الاردن في عين عاصفة “الدولة الاسلامية”

نبأ مقتل الشاب الاردني محمد مازن الضلاعين في عملية “انتحارية” او “انغماسية”، حسب ادبيات الجماعات الجهادية، نفذتها خلية تابعة لـ “الدولة الاسلامية” ضد قوات الجيش العراقي شمال مدينة الرمادي، تنطوي على مفارقات عديدة، اولها ان هذا الشاب هو نجل النائب المستقل في البرلمان الاردني مازن الضلاعين، وثانيها انه ينتمي الى المحافظة نفسها (الكرك) التي ينتمي اليها الطيار معاذ الكساسبة الذي قتلته “الدولة الاسلامية” حرقا في قفص في اكثر “الفيديوهات” رعبا وترهيبا على الاطلاق.

الذين يعرفون النائب مازن الضلاعين يشيدون به ومواقفه الوطنية داخل البرلمان الاردني وخارجه، ويؤكدون انه ليس متشددا اسلاميا، وانما من النواب المعتدلين، وان كانت عائلته تحسب على الاسلاميين، وعم الشاب القتيل علي الضلاعين يعتبر احد قيادات “الاخوان” في الكرك، ولكن يمكن القول ان الانتماء الى “اخوان” الاردن شيء، و”الدولة الاسلامية” شيء آخر، وربما لهذا السبب اتهم الشاب “الانغماسي” محمد الضلاعين والده ووالدته بالكفر لانهما حاولا ان يثنياه عن مقصده، وان يمنعاه من الانضمام الى “الدولة الاسلامية” سعيا لـ”الشهادة”، وترك دراسة الطب في احدى جماعات اوكرانيا.

والشاب محمد الضلاعين ليس حالة استثنائية على اي حال، فقد سبقه الى الطريق نفسه ابن النائب محمد فلاح العبادي الذي ترك دراسة الطب في القاهرة، والتحق بـ”جبهة النصرة”، وقاتل في صفوفها في سورية حتى قتل، ولا نعرف ما اذا كان قد جاء مقتله في معركة ضد النظام السوري، او ضد “الجبهة الاسلامية”.

التنظيمات الجهادية متغلغلة في النسيج الاجتماعي الاردني، ويشكل الاردن حاضنة قوية لها ولايديولوجيتها المتشددة، ويكفي الاشارة الى ان اهم المرجعيات السلفية للتيار الجهادي مثل الشيخيين ابو محمد المقدسي و”ابو قتادة” يتواجدون على الاراضي الاردنية، ويخرجان من المعتقل حتى يعودان اليه، ومن هنا لم يجاف السيد موسى العبدلات، محامي الجماعات السلفية الاشهر، الحقيقة عندما قال ان هناك اكثر من اربعة آلاف اردني يقاتلون حاليا مع الجماعات الجهادية في سورية والعراق، اكثر من ثمانين في المئة منهم اختاروا القتال في صفوف “الدولة الاسلامية”، وهناك من يقدر عدد القتلى الاردنيين في حدود 420 جهاديا حتى الآن.

اختيار “الجهاديين” الاردنيين لـ”الدولة الاسلامية” ليس محض الصدفة، وانما اختيار متعمد، ويعود الى ان الراحل ابو مصعب الزرقاوي يعتبر المؤسس الحقيقي لـ”الدولة الاسلامية”، ويحظى بمكانة تصل الى درجة “القداسة” في صفوف قيادتها ومقاتليها، على حد سواء.

مقتل الشاب محمد مازن الضلاعين في عملية “انغماسية” ضد القوات العراقية سيشكل قلقا اضافيا للسلطات الاردنية، التي تشارك في الحرب ضد “الدولة الاسلامية”، في اطار التحالف الستيني بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، وكانت، اي الدولة الاردنية، من بين دول عربية معدودة ارسلت طائرات للمشاركة في الغارات الجوية ضد التنظيم وقواعده في سورية والعراق.

من الواضح ان حملة العداء والكراهية في اوساط قطاع عريض من الشعب الاردني ضد “الدولة الاسلامية” التي بلغت ذروتها اثناء اعدام الطيار الكساسبة حرقا بطريقة وحشية قد تآكلت بعض الشيء في الاشهر الاخيرة، او بالاحرى لم تعد بالقوة نفسها، والا كيف نفسر اقدام شاب في مطلع العشرينات، ومن اسرة معتدلة، ومن الطبقة الوسطى، وقريبة من النظام، على ترك دراسته في اوكرانيا، والانضمام الى هذا التنظيم الذي تصفه اجهزة الاعلام الاردنية، الرسمية منها والخاصة، ليل نهار بالارهاب وتحذر الشباب من الانخراط في صفوفه؟

تظل شعبية “الدولة الاسلامية” في الاردن متواضعة اذا عرفنا ان اكثر من تسعين في المئة من الشباب السعودي، ان لم يكن اكثر، يتعاطفون مع هذه “الدولة”، وان اكثر من خمسة آلاف منهم يقاتلون في صفوفها حاليا، وهناك من يقول ان العدد اكبر من ذلك بكثير، ولا يمر اسبوع دون ان تعلن السلطات السعودية عن تفكيك خلية، واعتقال عناصر تنتمي الى فكر هذه الدولة وعقيدتها، وتخطط لهجمات ضد اهداف رسمية.

الاردن يقف في عين عاصفة “الدولة الاسلامية” ويظل احد اهدافها الرئيسية، فقد كتبت عليه الاقدار الجغرافية ان يكون مجاورا لهذه “الدولة” التي باتت امرا واقعا على حدوده الشرقية والشمالية، والدول مثل الشعوب، لا تستطيع ان تهرب من اقدارها، او ان تغير جغرافيتها، او جيرانها، مما يكشف، بل يؤكد، ضخامة حجم المعضلة الاردنية.

* “راي اليوم”