمعيشية.
 
وأفضت الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية إلى ما وصفه مراقبون بأنه "زلزال انتخابي"، مع انتقال المرشحين أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد ورجل الأعمال الموقوف نبيل القروي اللذين يقدم كل منهما نفسه على أنه بديل لنظام وسياسات الحكم الحالية، إلى الدورة الثانية، بينما حل حزب النهضة ثالثا من مجموع ناخبين تجاوز ثلاثة ملايين.
 
"أزمة هوية"
 
يرى الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط حمزة المدب أن "هناك أزمة هوية داخل حزب النهضة، فلم يستطع المرور للمدنية بتقديم حلول اقتصادية واجتماعية" للتونسيين الذين يعانون من مشاكل البطالة في صفوف الشباب وارتفاع الأسعار ونسبة التضخم.
 
ويرى زبير الشهودي، المدير السابق لمكتب رئيس الحزب راشد الغنوشي، أن "لا فرق بين مورو وقيس سعيّد، ولكن سعيّد انتخب لأنه خارج دائرة الحكم".
 
ويضيف "على الغنوشي أن يرحل. هناك رغبة في أن يرحل جيل الغنوشي والباجي" قائد السبسي، الرئيس الراحل الذي حتمت وفاته إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
 
ويتابع "النهضة تطبعت مع النظام وميكانيزمات الدولة وأصبحت غير قادرة على إيجاد الحلول المتعلقة أساسا بالبعد الاجتماعي والاقتصادي".
 
على الرغم من كل ذلك، تبقى النهضة حزبا ذا ثقل في المشهد السياسي ويمكن أن تكون "في موقع صانع الملوك، فتتمكن من أن تميّل الكفة لسعيّد او للقروي. إنه موقع تفاوضي جيد"، بحسب الغنوشي.
 
مخاوف من انتخاب برلمان بدون أغلبية
 
وعلل الغنوشي الهزيمة في الرئاسيات في تصريح إعلامي بالقول إن الحركة لم تستعد جيدا للانتخابات. وقال "دخلنا متأخرين الى الانتخابات الرئاسية"، مشيرا في حوار بثه تلفزيون "الزيتونة" الخاص، إلى أن "ما بين 15 وعشرين في المئة من شباب النهضة وقواعدها لم يصوتوا لمورو".
 
إلا أنه عبر عن أمله في أن "القواعد ستعود للنهضة في الانتخابات التشريعية" المقررة في السادس من أكتوبر/تشرين الأول. ويسعى الحزب إلى الحفاظ على عدد المقاعد نفسه في البرلمان (69 من أصل 217) في الانتخابات التشريعية.
 
ويبدي محللون تخوفا من أن تؤثر نتيجة الانتخابات الرئاسية على التشريعية، ومن أن يتواصل ما وصف بأنه "تصويت العقاب" ضد منظومة الحكم لصالح قوى جديدة، ما سيفضي إلى انتخاب برلمان بكتل من دون أغلبية ستكون تداعياته حتمية على العمل الحكومي مستقبلا.
 
وشكل "النهضة" منذ 2011 جزءا من المشهد السياسي التونسي، وفاز بثاني أكبر كتلة برلمانية في انتخابات 2014.
 
وعلى الرغم من أنه حاول دائما التمايز وتقديم نفسه على أنه يمارس أداء سياسيا مترفعا عن المصالح الصغيرة والحزبية، لم ينجح في اقتراح حلول للوضع الاقتصادي ولسياسات الحكومة التي خيبت آمال التونسيين.
 
وإثر انتخابات 2014 التي فاز بها آنذاك حزب "نداء تونس"، عقد تحالف سياسي توافقي على الحكم بين مؤسسه قايد السبسي والغنوشي وتقارب الرجلان في حكم البلاد قبل أن تنتهي سياسة التوافق أواخر العام 2018.
 
ويقول الجورشي "ربما ستخسر الحركة الكثير" في الانتخابات التشريعية، لأن "البرلمان سيتأثر بالرئاسية وسيفرز فسيفساء وقد تفقد الحركة مكانتها في الحكم".
 
ويقول الشهودي "النهضة مدعوة إلى إعادة بناء نفسها في العمق عبر رسم حدود رئيس النهضة وحوكمة الحزب".
 
وسارعت النهضة إلى إعلان تأييدها لقيس سعيّد في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بهدف تدعيم قاعدتها، حسب ما يراه الكثيرون.
 
ويرجح المدب أن من أسباب تراجع النهضة أيضا "صراعات وتمزق داخل الحركة".
 
وقال الغنوشي "ندعو قواعدنا إلى الوقوف صفا واحدا لمعركة أهم من المعركة الرئاسية ألا وهي النيابية"، منبها من "تشتت" البرلمان إن أفرزت الانتخابات التشريعية كتلا صغيرة.
 
"تأرجح بين النزعة الإسلامية والمدنية"
 
ولطالما اعتبرت "حركة النهضة" الحزب السياسي الأكثر تنظيما في المشهد السياسي التونسي. وينظر إلى جمهورها على أنه الأكثر انضباطا والأوفى.
 
وساد الاعتقاد بأن الحركة ستحصل على نسبة عالية من الأصوات في الانتخابات الرئاسية، لأنها قدمت مرشحا من صفوفها، ولم تدعم مرشحا من خارجها.
 
وكان الحزب في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي مشتت القيادات بين تونس والخارج وكان مطاردا من النظام. وعاد إلى الحياة السياسية في تونس إبان ثورة 2011 من خلال انتخابات المجلس التأسيسي، أول اقتراع حر حصل بعد سقوط بن علي وفاز فيه الحزب بنحو المليون ونصف المليون صوت.
 
ويرى المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن الحزب لا يزال "يتأرجح بين الإسلامية والمدنية وهذا يضعفه"، معتبرا أن هذا "أحد أسباب تراجعه".
 
وأعلنت الحركة في مؤتمرها العام في 2016 تغيير توجهها من الإسلامي إلى المدني، لكنها "لم تستطع حسم أمرها ولم تتخذ موقفا واضحا مثلا في مسألة المساواة في الميراث التي حسم فيها قيس سعيّد وكان واضحا"، بحسب الجورشي.
 
واعتبر سعيّد الذي لا ينتمي إلى التيار الإسلامي، لكنه معروف بمواقفه المحافظة جدا، أن "القرآن واضح" في مسألة تقسيم الميراث وينص على أن المرأة ترث ثلث نصيب الرجل.