خروج بريطانيا: بوتين يفوز، وروسيا تحقق هدفها الأقصى

لم تصدر من موسكو أي ردود أفعال دبلوماسية عن قرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي. لكن من المؤكد أن الكريملين ينتشي في السر بنجاح أولي للعبته الخطيرة، حسب وجهة نظر إنغو مانتويفل رئيس القسم الروسي بمؤسسة التلفزة الألمانية DW.
 
نيغل فاراغ وبقية السياسيين المشككين في أوروبا داخل الاتحاد الأوروبي كالهولندي خيرت فيلدرز والفرنسية مارين لوبان ليسوا الرابحين الوحيدين من قرار بريطانيا؛ فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتبرهو الآخر أحد المستفيدين من استفتاء "بريكست" (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي). غير أنه من المستبعد أن يصرح بوتين بذلك علنا. فهو يقدم نفسه كرجل دولة عالمي يزن كلماته الدبلوماسية عند قيامه بردة الفعل. 
 
وفي المقابل طغت أجواء التشفي ودموع التماسيح على شاشات القنوات المسيسة من طرف الكريملن، غداة الإعلان عن قرار"البريكست". فوسائل الإعلام الروسية الرسمية تروج منذ زمن طويل صورة سلبية عن اتحاد أوروبي، في طور الانهيار. 
إنغو مانتويفل رئيس القسم الروسي بمؤسسة DW
إنغو مانتويفل رئيس القسم الروسي بمؤسسة DW
"شعبوية عالمية" لبوتين
 
أعادت رغبة بريطانيا في الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى أذهان الروس مرحلة سقوط الاتحاد السوفيتي. وصحيح أن قرار "بريكست" هو مرحلة تاريخية فاصلة؛ لكن من المستبعد أن يؤدي ذلك إلى انهيار تام للنظام الاقتصادي والسياسي في أوروبا على غرار ما حصل في الاتحاد السوفيتي. غير أن هذه الحقيقة يتم حجبها عن مشاهدي القنوات الروسية، وفي المقابل تروج أبواق دعاية الكريملين لهؤلاء المشاهدين خرافات عن أوروبا الواهنة جدا، وغايتها في ذلك هي إلهاء الشعب الروسي عن أزمته الداخلية حتى تتمكن النخبة الروسية الحاكمة من بسط نفوذها والتفرد بالسلطة.
 
لا يمكن تحميل السياسة الروسية مسؤولية صعود النزعات الشعبوية في أوروبا أو حتى في الولايات المتحدة، إذا ما أخذنا دونالد ترامب كمثال على ذلك. فأسباب هذا الصعود تكمن في نسيج معقد من العوامل الديموغرافية والسياسية والاجتماعية. رغم ذلك زاد الكريملين في السنوات الماضية بطريقة لا تقبل الشكوك في دعمه للجماعات الشعبوية والمعادية للاتحاد الأوروبي. سواء كان ذلك في شكل قروض من بنك روسي شيشاني لحزب الجبهة الوطنية بزعامة لوبان أو على شكل تغطية إعلامية منحازة بشكل واضح لحزب الاستقلال البريطاني، برئاسة نيغل فاراغ أو حتى لحركة استقلال اسكتلندا في 2014.
 
تقوية النزعات الشعبوية في أوروبا ذات الطابع اليميني في الغالب واليساري أحيانا من شأنها أن تؤدي إلى زعزعة استقرار أوروبا وتقليص نفوذها. إذ يشير المنطق هنا إلى أن تعميق الخلافات في أوروبا سيخلق بطبعه فرصا لروسيا لفرض كلمتها على طاولة المفاوضات مع الإتحاد الأوروبي، خاصة في مسألة تخفيف العقوبات الأوروبية المسلطة عليها.
 
روسيا تحقق أقصى هدف في سياستها الخارجية
 
مَكَّن قرار"بريكست" روسيا من تحقيق هدفها الأقصى في أوروبا. إذ سينشغل الاتحاد الأوروبي في السنوات القادمة بسياسته الداخلية. ومن جهة أخرى سيكون من الصعب في الوقت الحالي التفكير في توسيع الاتحاد. وهذا ما يشكل خبرا سيئا لكل الأوكرانيين والمولدافيين والجورجيين. قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي جعل حلم دول سوفيتية سابقة ودول من البلقان في الانضمام للاتحاد صعب المنال. كما أن القرار المرتقب لإلغاء تأشيرة الدخول لمواطني أوكرانيا وجورجيا سيكون أمرا صعب التنفيذ.
 
لقد تحطمت آفاق أوكرانيا ومولدافيا وجورجيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ما يعني أن هذه الدول ستعود بطريقة غير مباشرة إلى ما تعتبرها روسيا "مناطق نفوذها" المشروعة تاريخيا، حتى وإن لم يصرح سياسيو الاتحاد الأوروبي بذلك علنا. وبذلك فإن بوتين هو بدون شك أحد الرابحين من قرار "بريكست".