كاتب فسطيني: حتى الأطفال يلتحقون بـ"الدولة الإسلامية" في “السعودية”.. و"أموال المملكة" لم تكن توزع علينا مجاناً

بعض الذين يكنون العداء للجمهورية الإسلامية الإيرانية بصفتها تعتنق مذهباً “شيعياً” مخالفاً لما يعتقدوه، أو لأسباب أخرى مختلفة غامضة وظاهرة، كان آخرها الاتفاق النووي الذي نجحت في توقيعه مع الدول الكبرى، هؤلاء من يعادون إيران يسارعون مباشرةً لتوصيف كل من يعاديهم أو يختلف معهم في الرأي بالأحرى، وينتقد مواقفهم بأنهم صفويون، مجوس، فرس، أبناء زواج المتعة، عبدة النار “سابقاً”، وإلى ما هنالك من عبارات وألفاظ خارجة وجارحة، والعجيب أن كل تلك الألفاظ لا تحضر مجتمعة إلا على لسان أبناء المملكة السعودية الذين تعتبر بلادهم وإعلامهم كذلك الذي يسكب الزيت على النار جمهورية إيران العدو اللدود الذي لا يمكن التحاور ولا التفاهم معها، وربما في بعض قواميس أهل النفط تتقدم في خطرها على خطر مغتصب فلسطين “العدو” الإسرائيلي!

هذه المقدمة ليست محور حديث مقالي، ووضعتها فقط لتهيئة عقول وقلوب القراء لما سأطرحه، ممن يتهمنا بأننا من الثلة الحاقدة على السعودية، وأننا كما يقال “لحم كتافنا من خيرها”، وأننا تمتعنا بتلك الخيرات مجاناً أكثر من أهل البلد أنفسهم يوم عملنا في كنف قانون “الكفيل” الغير منصف، والمذل لبعض الوظائف البسيطة، وتأشيرة الخروج والعودة المثيرة لاشمئزاز من يعنون بحقوق الإنسان، ونحن الذين أتينا لتلك البلاد، ساهمنا في تعميرها ووقوفها على أقدامها، ولم تكن أموال السعودية صدقات توزع علينا، بل كنا أصحاب شهادات جامعية كل في تخصصه، تصرف رواتبنا مقابل خدماتنا، ندير شركاتكم، ونعلم أبناءكم، ونكسب ما قسمه رب العالمين لنا من خيرات في أرضه الواسعة!
حديث مقالي هذا، لربما يكون حلقة مستمرة في مسلسل الأحقاد والعقد حسب البعض التي أعاني منها من المملكة “السنية” التي سأظل أعول عليها، ولو هرمت، وشاب شعري الذي بدأ بالفعل، أن تقوم بدورها الإسلامي العروبي المنوط بها، وتحول بوصلتها “الحازمة” باتجاه أراضي بلادي المحتلة، وإلى ذلك الحين، اسمحوا لقلمي أن يعبر عن مكنوناته “الثائرة”، والتكرار بحسب ما أبلغني أستاذ الرياضيات يعلم “الشطار”!

على “الشطار” أن يفهموا، ويعوا المرحلة الحساسة التي تمر بها بلادهم، وهي بالمناسبة من صنع أيديهم، وهنا أتحدث بالطبع عن خلايا “الدولة الإسلامية” التي تم القبض عليها مؤخراً في السعودية، والخلايا النائمة التي تنتظر أوامر التحرك بالداخل السعودي التي لن تنتهي بين ليلة وضحاها مهما تناولت عيون الأمن من منشطات تساعدها على السهر، والتفجيرات الدموية، والحوادث الهجومية الانتقامية المتفرقة أكبر دليل، فيما مضى بهذه الصحيفة قلت أن ظهور شاب سعودي يبايع “الخليفة” أبو بكر البغدادي في مقطع فيديو مصور أمام الحرم المكي أمر خطير يحتاج إلى مراجعة مواقف السلطات هناك الخارجية والداخلية معاً، والكف عن دعم وتمويل التنظيمات المتطرفة، والأدهى والأمر، التوقف “بحزم” عن زرع بذور الفتنة والتهميش والظلم والاستعلاء التي بدأ حصادها، ويبدو أن بذورها ليست شهية المذاق كما ظنها “نجوم تويتر” الدعاة والمشائخ ممن سخروا علمهم “الرباني” لخدمة السلاطين، ويوم قلنا ذلك ببساطة تم إدراجنا في خانة المجانين الحاقدين، أو الذين ينتقدون، ومن ثم يرجون العفو والمغفرة من صاحب الثوب والشماغ، بانتظار عقود عمل كي تعيدنا إلى جنة الله في الأرض السعودية، وما مقاطع “المبايعة” للخلافة، ودولتها إلا سفاسف أمور، تضخمها عقولنا!

الدكتور خليل الخليل خبير الإرهاب، وعضو مجلس الشورى السعودي السابق، قال إن 60 بالمائة من شباب بلاده جاهزون للالتحاق بتنظيم الدولة، وهذا ما عرضه لهجوم حاد من قبل النخبويين وعامة الشعب، وهو محق في قوله لعدة أسباب ذكرتها في مقالي السبت 7 /25 ضمن زاوية “تلفزيونات”، كان على رأسها المناهج المدرسية السعودية المحشوة بالأفكار التحريضية المتطرفة، وأي إسقاطات على نماذج دراسية علمانية بدول أخرى متأثرة بذات الفكر “الداعشي” لو صح التعبير، هي مجرد تبريرات ساذجة، ومقارنات واهية، فمصنع البلاء هو الأساس دائماً، ولا داعي لذكر بقية الأسباب، حتى لا نتهم بأننا حتى في حقدنا الدفين نكرر!

دعونا نكون واقعيين، ونبتعد تماماً عن صراخ النعام، وأفعالها التي تتهرب من الواقع، “الدولة الإسلامية” اليوم تصول وتجول داخل العربية السعودية بموافقة سلطاتها شاءت أم أبت، وهنا لا أتحدث عن معلومات موثقة، أو إحصائيات اجتهادية كما فعل الدكتور الخليل، وإنما أتحدث عن كل مواطن سعودي وآخر، وما بينهما مواطن “ملتحي وحليق” متأثر منذ الصغر بعقيدة الشيخ محمد بن عبدالوهاب بن سليمان التميمي الذي يقال بحسب أتباعه أنه ليس صاحب رسالة دينية متطرفة، وإنما صاحب فكر إسلامي “حنبلي” نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل، مجدد “ثار” على مظاهر الشرك والفسق والفجور والبدع المنتشرة في زمانه، وأعاد الناس إلى رشدهم القويم في توحيد الله، ودينهم السليم، تماماً كما فعل خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.
وإن كانت لا تصح المقارنة مع النبي الكريم، لكن هناك من تفتيه بضم التاء بمسألة، وهم كثر في الحقيقة، عندما تغيب عنه دليل مسألتك الفقهية في الكتاب والسنة، وحتى أحياناً الإجماع، سيجد ضالته، وأتحدث عن تجربة شخصية، فضالته في اجتهادات “الشيخ” عبدالوهاب أو من تأثر بهم بالأحرى كابن تيمية، وابن القيم، وعقيدته الجدلية القائمة على الإيمان والمعصية، والأمر بالمعروف بالإكراه، والنهي عن المنكر بالزجر والوعيد، هذه العقيدة “الوهابية” التي يحرص السعوديون من رجال دين حاليين على عدم المساس بها، وتطبيقها بحذافيرها، ربما وبحسب عدة مؤرخين وباحثين جاءت على أسس سياسية بحتة قبل أن تكون عقيدة دينية، لتثبيت ركائز حكم العائلة المالكة التي مرت بثلاثة مراحل إلى اليوم، والتي ارتكبت بحق خصومها المعارضين بمرحلتها الأولى جرائم تشابه إلى حد كبير “التوحش” الذي يبث الرعب في قلوب المتخوفين من “بقاء وتمدد”، دولة الخلافة الإسلامية.

وكي نكون أكثر واقعية، صيت “الدولة الإسلامية” وتأثيرها وظهور علمها الأسود الشهير على جدران المدن السعودية، لم يتوقف على فئة الشباب فحسب، ومبايعتهم سراً وعلناً “للخليفة”، وتصريحات بعض عقلاء الفئة الراشدة حول حضورها “الفتان” بالعقول في بلاد الحرمين، بل تعدى ذلك ليصل إلى أطفال المملكة، فحسب مقطع فيديو لطفل سعودي حقق أكثر من 47000 مشاهدة على اليوتيوب منذ رفعه على الموقع، حيث يقول الطفل فيه أنه يريد الانضمام إلى تنظيم الدولة، وقتل والده “ذبحاً”، والذي يعمل ضابطاً في شرطة الرياض، الطفل لم يتعد الخمس سنوات، هذا يعني أنه لا يتقن القراءة والكتابة بعد جيداً، لكنه يملك “آي باد”، وقد حذر والده “الضابط” من الإنترنت، وحث متابعيه على مراقبة أطفالهم، حتى لا يتم استقطابهم بأفكار التنظيم الإرهابية بحسبه، أعتقد أن الأمور باتت واضحة الآن، قد يكون تنظيم “داعش” كما يحب أن يسميه البعض أملاً في الراحة النفسية، ليس على خطى التوحيد “الوهابية” ونبذ مظاهر الشرك، نختلف في هذا، لكن لو سلمنا أن طريقهما لا يتقاطعان في الفكر والعقيدة، الثابت أن أطفالكم اليوم قبل شبابكم جاهزون فكرياً ونفسياً للالتحاق بها، ولربما تكون “دولة الخلافة” ملجأهم المشروع “للثورة”، كما فعل شيخهم محمد بن عبد الوهاب في الماضي، لكن ثورتهم ستكون على الظلم والتهميش والفقر والبطالة ونهب الخيرات، حذاري من قادم الأيام، أصلحوا تتحصنوا، واعدلوا تأمنوا، وكما عهدناكم دائماً “اللبيب من الإشارة يفهم”!

# كاتب وصحافي فلسطيني
* نقلاً عن رأي اليوم