انه يوم "داعش" وهجماته الدموية في سورية واليمن

هجمات دموية مميتة وغير مسبوقة يوم (الاثنين 23 مايو /آيار 2016) خلفت المئات من الضحايا في عدن جنوب اليمن وفي مدينتي جبلة وطرطوس في الساحل الشمالي السوري.. انه يوم "الدولة الاسلامية" كما نقرأ في المقال الافتتاحي لعدد الثلاثاء من جريدة رأي اليوم اللندنية.

وجاء في الافتتاحية:

يمكن القول، ودون اي تردد، ان يوم (الاثنين) كان يوم “الدولة الاسلامية” وتفجيراتها الانتحارية الارهابية القاتلة التي خلفت مئات القتلى والجرحى في ثلاث بلدان، وعدة مدن، في الوقت نفسه، فهذه “الدولة” التي يفضل البعض اسم “داعش” في وصفها كانت، وستظل، حتى الآن على الاقل، وفي المستقبل المنظور، محور معظم الحروب والصدامات في المنطقة.

فيوم امس (الاثنين 23 مايو /آيار 2016) افاقت منطقة الساحل الشمالي السوري على سبع تفجيرات “متزامنة” بالاحزمة الناسفة والسيارات المفخخة، ادت الى سقوط 120 قتيلا، معظمهم من ابناء الطائفة العلوية، وتكرر المشهد نفسه تقريبا في مدينة عدن جنوب اليمن، حيث سقط 41 قتيلا، جميعهم من العسكريين، وضباط في الجيش اليمني، وهو ثاني انفجار من نوعه يستهدف قاعدة للجيش في غضون عشرة ايام.

اما الحرب الثالثة التي تخوضها "الدولة الاسلامية" فهي دفاعية، فبعد حصار استمر عدة اشهر لمدينة الفلوجة (50 كيلومترا شمال بغداد)، بدأت قوات الجيش العراقي، مدعومة بقوات الحشد الشعبي والعشائر، هجوما لاستعادة المدينة، واخراج مقاتلي “الدولة” منها.

قد تكون التفجيرات “المتزامنة” التي استهدفت محطات للحافلات ومستشفى مدني في الساحل الشمالي السوري الاكثر خطورة واهمية في الوقت نفسه، حيث كانت هذه المنطقة تعتبر الاكثر تحصينا من قبل السلطات السورية، والاكثر ولاء لها في الوقت نفسه، وظلت طوال السنوات الخمس الماضية من عمر الازمة تعيش حالة من الامن والاستقرار، حتى ان الكثير من ابنائها عادوا اليها من العاصمة دمشق، ومدن سورية اخرى بسبب هدوئها وامنها، هربا من قذائف الهون والمواجهات والحصارات الشرسة.

السؤال الذي يتردد على السنة اهالي الساحل والعديد من الخبراء، هو كيفية وصول مقاتلي “الدولة الاسلامية” الى قلب مدينتي جبلة وطرطوس بسياراتهم المفخخة، (ست سيارات) واحزمتهم الناسفة؟ ولماذا الآن على وجه التحديد؟

بداية وقبل الاجابة عن هذا السؤال، لا بد من التنبيه الى ان الساحل الشمالي، ومدينتي طرطوس واللاذقية على وجه الدقة، هي مقر القواعد البحرية والجوية الروسية، ووصول الانتحاريين والسيارات المفخخة اليهما سيسبب قلقا كبيرا للقيادة الروسية اكثر منه للسلطات السورية الحاكمة في العاصمة دمشق.

الامر المؤكد ان اختراقا امنيا كبيرا ادى الى وصول السيارات المفخخة الى اهدافها في محطتي الحافلات الرئيسية في طرطوس وجبلة، وفي تزامن محسوب بدقة، مما يؤكد ان عناصر “محلية” موالية للتنظم قدمت المساعدات اللوجستية لانتحاريه ومقاتليه، او ان هناك جهات أمنية فاسدة جرى شراء ذمم بعض ضباطها بالمال، وهو موجود بكثرة في خزائن “الدولة” هذه الايام، والسلطات الامنية التي تتولى التحقيق في هذا الاختراق تضع مثل هذه الاحتمالات في عين الاعتبار بكل تأكيد.

واذا اردنا الاجابة على السؤال الاول حول توقيت هذه التفجيرات، لا بد من النظر الى المشهد السوري وجبهاته الميدانية، وما يجري فيها من تطورات بشكل اعم واشمل، فالتحضيرات تسير على قدم وساق لشن هجومين متزامنين على مدينتي الرقة والموصل، الى جانب الفلوجة، ضد “الدولة الاسلامية”، وستقوم قوات سورية الديمقراطية الكردية التابعة للسيد صالح مسلم بالدور الاكبر في هذا الصدد، وبإشراف مباشر من قوات امريكية خاصة يزيد تعدادها عن 250 جنديا، حسب الارقام المعلنة، ومن المتوقع ان يبدأ الهجوم على مدينة الموصل وبإشراف وغطاء جوي امريكيين بعد حسم معركة الفلوجة التي بدأت ليل الاحد.

لا نستبعد ان تكون قيادة هذه “الدولة” التي بدأت تشعر بلهيب الحرب يقترب من ثوبها، ارادت من خلال هذه الهجمات ان تنقل الحرب الى قلب المناطق الساحلية الاكثر التفافا حول النظام السوري، في ضربة استباقية ثأرية، لاستعراض عضلاتها، ورفع معنويات مقاتليها.

رسالة “الدولة” واضحة تقول مفرداتها انها ما زالت قوية، وتملك اذرع عسكرية قادرة على الوصول الى اي مكان داخل سورية والعراق واليمن وليبيا، رغم ضخامة الحشود والتحالفات العسكرية ضدها في هذه الدول جميعا، متفرقة او مجتمعة، ورغم الضربات الدموية التي جرى توجيهها اليها، والهزائم التي لحقت بها في بعض الجبهات.

الرسالة خطيرة، ولكنها ربما تعطي نتائج عكسية، بمعنى التعجيل بالهجمات التي تستهدف الموصل والرقة، واعتماد الحل العسكري بطريقة اكثر شراسة في الازمة السورية خصوصا، واعتبار اتفاق وقف اطلاق النار، ومعه العملية السياسية التفاوضية التي انجبته، في حكم الملغى والمنهار.

انها الحرب والقصف الجوي بالبراميل السورية، او القصف الصاروخي الروسي، او السيارات المفخخة والاحزمة الناسفة، في الوقت نفسه، ولم تعد هناك اي ملاذات آمنة في سورية، لا في الوقت الحالي او في المستقبل المنظور، والهدف الاساسي لهذه الحرب هو “الدولة الاسلامية”، التي تثبت يوما بعد آخر، انها القوة الاخطر والاكثر تنظيما.