الانقلابيون أقرب إلى الرئيس من شَعبِه.. حكومة "السوق السوداء"

على طول الطريق من صنعاء إلى إب، ومن صنعاء إلى الحديدة، تنتشر العشرات من نقاط بيع البترول والديزل، بكميات تجارية وقدر ما تشاء، يمكن أن تجد الكمية من الدبة إلى البرميل. طبعاً بأسعار السوق السوداء..

في معبر، خارج المدينة قليلاً، سألت أحدهم: من أين هذا؟ أليس مغشوشاً؟
حلف أنه غير مغشوش، وأنهم يحصلون عليه من محطات توفيق عبدالرحيم من تعز!

هذا ما قاله، ونفس الإجابة حصلت عليها من بائع آخر في الطريق.

ازدهار السوق السوداء بهذه الطريقة يفسر جزءاً مهماً من خلفيات وأسباب الأزمة الخانقة في المشتقات النفطية في عموم المُدن والمحافظات.

لم تعد الأمور هذه سراً أو بالتخفي. كل شيء يحدث علناً وتحت سمع وبصر دولة وسلطات أقعدها العجز عن أن تفعل شيئاً, هذا ما لم تكن هي جزءاً مما يحدث!

،،،

غير مفهوم وغير معقول، أبداً، أن يعاني الناس والمواطنون وتتضرر، بل تتعطل، المصالح وتتعاظم الأزمات، جراء انعدام المشتقات، بينما السوق السوداء تشهد ازدهاراً كبيراً في كل مكان، وعلى مرأى ومسمع، وبكميات تجارية.

ولا أحد يريد أو يفكر حتى أن يسأل: لماذا؟ وكيف؟ ومن يفعل بنا كل هذا؟؟

وإذاً: لماذا هناك دولة وسلطات حكومية ومحلية وأجهزة مختلفة، وهي ترى وتسمع وتعايش كل هذا التخريب والعبث المنظم، ولا تحرك ساكناً؟

،،،

ما حاجة اليمنيين إلى حكومة لا تفعل شيئاً على الإطلاق، لمواجهة الأزمات ومعاناة الناس؟ أزمة المشتقات، وتبعاً لها أزمات المياه والكهرباء والنقل والحركة التجارية عامة، كافية للإفهام بانعدام حس وشعور المسئولية لدى السلطات المسئولة/غير المسئولة على الإطلاق.

أسوأ من هذا كله؛ وقائع وشواهد وشهادات كثيرة تتجمع يومياً حول تواطؤ مسئولين ونافذين ومتنفذين وسلطات، مع الأزمات وضد المواطنين، عبر مشاركتهم، بطريقة أو بأخرى، في السمسرة والمتاجرة بالمشتقات في السوق السوداء.

"طيب.. الدولة فين؟"
"لا تحاكيني عن الدولة بحجر الله، هم الدولة"، قال بائع وسيط للمشتقات، في الطريق إلى ذمار.

،،،

السوق السوداء، عطلت الأسواق، وباتت هي صاحبة الكلمة الأولى وتفرض شروطها وقوانينها الخاصة بحرية وبأريحية المعفي من السؤال والمحمي من الرقابة.

من الخيانة أن لا يُقال هذا: الدولة تخلي وأخلت مواقعها ومسئولياتها لصالح السماسرة وتجار الأزمات.

وعقل واعٍ في الحكم والسلطة يدير كل هذا العبث لإيصال الناس إلى الخيار بين اثنين كلاهما مر وأمر: إما هذا... وإما الجرعة!!

ما يتم تداوله، مؤخراً، يؤشر إلى اعتزام رسمي لتمرير الجرعة السعرية قريباً.

سياسة التعذيب اليومي الفاحش لملايين المواطنين، تُدار بهكذا آلية. تراجم المسئولية بين السلطات غير المسئولة يكشف، بجلاء، عن تشارك الجميع في الجريمة المستمرة، وكل يلقي بمسئولية إمضاء القرار على الآخر. هذه هي الأزمة أو الوجه الآخر لها. إضافة إلى سمسرة وسماسرة "السوداء".

،،،

من يمكنه الآن إقناع الرئيس بأن أزمة مشتقات خانقة تعتصر اليمنيين وتعطل مصالحهم وتضاعف المعاناة والنزيف العام؟ ومن يتوسط لليمنيين لدى الرئيس بشأن حكومته التي تكتفي بممارسة الفرجة والفجور تجاه مسئولياتها المعطلة وواجباتها المنسية؟

ومن يملك فرصة لإبلاغ الرئيس بالفارق؛ بين المواطنين المتضررين من الأزمات والباحثين عن وقود وماء، والانقلابيين المتآمرين على السلطة والحكم؟؟

هناك مؤامرة حقيقية يديرها أركان في السلطة والحكم ونافذون، إلى مكاثرة الأزمات واستيلاد النقمة، فيما هم يثرون في الأثناء من ازدهار السوق السوداء.

يستحيل أن لا تعرف الرئاسة بهذا. ويستحيل أنها لا تعرفهم. يستحيل أن تكون رئاسة وهي لا تعرف. وفي الحالتين سواءً لا تعرف أو تعرف.. نحن بإزاء مصيبة ومصيبة أعظم!