مدمر آثار يمثل أمام "الجنائية الدولية" ويطلب الصفح (فيديو)

في سابقة من نوعها على المستوى العالمي تفتح الأبواب أمام ملاحقة مدمري الآثار والممتلكات الثقافية والأضرحة أمام القضا، مثل مدمر أضرحة تمبكتو وهو جهادي مالي أمام المحكمة الجنائية الدولية.

وهي خطوة مهمة اعتبرت رسالة مفادها أن جرائم الهدم والتدمير للتراث الثقافي والديني لن تمر دون عقاب.

وقال بيان باسم بان كي مون "إن هذه الهجمات تمثل هجوما قاسيا على كرامة وهوية شعوب بأكملها وجذورها الدينية والتاريخية".

أول محاكمة دولية تركز على تدمير المعالم التاريخية والدينية

(الأمم المتحدة) - في سابقة تعد الأولى من نوعها، افتتحت المدعية العامة بالمحكمة الجنائية الدولية القضية ضد أحمد الفقيه المهدي المتهم بجرائم حرب تتمثل في تدمير المعالم التاريخية والدينية في مدينة تمبكتو بمالي، في الفترة من نهاية حزيران/يونيو 2012 والحادي عشر من تموز/يوليو 2012.

وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت أمر اعتقال بحق المهدي في سبتمبر من العام الماضي، وقام المتهم بتسليم نفسه إلى المحكمة في الشهر نفسه حيث يمكث رهن الاعتقال في عهدة المحكمة، ثم أعلن أمام القاضي رغبته في الاعتراف طواعية بذنبه في تلك الجرائم.

المتحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية، فادي العبد الله، أشار إلى أهمية هذه المحاكمة الدولية كونها السابقة الأولى التي يعترف فيها المتهم بذنبه أمام المحكمة الجنائية الدولية وأول محاكمة دولية تركز على تدمير المعالم التاريخية والدينية:

"هذه أول قضية أمام المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بمالي وأول قضية يقر فيها المتهم بذنبه وهي أول قضية أمام المحكمة الدولية تركز بشكل حصري على موضوع المباني التاريخية أو الأماكن المخصصة للعبادة، وبالتالي هذه المحاكمة ترسل رسالة قوية الى أهالي تمبكتو ومالي بأن العدالة تأخذ مجراها وأن الاعتداءات ضدهم وضد رموزهم ورموز هويتهم وإرثهم الثقافي لن تمر بدون عقاب، وهي أيضا رسالة تذهب إلى أبعد من حدود مالي تقول إن مثل هذه الاعتداءات تشكل جرائم خطيرة لا يجوز غض النظر عنها ولا يجوز الاستمرار بها بدون عقوبة."

وردا على سؤال حول ما إذا كانت هذه المحاكمة ستساعد في جلب قضايا مشابهة وخاصة ما يحدث في سوريا والعراق أمام العدالة، قال المتحدث باسم المحكمة أن كلا البلدين لم ينضما إلى نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة وبالتالي فإن اختصاصها لا يشمل الجرائم المرتكبة في أراضيهما:

"أعتقد أنه بشكل عام أن محاكمة اليوم عبر إرسالها هذه الرسالة بأن هذه جرائم خطيرة لا يجوز غض النظر عنها وينبغي معاقبة مرتكبيها، وأيضا عبر رسالة اهتمام وسائل الإعلام والجمهور بشكل عام، بالطبع سوف تشكل جوا داعما أكثر لضرورة منح المحاكم الصلاحيات والإمكانيات اللازمة لها للقيام بعملها في ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم سواء كان على المستوى الوطني، وهو المستوى الذي له الأولوية عموما، أو كان ذلك على المستوى الدولي."

وكانت بعض منظمات حقوق الإنسان قد انتقدت عدم توجيه اتهامات تتعلق بانتهاكات يدعى أن المتهم قد ارتكبها، ولكن المحكمة قالت إن التحقيقات ما زالت مستمرة في هذا الشأن وأنه قد يتم توجيه تهم جديدة إذا تم العثور على أدلة وثبت تورط المتهم في هذه القضايا.

الجدير بالذكر أن أقصى عقوبة يمكن أن تحكم بها المحكمة الجنائية هي ثلاثون عاما، إلّا أن المدعية العامة ستطالب في هذه القضية بعقوبة تتراوح بين تسعة أعوام وأحد عشر عاما بعد الأخذ بعين الاعتبار تعاون المتهم مع المحكمة.

جهادي يطلب الصفح بعد اعترافه بهدم اضرحة في تمبكتو

(أ ف ب) - طلب جهادي مالي متهم اعترف الاثنين امام المحكمة الجنائية الدولية بانه امر وشارك بتدمير اضرحة مدرجة على لائحة التراث العالمي للانسانية في مدينة تمبكتو في مالي، الصفح من شعبه ودعا المسلمين الى عدم القيام بمثل هذه الاعمال "الشريرة".

وهذه المحاكمة تشكل سابقة للمحكمة الجنائية الدولية في عدة نقاط: فالجهادي هو اول متهم يحاكم لجرائم حرب تتعلق بتدمير تراث ثقافي واول شخص يعترف بذنبه في تاريخ المحكمة. وهو اول مالي يشتبه بانه جهادي يمثل امام القضاء الدولي والاول الذي يحاكم لجرائم وقعت خلال النزاع في مالي.

وقال احمد الفقي المهدي بعد تلاوة محضر الاتهام "يؤسفني القول ان كل ما سمعته حتى الآن صحيح ويعكس الاحداث". واضاف "اقر بانني مذنب".

وتابع الفقي المهدي "اطلب منهم الصفح واطلب منهم ان يعتبروني ابنا ضل طريقه". وقال "امثل امامكم يملؤني الندم والاسف" مضيفا "اشعر بالندم على افعالي وعلى كل الاضرار التي سببتها لاحبائي لاخوتي ولامي، لوطني، جمهورية مالي والانسانية جمعاء".

ايه ان بي/اف ب / باتريك بوست الجهادي المالي احمد الفقي المهدي خلال محاكمته في لاهاي في 22 اب/اغسطس 2016
ايه ان بي/اف ب / باتريك بوست الجهادي المالي احمد الفقي المهدي خلال محاكمته في لاهاي في 22 اب/اغسطس 2016

وتتهم المحكمة في هذه المحاكمة غير المسبوقة، الفقي المهدي الذي ينتمي الى الطوارق بانه "قاد عمدا هجمات" على تسعة اضرحة في تمبكتو وعلى باب مسجد سيدي يحيى بين 30 حزيران/يونيو و11 تموز/يوليو 2012.

وكانت مدينة تمبكتو التي اسستها في القرن الخامس قبائل من الطوارق، ازدهرت بفضل قوافل التجارة واصبحت مركزا ثقافيا كبيرا للاسلام بلغ ذروته في القرن الخامس عشر.

"صفحة سوداء"

وامر الفقي المهدي بصفته رئيس "الحسبة" التي تشرف على تطبيق الشريعة، بشن هجمات وشارك في الهجوم على اضرحة الاولياء وتدميرها بالمعاول وادوات هدم اخرى.

وقالت مدعية المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا ان "هذه المباني كانت الاشهر في تمبكتو وتشكل جزءا من ارثها التاريخي وجزءا من تاريخ مالي والعالم".

واضافت "انها جريمة تشكل ضربة للقيم العالمية التي يتوجب علينا حمايتها"، معتبرة ان "ما حدث في تمبكتو صفحة سوداء في تاريخ المدينة".

وكانت بنسودا قالت لوكالة فرانس برس ان "مهاجمة وتدمير المواقع والرموز الثقافية والدينية لمجموعات سكانية هما اعتداء على تاريخها". واضافت "يجب الا يفلت من القضاء اي شخص يدمر ما يجسد روح الشعوب وجذورها".

وصرح القضاة ان المحاكمة يفترض ان تستمر اسبوعا. وسيقدم كل من الاتهام والدفاع مرافعته. اما الادانة والحكم فسيعلنان في وقت لاحق.

السجن بين تسعة اعوام و11 عاما

يؤكد الاتهام ان هذا الرجل الذي يضع نظارات رقيقة والمولود قرابة العام 1975، كان عضوا في جماعة انصار الدين المؤلفة من الطوارق والتي سيطرت في 2012 على شمال مالي، وضمنه تمبكتو على بعد الف كيلومتر شمال شرق باماكو، مع تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي، لحوالى عشرة اشهر قبل تدخل دولي بدأ في كانون الثاني/يناير 2013.

والفقي المهدي الذي ينتمي الى الطوارق امضى طفولته في حفظ القرآن وشكل تجسيدا للنظام الذي فرضه الجهاديون في شمال مالي في 2012.

وتقرب من السادة الجدد في تمبكتو واصبح منظرهم ورئيس الحسبة التي تشرف على تطبيق الشريعة. وقد شكلها في نيسان/ابريل 2012 والتحق بجماعة انصار الدين.

يطلق على تمبكتو اسم "مدينة الـ333 وليا" بوحي من اضرحة الاولياء الذين يتبرك بهم سكان المدينة في حياتهم من الزواج الى صلوات الاستسقاء في اوقات الجفاف او لمكافحة الفاقة.

اف ب/ارشيف / اسلاميون يهدمون ضريحا في تمبكتو في تموز/يوليو 2012
اف ب/ارشيف / اسلاميون يهدمون ضريحا في تمبكتو في تموز/يوليو 2012

ويقول محضر الاتهام ان الجهاديين حاولوا القضاء على هذه الشعائر قبل ان يلتفتوا الى تدمير الاضرحة.

واكد مصدر في مكتب المدعي العام ان الاتهام سيطلب السجن بين تسع سنوات و11 عاما للفقي المهدي. واكد احد محاميه جان لوي جيليسن ان المتهم ينوي استئناف الحكم اذا صدر الحكم بهذه المدة.

وقال احمد الفقي المهدي انه كان حينذاك "تحت سطوة عصابة من قادة للقاعدة وانصار الدين وخضعت لضغوطهم".

واضاف "بقي ان اوجه رسالة الى كل مسلمي العالم: لا تقوموا بهذا النوع من الاعمال التي لا حدود لعواقبها ولا فائدة منها".

وتابع "املي ان تسمح لي السنوات التي ساقضيها في السجن بتطهير نفسي من الارواح الشريرة التي سيطرت علي".

بان كي مون: هجوم على كرامة وهوية شعوب بأكملها

(الأمم المتحدة) - في بيان منسوب إلى المتحدث باسمه رحب الأمين العام للأمم المتحدة ببدء محاكمة أحمد فقيه المهدي، الذي يُزعم أنه ينتمي إلى جماعة أنصار الدين، والمتهم بتدمير معالم أثرية ودينية عمدا في مدينة تمبكتو بمالي، في حزيران يونيو وتموز يوليو عام 2012.

وقال الأمين العام إن هذه هي المرة الأولى التي تنظر فيها المحكمة الجنائية الدولية في قضية جريمة توجيه هجمات عمدا ضد الممتلكات الثقافية.

الأمين العام بان كي مون. الصورة: الأمم المتحدة
الأمين العام بان كي مون. الصورة: الأمم المتحدة

وأشار بان كي مون إلى ما وصفه بالاتجاه المتزايد المثير للقلق للتدمير المتعمد للتراث الثقافي في حالات النزاع المسلح، وقال إن هذه الهجمات تمثل هجوما قاسيا على كرامة وهوية شعوب بأكملها وجذورها الدينية والتاريخية.

وأثنى الأمين العام على المحكمة لوضع هذه المسألة المهمة في طليعة الجهود الرامية إلى ضمان العدالة والمساءلة الدولية.