الحقوقي السعودي د. حسن العمري: الحرب على اليمن - التضليل السعودي الرسمي .. حتى متى؟ (2-2)

لقراءة الحلقة الأول:
الحرب على اليمن - التضليل السعودي الرسمي .. حتى متى؟ (1-2)

التضليل بخصوص الأعمال العسكرية

قامت الحكومة السعودية بإعلان الحرب في منتصف ليلة السادس والعشرين من شهر أبريل من هذا العام 2015 وقد أعترفت على لسان الناطق الرسمي بوجود تعاون إستخباراتي مع الأمريكان ، وبالتحديد وجود بنك اهداف عسكرية بناءاً على معلومات من القوات الأمريكية المتواجدة والمراقبه للمنطقة ، وهنا هل لنا أن نتسائل عن (حوكمة هذه الأهداف) من الذي يمكنه التأكد من صحتها ودقتها ، وحتى لو كانت دقيقة فهل هي مملوكة للدولة اليمنية أم لمجموعات مسلحة أخرى ، للأسف لاتوجد أجوبة حول هذا السؤال إلا ما أجابت عنه الوقائع ، حيث إتضح لاحقاً أن كثيراً من هذه الأهداف مدنية ، ومن ضمنها مخيم للاجئين ، ومساكن لمدنيين ، كما أن الفقه الإسلامي في مقاصده للحرب لايجيز مثل هذه الأعمال التي هي أقرب للإفساد في الأرض .

هذا وقد أكدت العديد من منظمات حقوق الإنسان المعتبرة إستخدام التحالف بقيادة السعودية لأسلحة محرمة وقوة مفرطة بحسب المعايير الدولية، فضلاُ عن قصف المطارات وتعطيل وصول المساعدات والتي تعتبر كلها مخالفة للقوانين الدولية بل وترقى كثير من هذه الأعمال لتكون جرائم حرب.

كانت هناك أنباء عن تعليق بعض قوى التحالف لأعمال القصف معللة ذلك بإنتهاء بنك الاهداف المتوفر ، ويشهد لمسألة إنتهاء الأهداف العسكرية تلك قيام طائرات التحالف بتكرار قصف أماكن وأهداف لعشرات المرات كنوع من الغضب من فشل هذه الحرب والإستياء من عدم القدرة على تحقيق أهداف هذه الحرب العدائية ، وذلك مثل قصف جبل عطان ونقم والنهدين وغيرها من المواقع ، فضلاُ عن قصف مدينة صعدة بمئات الطلعات الجوية ، ومؤخراً إنذار أهلها المدنيين بالخروج في عمل لايقرة شرع ولا قانون دولي ، فالقصف ومطالبة المدنيين بالخروج الجماعي لايجيزة القانون الإنساني الدولي سواءاً بإنذار او بدونه.

مارست قوات التحالف بقيادة السعودية تضليلاً بخصوص الوقائع على الأرض في عدن والمكلاء ، فلم يتمكن من يسمونهم بأنصار الشرعية أو الرئيس هادي من تحرير عدن من قوات الجيش اليمني والمسنود من اللجان الشعبية وحركة انصار الله .

مثل ذلك التضليل حصل في مدينة المكلاء حيث إستولت العناصر المتطرفه المحسوبة على تنظيم القاعدة على المدينة وتحدثت أنباء عن تزويدهم بأسلحة وإخراج عناصرالتنظيم من سجون الدولة اليمنية دون إيضاح وتبيين شافي من قبل التحالف !

التضليل الإعلامي طال الأعمال العسكرية وساحات الحرب على المناطق الحدودية السعودية في محافظة الحرث ومدينة جازان ونجران وبعض المناطق الأخرى ، فلم يعد المواطن يعرف بالضبط ماذا يحدث هناك إلا من خلال مواقع التواصل الإجتماعي مما جعل المواطنين تحت تأثير الإشاعات والأخبار المضللة .

من أشد أنواع التضليل في المجال العسكري تأكيد الأوساط الحكومية في بداية الحرب مشاركة العديد من القوات العربية والإسلامية في الحرب البرية ، وهنا لم يعرف السعوديون موقف دولة الباكستان الا من خلال وسائل الإعلام الأجنبية والتي اكدت رفض البرلمان الباكستاني المشاركة في هذه الحرب.
كما شمل التضليل في ساعات الحرب الأولى ، عن إعتزام تركيا القيام بمساندة عمليات عاصفة الحزم والتي لم تلبث أن تبخرت ليقوم الإعلام السعودي غير الرسمي والمستتبع بالردح والنيل من دولة تركيا وموقفها من الحرب.

ومن التضليل ، ما حصل مع الجيش المصري وإستعداده للتدخل ، والقمة العربية السريعة وحديث عن جيش عربي ومشاركة سفن بحرية الي جيش يقوم باعمال برية ، ليفاجأ الجميع أن تصريحات وتسريبات الحكومة عبارة عن أحاديث مجالس وأمنيات ، وبنفس الدرجة ماأنفك الإعلام يتحدث عن تدخل ووصول قوات ماليزية ، ليقوم بعدها رئيس الأركان الماليزي بتوضيح أن هذه القوات تعمل حصراً من أجل تأمين إجلاء مواطنيها.

ومن أعمال التضليل التي لم تطل الشعب السعودي فقط بل العالم أجمع هو قيام قوات التحالف بقيادة السعودية بتاريخ 21 أبريل 2015، بالإعلان عن توقف عملية عاصفة الحزم وبدأ عملية إعادة الأمل، وذلك بعد أن أعلنت وزارة الدفاع السعودية إزالة جميع التهديدات التي تشكل تهديداً لأمن السعودية ، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث ، بل زاد القصف ضراوةً ودون بنك أهداف هذه المرة وربما إعتماداً على تبليغات من بعض أطراف المعارضة في الخارج أو بحسب روايات أفراد وتوقعات ، وذلك كما حدث لقصف ميدان السبعين في وسط العاصمة اليمنية خوفاً من هبوط طائرات!! كما تم قصف بعض المواقع الأخرى بنفس الطريقة !!

لقد بنيت هذه الحرب على حسابات عسكرية خاطئة ، ورغم عدم شرعية هذه الحرب الا إن إدارة وقيادة الحرب اشتملت على أخطاء كارثية ولم تكن معقولة فضلاً أن تكون شفافة .

أعمال تضليلية لاتناسب زمن الحرب

من أشد وأغرب أعمال التضليل المصاحبة لهذه الحرب ، وبينما الشعب في أتون هذه الأعمال الإستثنائية الخطيرة إذ بالحكومة تعلن عن أعمال ترتيب مؤسسة الحكم وتنحية ولي العهد وتصعيد إثنين من شباب العائلة وللأسف أحدهما من أكبر منتهكي حقوق الإنسان في العالم والآخر عراب لحرب مأساوية وخاسرة ، ورغم حساسية هذا الموضوع بالنسبة للأسرة الحاكمة والتي أصبح يعتقد كثير من أبنائها أنهم تعرضوا لأكبر عملية إبتزاز لإبعادهم عن ما يعتقدونه حقاً لهم في الحكم إستناداً على ما تقضي به أنظمة البيعة ، الا أنهم يعتقدون أنهم ( أخذوا بليل) كما يقال ووضعوا أمام أمر واقع ، في مقامرة لها ما بعدها عندكثير من المراقبين .

يتبع ذلك من الأعمال التضليلية ، إقامة إحتفالات ضخمة في مدينة الرياض إحتفالاً ببيعة الملك سلمان ، والإفتخار بإنجازات مرور 100 يوم له في الحكم !!!! حيث أقام ابنه وليا للولي ودفع بأحد كبار منتهكي حقوق الإنسان لرأس السلطة !!!! والقيام بأسواء حرب مع أقرب جار !!!!

تتعدد بعد ذلك أعمال التضليل ، لتقوم وزارة الداخلية بالإعلان عن بطولات أمنية والكشف عن ارهابيين ، ليستمر البلد مرهوناً بمثل هذه الأحداث ويتم إلهاء الشعب عن أموره الهامة .

وليس من الصدفة المزايده في الأحداث الرياضية القائمة في زمن الحرب وصدور أوامر ملكية بإيقاف أمراء عن دخول الملاعب او التحدث للصحافة ، في إستثناءات قانونية لا تنطبق على المواطنين الذين لايعاقبون بقرارات إدارية بل بموجب لوائح تنظيمية تحيلهم لهيئة التحقيق ومن ثم الي السجون !!!

هل حققت هذه الحرب أهدافها؟

ونحن نتحدث عن التضليل الإعلامي الحكومي والرسمي حول الحرب في عدة مجالات فمن المنطقي أن نسأل سؤالاً مشروعاً بعد مضي أكثر من شهر ونصف على هذه الحرب وأعمال القصف المتواصل على اليمن ، وهو : هل حققت هذه الحرب اهدافها ؟

وللإجابة عن هذا السؤال يجب أن نذكر بما صرحت به وأعلنته قيادة التحالف من أهداف لهذه الحرب وهي تحقيق طلب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وحماية الشرعية المتمثلة في شخص الرئيس وإزالة التهديد على أمن المملكة ودول الجوار ودرء خطر التنظيمات الإرهابية وأخيراً عودة واستئناف العملية السياسية في اليمن !!!!

وبالنظر والتدقيق نجد أن أياً من هذه الأهداف الرئيسية لم تتحقق، رغم ظهور أهداف جديدة من فترة لأخرى ، وهذا بالضبط عين التخبط عندما لا تكون الحرب واضحة وعادلة ، ولكونها لم تكن نتاج تداول جاد وحكيم من قبل نواب منتخبون يمثلون الأمة .

وهنا يجدر ذكر أن الرئيس المنتهية ولايته والمستقيل عبدربه منصور هادي لم يتم إعادته الي اليمن ، ولم يتم تحرير وتأمين مدينة عدن لتكون عاصمة إنفصال ومجابهة للشمال ، كما أن التهديدات للملكة من قبل القوى التي تخشاها المملكة أضحت في زيادة بل أن العمليات العسكرية طالت مدن جنوب المملكة ، بالإضافة الي زيادة أعمال تنظيم القاعدة بصورة ملحوظة في الجنوب اليمني ، كما لم تسفر هذه الأعمال العسكرية عن إستئناف للعملية السياسية والتي كانت موجودة أصلاُ بحسب المبعوث السابق للأمم المتحدة والذي أدلى بشهادته مؤخراً والتي تحدث فيها عن إجهاض عملية إتفاق كانت وشيكة بين الأطراف اليمنية من قبل قيادة التحالف بسبب هذه الأعمال العسكرية العدوانية.

يبقى سؤال آخر يشغل كثير من المواطنين السعوديين الذين يريدون أن يفهموا هذه الحرب التي تخوضها بلادهم ، وهو أين مؤيدوا الرئيس الذي تتحدث الحكومة السعودية عن طلبه التدخل ؟ والذي يُفترض بهذه العمليات الجوية أن تساندهم ليقوموا هم بالدفاع عن رئيسهم الشرعي ؟!

الجواب من دون تضليل إعلامي ، لايوجد مؤيدون يمثلون شريحة يمكن أن تكون عصبة لحمل حكم قوي في اليمن وذلك بالمنظور الخلدوني أو حتى بمنظور موازين القوى فغالبية القوى مع الثورة الشعبية والجيش واللجان الشعبية وحركة أنصار الله ، وهذا ما أثبتته الوقائع على الأرض ولا يحتاج الي كثير نظر ، ومزيد ذكاء .

الهروب الي الامام

بعد مضي أكثر من خمسين يوماً من أعمال القصف المتواصل ، بدأت أصوات بعض الحلفاء بالإضافة الي كثير من المحللين السياسيين والخبراء العسكريين يتحدثون عن إنكشاف التحالف ، وخلو جعبة قيادته من حلول ورؤية إستراتيجية للأزمة ، وأصبح الحديث عن أزمة ومستنقع تخوض فيه قوات التحالف وبالأخص الحكومة السعودية ، وبعد تخلي كثير من الجيوش العربية والإسلامية عن المشاركة في حرب حقيقية على الأرض لفرض إرادة ورغبات الحكومة السعودية على أرض الواقع ، فإن كثيراً من العقلاء داخل منظومة الحكم السعودي بالإضافة الي الدول المجاورة بمن فيهم من هو شريك في التحالف بدأوا في التذمر من أسلوب إدارة الحرب ومن الفشل الذي منيت به نتيجة للمعطيات الخاطئة ، لذا فما تقوم به الحكومة السعودية الآن هو هروب الي الأمام وتغطية للفشل الإستراتيجي المتمثل في خطأ قرار الحرب إبتداءاً وأيضاً في فشل تحقيق الأهداف وإنعدام أفق التسوية السلمية الا بالإعتراف بالهزيمة .

لقد بدأت الحرب على شكل عاصفة للحزم ثم بعد تدمير اليمن والإستفاقة على حجم الضحايا من المدنيين وحجم التدمير للبنية التحتية لليمن تم الإعلان عن إعادة الأمل لإصلاح مايمكن إصلاحة أمام الرأي العام العالمي ، ثم مؤخرا وبعد قصف المناطق الحدودية ومدن المملكة الجنوبية مثل جازان ونجران أصبح الحديث عن ثأر نجران وبالتالي طلب إخلاء سكان مدينة كاملة ليتم قصفها على طريقة ما يفعلة الكيان الصهيوني في غزة والأراضي المحتلة وللأسف .
لقد أكلت هذه الحرب مئات ملايين الدولارات من خزينة أموال الشعب السعودي ، وتناقص سريع لحجم الإحتياطي المالي القومي ، والأهم من ذلك كله هو الإفلاس الأخلاقي لهذه الحرب ومخالفتها مقاصد الحرب والقتال في الشريعة الإسلامية وفي القانون الدولي الذي لم يعط تفويضا لمثل هذه الأعمال .

حفلة الجنون هذه لم تنتهِ بعد والهروب للأمام ما زال جارياً والتضليل الحكومي على المستويين الرسمي وشبه الرسمي ما زال على أشده ، وقنوات التيه مثل قناة العربية ، وايضاً وللأسف الشديد قناة الجزيرة التي لم نعد ننظر ببراءة لتقاريرها ونشراتها والتي كان الشارع العربي يحترمها عندما وقفت بجانبه في ثوراته .

كل هذا التضليل للتغطية على الثورة المضادة من قبل الملكية الشمولية القائدة لأكبر تحالف غير أخلاقي وعلى أسس طائفية مقيتة لا تصب في صالح التضامن الإسلامي ، ويستفيد منها للأسف بائعوا السلاح الكبار ومسوقوا نظام الدرع الصاروخي لمنطقة الخليج ، بينما تنعم إسرائيل بمن يقاتل عنها وكأن حالنا يصدق عليه قول الله تعالى : (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ) .
فعن أي بطولة أو نصر أو حزم أو أمل يتحدثون !!!!!

* موقع د.حسن العمري