العدوان على اليمن.. مصيدة دموية للسعودية.. نصائح إلى قيادة المملكة قبل تدمير الخليج لأجل عودة هادي

[المقال التحليلي، للكاتب والصحفي العربي عبدالباري عطوان، رئيس تحرير "رأي اليوم" صحيفة عربية مستقلة، ويعاد نشره عنها بتاريخ الأحد 29 مارس 2015، ويعبر عن رأي الكاتب]

ذكرني العميد الركن احمد عسيري المتحدث باسم “عاصفة الحزم” بنظيره الامريكي اثناء الهجوم على افغانستان في تشرين الاول (اكتوبر) عام 2001 عندما قال “ان قوات التحالف تسيطر على كامل الاجواء اليمنية، وستكثف الضغط على الحوثيين خلال الايام المقبلة، ولن يكون هناك مكان آمن لهم”.
فالمتحدث الامريكي قال قبل حوالي 14 عاما، الشيء نفسه تقريبا، واكد ان الطائرات الامريكية باتت تملك اليد العليا في افغانستان، بعد ان دمرت كل الدفاعات وسلاح الجو الطالباني.

حركة طالبان، مثل نظيرتها الحوثية، لا تملك سلاح طيران، ولا دفاعات جوية، وكل ما تملكه مثلما قال لي شخص مقرب من الجنرال جلال الدين حقاني (وزير الدفاع الافغاني الذي انضم الى طالبان لاحقا) التقيته في “جلال اباد” في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1996 ان سلاح الجو الافغاني يتكون من حوالي 14 طائرة من نوع “ميغ 17″ السوفيتية التي جرى تصنيعها قبل الحرب العالمية الاولى، وجميع هذه الطائرات المتهالكة غير قادرة على الطيران باستثناء 4 طائرات فقط، لعدم وجود قطع الغيار، والطيارين القادرين على قيادتها، اما الطائرات الاربع الصالحة للطيران، فانها اذا طارت فانه من المحتمل ان لا تعود مطلقا وتسقط لوحدها.

***

التحالف الخليجي العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية ارسل 185 طائرة للمشاركة في الغارات التي شنها ضد الحوثيين وحلفاءهم منذ اليوم الاول، وهي من احدث الانواع مثل “اليورو فايتر” والامريكية من نوع “اف 15″ و”اف 16″، بينما ينحصر دور سلاح الجو اليمني الذي لا يقل تهالكا عن نظيره الافغاني في الاستعراضات البهلوانية الجوية.

المملكة العربية السعودية انفقت 150 مليار دولار على بناء اقوى سلاح جو في المنطقة العربية بأسرها، وارسلت طياريها ونسبة كبيرة منهم امراء من ابناء الاسرة الحاكمة، للتدريب في اعرق الاكاديميات العسكرية الغربية مثل “ويست بونيت” الامريكية، و”ساندهيرست” البريطانية، وتتلمذوا على ايدي جنرالات وخبراء هم الاعلى مرتبة في هذا المضمار، بينما لم يغادر معظم الطيارين اليمنيين بلادهم، ولا يعرفون حتى اسماء هذه الاكاديميات الغربية.

يعتب علينا بعض الزملاء السعوديين بأننا نقلل من اهمية قدراتهم العسكرية، وكفاءاتهم القتالية، ويؤكدون لنا ان الجيش السعودي يتمتع بقدرات عالية، لا تملك مثيلاتها الجيوش العربية الاخرى، وان الحرب في اليمن هي اول الغيث، والمرحلة المقبلة مختلفة عن كل سابقاتها وزمن الصمت، وتحمل الاهانات، قد ولى الى غير رجعة، حتى ان احد الخبراء الاستراتيجيين الكويتيين اشتركت معه في برنامج تلفزيوني قال مهددا انتظروا ما سنفعله في الايام المقبلة، سنتصدى لايران، ونقاتلها في عقر دارها، وسنحرك البلوش والاذربيجانيين وعرب الاحواز ضدها، وسنزعزع استقرارها من الداخل.

بعض عتب الزملاء السعوديين في محله، والسبب يعود الى تجنب القيادة السعودية خوض الحروب في دول الغير، والميل الى الحكمة والتعقل وحل الازمات من خلال الحلول السياسية، واذا كان لا بد من الحرب فان الحليف الامريكي جاهز للقيام بالمهمة، الم يفعل ذلك لاخراج القوات العراقية من الكويت؟ الم يتدخل لاسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين، وبعده للاطاحة بنظام العقيد معمر القذافي الذي ارسل خلية لاغتيال العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز؟

فاذا ارادت القيادة السعودية “الشابة” تغيير هذه الاستراتيجية وارسال اسلحتها البرية والجوية الى ميادين المعارك، فأهلا وسهلا، وهذا امر يسعدنا، مثلما يسعد كل انسان عربي ومسلم، شريطة ان تكون هذه الحروب في اطار مشروع عربي متكامل، ولصيانة الامن القومي العربي من كل الاخطار التي تهدده واولها الخطر الاسرائيلي.

بعض الاشقاء في السعودية والخليج كانوا يرددون دائما انه لا فرق بين العدوين الاسرائيلي والايراني، ونجادلهم بالقول بأن العدو الاسرائيلي يحتل دولة فلسطينية بالكامل، ومقدسات اسلامية وعربية، وهو الأولى بأي تصد عربي لوقف اهاناته المتكرره للعرب والمسلمين، فيرد هذا البعض بالقول، ولكن ايران ايضا تحتل جرز عربية اماراتية، فلماذا تنسون ذلك، ام هناك ارض عربية درجة اولى، واخرى درجة سياحية.

الحوثيون ومن خلفهم الايرانيون ما كانوا سيتجرأون مطلقا على تحدي المملكة وتهديد امنها، لو انها وجهت بوصلتها العسكرية قبل السياسية في اتجاه فلسطين، ولما رفعوا شعاراتهم المضادة لامريكا واسرائيل.

الاشقاء في الخليج سعوا للغطاء العربي لاستضافة نصف مليون جندي امريكي لاخراج القوات العراقية من الكويت، ويسعون اليه حاليا لتفريق دماء التمرد الحوثي على القبائل العربية، وجعل حربهم لاعادة “الشرعية في اليمن” حربا عربية اسلامية بمشاركة مصر والسودان والاردن والمغرب وباكستان، فطالما اننا امة واحدة، والغطاء العربي مطلوب، فالاولى ان يكون هذا الحلف ليس ضد ايران وحدها وانما ضد اسرائيل قبلها.

لنعود الى الحرب في اليمن، ونقول ان اي تكثيف للغارات الجوية لن يكون مجديا لانه لم تعد توجد اهداف عسكرية يمكن ان تضربها الطائرات المغيرة، وان الضحايا سيكونون في الغالب من اليمنيين وهم اهلنا واشقاؤنا.
هناك خيارات امام التحالف العربي الذي تتزعمه السعودية في “حرب اليمن الثانية”:

الاول: ان يكتفي هذا التحالف بثلاثة ايام من الغارات، ويفتح صدره للوساطات للتوصل الى حل سلمي سياسي للازمة، وبما يحقق مصالح جميع الاطراف.
الثاني: ان يستمر هذا القصف لاسابيع او اشهر او حتى سنوات وتحويل اليمن كله الى منطقة حظر جوي على غرار ما حدث للعراق.
الثالث: الانتقال الى المرحلة الثانية اي ارسال قوات برية لاحتلال اليمن، والقضاء على تحالف الحوثي مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، واعادة الرئيس “المؤقت” و”الشرعي” عبد ربه منصور هادي الى قصر الرئاسة في صنعاء.

الرئيس جمال عبد الناصر ارسل قواته التي كانت الاكثر قوة وتسليحا في المنطقة العربية، تماما مثل القوات السعودية هذه الايام، وحارب الحوثيين وانصارهم في اليمن سبع سنوات، وقد يكون قد انتصر عسكريا بتثبيت حكم الثورة او الانقلاب بزعامة اللواء عبد الله السلال، ولكنه خسر جيشه، وخسر سيناء وقناة السويس، وتعرضت كرامة مصر والامة العربية لشرخ كبير بسبب هزيمة حزيران عام 1967.

اليمن بحوثييه او اعدائهم لا يملك ما يمكن ان يخسره في هذه الحرب، فلا توجد لديه استثمارات اجنبية ضخمة، ولا صناعة سياحية تدر عليه المليارات، ولا زراعة او صناعة متقدمة باستثناء زراعة القات، ونفطه جف، ولكن المملكة العربية السعودية والامة العربية بأسرها ستخسر الكثير جدا، لان ايران العدو المستهدف لن تنجر الى هذه الحرب، لانها تركز حاليا على معركة اكبر وهي رفع الحصار الاقتصادي المفروض عليها منذ ثلاثين عاما، ويمكن ان تكسب اليمن دون ان تطلق رصاصة واحدة اعتمادا على غباء العرب، مثلما كسبت في العراق، وافغانستان، ولبنان، وجزئيا في سورية.

***
هناك دائما ما يسمى بـ “Plan A” و”Plan B” و”Plan C” في كل الحروب ومشعلي فتيلها، فليقل لنا منظرو الحرب الحالية في اليمن عن هذه الخطط وكيفية تطبيقها.

واذا كانت هذه الخطط اسرارا عسكرية لا يجوز البوح بها، فليحدثوننا عن نظرتهم المستقبلية لليمن بعد هزيمة الحوثيين وحلفهم، واعتقال علي عبد الله صالح، وتشتيت قواته، وعودة الرئيس “الشرعي” هادي، هل سيضعون حدا لمعاناة اليمنيين مع الفقر والحرمان والفاقة وهم الذين يملكون صناديق سياسية تحتوي على الفي مليار دولار على الاقل، ودخل نفطي يزيد عن 500 مليار دولار على الاقل.

هذه الاموال التي انفقت في الايام الثلاثة الاولى من الحرب في اليمن وما احدثته من دمار يمكن ان تعيد بناء اليمن من جديد، وتؤسس لصناعات ومشاريع توفر وظائف لاكثر من خمسة ملايين يمني عاطل عن العمل على الاقل.

نعرف ان القيادة السعودية لا تستمع الى نصائح احد هذه الايام، خاصة اذا جاءت منا، ولكننا نقول ان هذه الحرب مصيدة دموية لها، واستنزاف مالي لثرواتها، وليس من المنطقي ان يجري تدمير المنطقة الخليجية بالذات وزعزعة استقرارها، من اجل عودة الرئيس هادي الى القصر الرئاسي، ويجب ان تتذكر هذه القيادة بأن الحوثيين هم حلفاؤها التاريخيين، وكذلك حليفهم الرئيس علي عبد الله صالح، وكان يمكن الحفاظ عليهم، وعدم تركهم يذهبون الى ايران، فالخطأ خطأهم، ونأمل ان لا يتم تصحيح هذا الخطأ بخطيئة كبرى.