سلمان ومتعب ومريم وأمل وعلاقتهم بتدمير اليمن (رأي)

هناك عدد من النقاط الغامضة المثيرة للتساؤلات بشأن الحرب التي تشنها السعودية وحلفاؤها على اليمن منذ شهر تحت مسمى عاصفة الحزم قبل أيام من تغييرها الى إعادة الأمل.. ومن ذلك:
 
• إعلان مفاجئ بالحرب وما يمثله من تحول جذري في السياسة العامة للسعودية كونها خطوة غير مسبوقة في تاريخ السعودية.
• قرار غامض ومرتبك بإنهاء صوري للحرب "عاصفة الحزم" مع وجود مؤشرات على رغبة القيادة السعودية في عدم إنهاء كامل للحرب خاصة مع تناقض المسمى الجديد للحرب "إعادة الأمل" واستمرار غارات طائراتها على اليمن، علاوة على الرغبة في تولي مهمة فرض حصار جوي وبحري طويل الأمد على اليمن.
o إصرار غريب من القيادة السعودية على تنفيذ عملية برية في اليمن رغم المخاطر المرتفعة وتدني فرص نجاحها وخذلان أبرز الحلفاء لها.
o صدور مرسوم ملكي بمشاركة قوات الحرس الوطني في عاصفة الحزم وبعد ساعات على ذلك إعلان انتهاء العاصفة، التي بات اليمنيون يسخرون منها بتسميتها "مريم" على اسم الإماراتية التي تشارك في عمليات القصف.
o تجاهل تام لسيطرة القاعدة على المكلا عاصمة حضرموت من قبل السعودية وحلفائها.
o لإزالة الغموض عن النقاط السابقة، وفهم طريقة إدارة السعودية للحرب في اليمن، لابد من النظر إلى الحرب من منظور القيادة السعودية، طبعاً لا أقصد النظرة العامة التي ترى في الانتصار في الحرب ضرورة للحد من التغلغل الإيراني في المنطقة ومنع سيطرة إيران على حديقة الرياض الخلفية، وعلى باب المندب، فذلك معروف للجميع، لكنه لا يساعد على فك طلاسم النقاط السالفة الذكر.
o ما أقصده هو النظر للحرب في اليمن من زاوية ارتباطها بترتيب أمور الحكم في السعودية، وتطلعات ومساعي الأمير محمد بن سلمان لحكم البلاد مستقبلاً.. ووفقاً لهذا المنظور، تمثل الحرب في اليمن بالنسبة للأمير التالي:
1- فرصة لإثبات جدارته وأحقيته في الحكم على حساب منافسيه؛ كون الانتصار في الحرب معناها بروز قيادي شاب تمكن من تحقيق إنجاز غير مسبوق لبلاده، خاصة من حيث إعادة الاعتبار لمكانة بلاده الإقليمية وإجبار القوى الأخرى على إعادة النظر في سياستها والحرص على مراعاة وتجنب المساس بالمصالح السعودية.
2- الحيلولة دون استغلال منافسيه على الحكم لأي إخفاق في الحرب ضده.
3- إمكانية استخدام الحرب لإزاحة المنافسين على الحكم. كيف ذلك؟
o من المعروف أن انتقال الحكم داخل الأسرة لاتزال الثغرة الأخطر التي تهدد مستقبل آل سعود، خاصة مع عدم وجود آلية متفق عليها لانتقال الحكم بين أمراء الجيل الثالث من الأسرة، فرغم إرساء الملك الراحل نظام البيعة لتنظيم هذه العملية إلا أنه كان أول من تجاوزها، ما كرس الدور الشكلي لهيئة البيعة.
o سعى الملك الراحل لتعبيد الطريق أمام ابنه متعب لتولي الحكم بعد ولي العهد الحالي الأمير مقرن، فكان الهدف الحقيقي من ابتكاره لمنصب ولي ولي العهد، ليس مواجهة مشكلة زهايمر ولي العهد سلمان في ذلك الوقت، ولكن لتعبيد الطريق أمام ابنه متعب للوصول إلى كرسي الحكم، وبصورة مشابهة تكشف سياسة الملك سلمان منذ الأسبوع الأول لحكمه عن سعيه لتمهيد الطريق أمام نجله محمد لحكم السعودية مستقبلاً.
o ترتكز سياسة الملك سلمان على إزاحة المنافسين الرئيسيين على الحكم من بين الأمراء الشباب على مرحلتين؛ الأولى التحالف المؤقت مع المنافس الأبرز المتمثل في الأمير محمد بن نايف الرجل القوي في الأسرة وأكثر الأمراء الشباب حظوظاً لاعتلاء سدة الحكم بسبب تحكمه في وزارة الداخلية ووحداتها الأمنية المنتشرة في مختلف مناطق المملكة وعلاقته القوية مع الأمريكيين وذلك بتعيينه في منصب ولي ولي العهد.
o ضَمِنَ محمد بن سلمان بهذا التعيين، وحدة جناح الأمراء السديريين -الأقوى داخل العائلة الحاكمة - ودعمهم له رغم وجود أمراء سديريين أكبر وأحق منه في الحكم، كأبناء سلطان، وأبناء فهد، مثلاً، وكذا ضمان ولاء محمد بن نايف نفسه بسبب وقوفه وراء قرار تعيينه في منصب ولي ولي العهد، علاوة على الاستفادة من نفوذ محمد بن نايف داخل الأسرة والأجهزة الأمنية للتخلص من المنافس الآخر المتمثل في الأمير متعب بن عبدالعزيز.
o أما المرحلة الثانية فتتمثل في التركيز على التخلص من الأمير متعب وجناح أبناء الملك الراحل عبدالله، عبر العمل على إضعاف مركز ثقلهم داخل الأسرة والنظام، وهذا الثقل ذو شقين: 
الأول، سياسي ويرجع إلى نفوذ أبناء الملك الراحل في مفاصل النظام والذي تكرس طيلة فترة حكم الملك عبدالله الممتد لأكثر من عقد ونصف.
والثاني، ثقل عسكري جراء تحكم الملك الراحل وأبنائه بقوات الحرس الوطني، والتي تدين بالولاء المطلق لهم، وتشكل قوة موازية للجيش الوطني، ويتكون من 120 ألف جندي يتمتعون بتدريبات احترافية، ومزودين بأحدث المعدات العسكرية، وبحسب مركز الدراسات الاستراتيجية الأمريكي، فإن الحرس الوطني يملك عدداً من الجنود مماثلاً لما لدى الجيش والقوات البحرية معاً في السعودية، وسلاح الحرس الوطني هو مدرع بشكل أساسي، إلا أنه أبرم اتفاقيات في الآونة الأخيرة مع الولايات المتحدة، لاقتناء مروحيات قتالية من طراز "أباتشي" و"بلاك هوك".
o بالنسبة لعملية إضعاف الثقل السياسي لجناح الأمير متعب وإخوانه، فقد بدأت منذ الأيام الأولى لتربع سلمان على الكرسي من خلال التوجه لإنهاء نفوذ جناح أبناء الملك الراحل داخل النظام، وظهر ذلك من خلال:
1- علاوة على تعيين الملك سلمان لمحمد بن نايف في منصب ولي ولي العهد متجاوزاً رغبة أخيه الراحل في تعيين نجله متعب في المنصب، قام بتعيين نجله محمد الذي لم يتجاوز العقد الثالث من العمر في أهم ثلاثة مناصب في النظام، وهى: وزير الدفاع، ورئيس الديوان الملكي والمستشار الخاص للملك، كما أنه عضو في مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ويشرف على كل ما هو مهم في البلاد.
2- أصدر الملك سلمان، عشرات المراسيم الملكية في الأسبوع الأول من حكمه، أجرى بموجبها تغييرات شاملة في المناصب المهمة في الدولة، فأعاد تشكيل مجلس الوزراء برئاسته، وقام بتغيير عدد من أمراء المناطق، وأعاد تشكيل عدد من المؤسسات العامة، وكان الواضح من عدد القرارات وحجم التغييرات الحاصلة أنها كانت معدة من فترة طويلة وفي انتظار وفاة الملك عبدالله لإخراجها إلى النور. 
o طبعاً التغييرات أزاحت غالبية الأمراء وكبار المسئولين الموالين للملك الراحل وأبنائه، في حين كان الهدف من إعادة تشكيل عدد من المؤسسات المهمة تمكين الأميرين محمد بن سلمان ومحمد بن نايف، للتحكم بها عبر توليهما رئاسة الهيئات بصورتها الجديدة بعد الدمج، وكان الطريف في الأمر بقاء وزير الخارجية سعود الفيصل في منصبه رغم أن الرجل تقدم بطلب إعفائه من منصبه لوضعه الصحي المتدهور بعد سادس عملية يجريها في عموده الفقري، والسبب ليس حباً في الفيصل أو تمسكاً به، ولكن للحيلولة دون تولي الأمير عبدالعزيز بن عبدالله المنصب؛ كونه يشغل منصب نائب وزير الخارجية.
3- لم يقتصر الأمر على تغيير الأشخاص وإعادة تشكيل الهيئات، بل تجاوزه إلى الانقلاب الكامل على الأسس العامة للسياسة التقليدية للسعودية على المستويين الداخلي والخارجي، والتي برزت بجلاء على المستوى الخارجي (التقارب مع تركيا، والمصالحة مع قطر، والابتعاد عن نظام السيسي، والتراجع عن سياسة الانفتاح على إيران، ووقف استهداف جماعة الإخوان المسلمين..) أما على المستوى الداخلي فلم يظهر التغير الذي طرأ عليها جلياً إلى حد الآن؛ بسبب تمكن جناح الأمراء السديريين من عرقلتها في مهدها خلال حكم الملك عبدالله (الانفتاح على شيعة المملكة، وعلى الليبراليين، تحريك مسيرة الإصلاحات...) المهم توحي تلك التغييرات، وكأنها محاولة للتخلص من إرث الملك الراحل، وطمس كل ما له صلة بفترة حكمه.
o أما بالنسبة لمحاولة ضرب وإضعاف الثقل العسكري لجناح أبناء الملك الراحل والمتمثل في قوات الحرس الوطني، فظهر من خلال التالي:
1- الحرص على الزج بقوات الحرس الوطني في الحرب على اليمن من خلال إصدار المرسوم الملكي في الأسبوع الرابع من عمر الحرب وقبل ساعات من الإعلان عن انتهاء عاصفة الحزم وبدء إعادة الأمل، تلتها الأخبار في الأيام الأخيرة عن انتشار قوات الحرس في المناطق الحدودية مع اليمن، مع ملاحظة أن مشاركة الجيش السعودي لم يصدر بها مرسوم ملكي، ويبدو أن المرسوم هو خطوة لإنهاء تلكؤ الأمير متعب في المشاركة في الحرب، ومحاولة لتوريط قوات الحرس إلى جانب القوات الموالية للسديريين للحيلولة دون استغلال جناح أبناء الملك الراحل الفشل في الحرب ضدهم، وبما قد يؤدي إلى تعزيز موقف ولي العهد مقرن والأمير متعب داخل الأسرة الحاكمة على حسابهم.
o كما لايستبعد أن يكون المرسوم واجهة ومدخلاً قانونياً لأول خطوة عملية يقدم عليها جناح الأمراء السديريين لاختراق قوات الحرس الوطني - الذي ظل عصياً عليهم منذ تكوينه - ضمن توجه عام يهدف لإنهاء سيطرة أبناء الملك الراحل على تلك القوات وحرمانهم من الورقة الأهم التي يعتمدون عليها لضمان استمرار نفوذهم وثقلهم داخل الأسرة الحاكمة والسعودية عموماً.
2- المكابرة التي يبديها المراهق محمد بن سلمان وإصراره في مواصلة مغامرته الطائشة في اليمن رغم وضوح فشلها وتزايد مخاطرها على بلاده، وارتفاع الصوت المطالب بوقفها داخل الأسرة على اعتبار أن هذه الحرب ستحدد مصيره السياسي خاصة أن فشل السعودية في حربها ضد أنصار الله العام 2009 أدت إلى الإطاحة بالأمير خالد بن سلطان من وزارة الدفاع، وقضت على فرصه في تولي منصب رئيسي في الحكم مستقبلاً.
o ظهر ذلك في الإيعاز لبعض الكتاب والصحفيين لرفض وقف الحرب -حتى لو كان ذلك بأمر من الملك سلمان نفسه - كالانتقاد غير المسبوق الذي وجهه الكاتب السعودي تركي السديري لقرار وقف الحرب في صحيفة الوطن المقربة من القصر الملكي "ماذا استفدنا.. انتهت العاصفة وبقي صالح والحوثي"، والذي لايمكن حدوثه دون إيعاز وضوء أخضر من محمد بن سلمان، وذلك بعد الإعلان السعودي المرتبك عن إنهاء عملية الحزم وبدء إعادة الأمل، وقد تسبب إصراره في المضي قدماً في الحرب في جعل "أمل" أشرس بكثير من "مريم" "عاصفة الحزم" وأكثرها دموية على اليمنيين.
o فخ لاستنزاف وإنهاك قوات الحرس الوطني:
من الواضح أن عاصفة الحزم وإعادة الأمل لهما علاقة مباشرة بصراع محمد بن سلمان والأمير متعب على كرسي الحكم، ويبدو أن محمد بن سلمان، يريد الاستفادة من تجربة اليمنيين في صراعهم على الحكم لتعزيز حظوظه لحكم بلاده مستقبلاً، فمازال الكثير من اليمنيين يتذكرون اتهامات إخوان اليمن للرئيس السابق بافتعال حروب صعدة الست من أجل استنزاف قوات الفرقة الأولى مدرع وإضعاف اللواء محسن لتمكين نجل صالح من الحكم، ويبدو أن محمد بن سلمان بدأ في استنساخ تلك التجربة ومحاولة استخدام الحوثي لإضعاف قوات الحرس الوطني وتجاوز عقبة جناح متعب وإخوانه لإحكام سيطرته على حكم المملكة.
o تنبه الأمير متعب للفخ الذي يعمل محمد بن سلمان على إيقاعه فيه برفضه توريط قوات الحرس الوطني في حرب برية في اليمن، ما مكنه من تفادي الفخ إلى حد الآن، ورغم أن مساحة المناورة ضاقت بعد إصدار الملك سلمان المرسوم الملكي الذي قضى بإشراك قوات الحرس في عاصفة الحزم، لكن توحي تصريحاته الصحفية التي علق فيها على القرار رفضه الضمني لأي دور لقواته في أي عملية برية داخل اليمن بتشديده على أن "الوطن غالٍ ولا يحميه إلا سواعد أبنائه المخلصين"، أي أن مشاركة قوات الحرس هي دفاع عن السعودية وليس مشاركة في الهجوم على اليمن، وهو يتماهى مع مواقف مصر وباكستان، رغم أن المرسوم الملكي قضى بمشاركة قوات الحرس في عاصفة الحزم التي تدور أصلاً على الأرض اليمنية.
o هذا الموقف يفشل فخ الاستنزاف الذي يعمل عليه محمد بن سلمان، لقوات الحرس، لكن سلوكه المتهور ومحاولاته التحكم في كل شيء في السلطة تجعل من غير المستبعد أن يجعل المناطق السعودية المحادة لليمن -التي تم نشر قوات الحرس الوطني فيها - كمناطق استنزاف بديلة حتى لو كان الثمن تكريس حالة من عدم الاستقرار على جزء كبير من مناطق جنوب السعودية، وذلك من خلال تعمد إبقاء العلاقة مع اليمن في حالة لا حرب ولا سلام وأقرب إلى حرب استنزاف طويلة الأمد بين الدولتين ستكون الحدود بين البلدين محورها الساخن.
o يهيئ لمثل هذا الوضع حرص السعودية على تضمين القرار الدولي رقم2216 فرض حصار جوي وبحري على اليمن لسنوات قادمة وسعيها للإشراف على تنفيذه، ما يعني أنها ستكون المسئولة عن محاصرة اليمنيين وتجويعهم والانتقاص من سيادة بلادهم، وردة الفعل اليمنية الطبيعية ستكون هجمات مستمرة على القوات السعودية المرابطة على الحدود.
o كما لايستبعد استخدام محمد بن سلمان، للقاعدة في حضرموت ودفعها لاستهداف القوات السعودية على طول الشريط الحدودي خاصة مع الموقف المريب للسعودية وحلفائها من مسألة سيطرة تنظيم القاعدة على المكلا عاصمة حضرموت، وتجاهلها توجيه أي غارات حقيقية للتنظيم، خاصة بعد سيطرته على القصر الجمهوري والميناء والقاعدة الجوية، وعلى معسكرات تحوي عدداً كبيراً من الأسلحة الثقيلة منها على سبيل المثال أكثر من 70 دبابة، وكأن هناك إعداداً مسبقاً ومحاولة لمساعدة القاعدة حتى يتمكن في المستقبل المنظور من شن هجمات كبيرة على أكثر من اتجاه.
 
o إذاً، قوات الحرس الوطني مقبلة على مواجهة هجمات متنوعة على طول الحدود من الحوثيين، ومن القاعدة، علاوة على محاولة اختراق لقياداتها من قبل الأمراء السديريين، فهل يدرك الأمير متعب أن مجرد رفضه الزج بقواته في اليمن لايكفي لتجاوز الفخ المعد له؟ خاصة أن التخلص من قواته ومن الجناح الذي يمثله داخل الأسرة، أمر ضروري لضمان عدم عودة السعودية إلى صف الإمارات والتحالف المناهض للإخوان وللربيع العربي.
 
عبدالعزيز ظافر معياد [email protected]