رؤية ثقافية - الوحدة... إنسان في وطن

الوطن يستحق منا الكثير في ظروف تشظيه الصعبة، وربما قليل من الوعي كافٍ لتحريك الركود وإعادة المهابة للوطن من خلال اجتراح الأفكار الإنسانية الكبرى: كالتسامح والتعايش والمواطنة والعمل على تجفيف ينابيع الثأرات والحقد والاحتراب ونبذ كل ثقافة تعمل على تعميق الاختلاف والتنازع والكراهية...

وإيماناً منا في - وكالة خبر - بدور الثقافة والمثقف في تغيير المعادلة فيما يصب في صالح خدمة الوطن ورأب الصدع.. وضعنا هذا السؤال على مجموعة من المثقفين، فكانت إجاباتهم على النحو التالي:

مايو.. ثقافة ومصير

كانت البداية مع عبدالرحمن غيلان والذي قال: إن هذا اليوم العظيم.. يوم الثاني والعشرين من مايو وهو يتسرّب في دمائنا ووجودنا ألقاً استثنائياً لا مثيل له في تاريخ اليمن الحديث.. يدفعنا للمبالغة في تدليله؛ ليس حنوّاً عليه بقدر خوفنا على وهجه من خفوتٍ مريب.. أو انطفاءٍ مفاجئ.
ولكي نحافظ على سموّ ونبل هذا اليوم يجب علينا أن ندرك ماهيته وحقيقة أبعاده المترامية الآفاق والمكتظّة بالمعاني السامية والعطاءات المتوقدة والتي تحوم حولها الكثير من الرياح المكفهرّة.. وتتناوشها سهام الإخوة الذين لا يفقهون من معاني الوحدة سوى أنها وحدة أرض قد تفصلها أسلاك وتتوسطها جدران سميكة تحجبُ شدوها، وتمرج بحرها، وتذبح غيوم سمائها بسكين الجفاف وسوء الطالع.

ولكني أعتقدُ في هذا اليوم الشاهق بوحدة الإنسان قبل وحدة الأرض.. ولولا يقين العقول، وحداء القلوب، ولهفة الضلوع، والشعور العميق بالانتماء، لما حصدنا.. هذا اليوم العظيم بأهدافه، الكبير بأبعاده، الكثير بفرائحه، يتطلّب منّا أن نعمل له لا عليه، ونمضي به لا إليه، ونحفظه في قلوبنا وعقولنا قبل حروفنا واحتفالاتنا الموسميّة.

هذا اليوم يتطلّب منّا الكثير كيمنيين آمنوا بالوحدة بين الشمال والجنوب تترفّع على كل الأحقاد والأوجاع.. وتمضي بالوطن نحو وجود متكامل للجميع دون انتقاص حقّ أو مغالاة طرفٍ ضدّ آخر.

هذا اليوم تنبني عليه ثقافة ماضٍ وحاضر ومستقبل بعيداً عن الركض في تأليه الأشخاص وتقديم مصالح الشعب خدمة دنيئة لأيّ عابثٍ يُذكي دمار اليمن.

على المثقف اليوم أن ينحاز للوطن لا للأشخاص.. ولحقوق المواطن المُرهق لا للنخبة المتفيّدة من نعيم الوحدة لمصالحها الشخصية.. ولليمن كثقافة أولى وأخيرة تتناقل أمجادها الأجيال وفق معايير المساواة والعدالة والتنمية العامة بمختلف المجالات.

على المثقف اليمني أن يدرك حجم المؤامرات الداخلية والخارجية لإجهاض الوحدة.. ويعمل على توعية المجتمع بالانتصار للوحدة لا هزيمتها بأبنائها.

إذاً، لا تراجع عن الوحدة.. بل يجلس الجميع على طاولة الحوار ويعود الحق لأهله من المتضررين من أحبتنا في جنوب اليمن وشماله رغماً عن أي متعجرفٍ أساء استخدام سلطته للإضرار بأنبل حدثٍ عرفته الأمة اليمنية في عصرنا الذي تتصارع فيه قوى الخير مع قوى الشرّ في حربٍ ضروس تستهدف قيمة الوطن ووحدته العظمى من خلال عدوانٍ شاملٍ استباح الوطن في شماله وجنوبه.

بيتنا مظلم ويحتاج المصابيح

أما الشاعر / أحمد الجهمي فقد أجاب على ذلك بقوله: المثقف في بلادنا مصباح واحد زيته إرادته وإبداعه، والوحدة اليمنية بيت مظلم حد الإحباط وإذا لم تتعاضد مصابيح اليمن فلا أمل في أن يغمر الضوء جوانح البيت المحاط بوحشة العالم.. كل يوم يمر أشعرُ بعتمة الأعتاب، وغشاوة الأهل، ولا سبيل إلا في اتحاد مثقفي اليمن.

لذلك أدعو كل المثقفين لتبنّي مشروع وسطي واحد نجتمع عليه نجتهد لإيصاله للمجتمع شعاره: نعم لليمن لا لطائفية، لا لمناطقية، لا لحزبية الخطاب الثقافي، عندها ستتسع دائرة الضوء.

الحاجة إلى التحرر

الكاتب/ صلاح الورافي... حاول أن يعلاج أزمة المثقف اليمني فقال: دور المثقف - حقيقةً - مغيب ومكتوم، الأقلية الحقيقية من المثقفين أقصد.. أما الكثرة البقية فهم مُسيّسون ويُسيّرون في اتجاهاتٍ سياسيةٍ مختلفة وعليه وفي وضعٍ ثقافيٍ كهذا لايوجد دور حقيقي للمثقف.

لكن إن افترضنا، على سبيل المثال، أن اليمن هي المدينة الفاضلة: كان الوضع سيكون مختلفاً؛ فسيكون للمثقف دورٌ كبيرٌ في تأصير روابط الوحدة بين مختلف شرائح المجتمع، وسيبني من أقواله وأفعاله سلاسل وحبالاً ثقيلة تشد شطري اليمن خاصةً وكل اليمن عامةً، لذا يحتاج المثقف في اليمن لأن يتحرر من عبودية الساسة حتى يلتفت للأشياء التي يفترض أنها على عاتقه كمثقف، لا أن يظل عبداً للتوجهات السياسية.

أذكر الأن مقولة العزيز عبدالرحمن غيلان (المثقفون حطب السياسة) هي مقولةٌ حقيقية في مجتمعنا خاصة وفي المجتمعات العربية عامة.. لذا إذا ما كنا نريد أن تلتئم جراح بلداننا، وأن نوقف المهاترات والحروب فيها، علينا أن نوجد وسطاً ثقافياً يكون حقيقةً وسطاً لكل شيء، لا أن يكون وسطاً يسكن الأطراف..