رأي- تقسيم اليمن إلى دويلات أربع.. هذا ما يريده الأشقاء!!

لم يكن قرار هادي نقل البنك المركزي الى عدن، وقبلها دعوة عيدروس الزبيدي محافظ عدن في العاشر من سبتمبر الجاري لتشكيل كيان سياسي سني في المحافظات اليمنية الجنوبية، إضافة إلى ما تضمنته تهنئة بعيد الأضحى المبارك بعثتها قيادة التحالف إلى أبناء حضرموت من عبارات لافتة (أبناء الشعب الحضرمي العظيم - الجيش الحضرمي)، إلا آخر الأمثلة التي تؤكد أن شن السعودية والإمارات ودول ما يسمى التحالف العربي عدوانها على اليمن منذ أكثر من عام ونصف، يتجاوز مسألة دعم شرعية هادي والحيلولة دون سيطرة إيران على اليمن، إلى تدمير الدولة اليمنية تمهيداً لتقسيم البلد على أسس مذهبية ومناطقية ولأسباب مختلفة.

رغم حرص الدولتين في عدم البوح علناً بنوايا التقسيم وإبقائه طي الكتمان إلى حين استكمال الترتيبات اللازمة لذلك، إلا أن مسار الأحداث على الأرض ومجموعة من التصريحات لقيادات وشخصيات مقربة من النظام الإماراتي خصوصاً، وتسريبات إعلامية من حين لآخر، جميعها تميط اللثام عن بعض ملامح المخطط وعناوينه العريضة يتمثل أبرزها في التوجه نحو تقسيم اليمن إلى أربعة كيانات، على الأقل، بحيث يقسم الشمال إلى كيانين على أساس مذهبي: الأول، شيعي يشمل إقليم آزال أو المحافظات ذات الغالبية الزيدية (صنعاء، ذمار، عمران، وصعدة)، وربما يضاف إليه أجزاء من محافظات الجوف وحجة والمحويت، والكيان الثاني سني يضم المحافظات ذات الغالبية الشافعية (تعز، إب، الحديدة، مأرب، البيضاء، ريمة) وأجزاء من المحافظات الثلاث السالفة الذكر.

في حين يظهر التوجه نحو تقسيم المحافظات الجنوبية إلى كيانين على أساس جغرافي، بحيث يضم الأول المحافظات الشرقية المنضوية في إقليم حضرموت (شبوة، حضرموت، المهرة، أرخبيل سقطرى) والثاني، المحافظات المنضوية في إقليم عدن أو ما يعرف من قبل الحراك الانفصالي بالجنوب العربي (عدن، أبين، لحج، والضالع).

رغم أن الغموض لا يزال هو السائد فيما يتعلق بالتقسيم المذهبي للشمال خاصة أن المعركة العسكرية لم تحسم فيه بعد حتى يتسنى الانتقال إلى المرحلة التالية من مخطط التقسيم، إلا أن الأمر لم يخلُ من بعض المؤشرات الدالة عليه، لعل أبرزها تصريحات لمسئولين بارزين في حكومة هادي من أبناء تعز أمثال عز الدين الأصبحي، وزير حقوق الإنسان في حكومة هادي، ففي تصريح لقناة إماراتية (سكاي نيوز عربية) في يناير الماضي، قال الاصبحي، إن جوهر الحل في اليمن يكمن في حل قضية تعز، كونها المفتاح الحقيقي للقضية اليمنية برمتها، لافتاً إلى أن الأمر يتجاوز فك الحصار وتقديم المواد الإغاثية إلى إعادة الإنصاف لتعز كحاملة للمشروع الوطني، وتلميحه في تصريحات تالية أن تعز ستفاجئ الجميع.

ما لم يقله الأصبحي صراحة قاله الدكتور صلاح المقطري، رئيس ما يسمى المجلس الأعلى لقضية تعز في تصريح إعلامي في أبريل 2016م، دعا فيه المتحاورين في الكويت إلى عدم تجاوز قضية تعز، وأن الصراع فيها يتركز حالياً ما بين الأئمة الزيدية والأئمة الشافعية، مشيراً إلى أن هناك أصواتاً تطالب في حالة تم اعتماد اليمن من إقليمين بأن تكون تعز لها إقليم مستقل، ما لم فإنه سيكون لها مطالبات بالانفصال وتكوين دولة مستقلة لها.

يضاف إلى ذلك خروج عشرات الشباب من أنصار المقاومة في تظاهرات محدودة في تعز، وترديدهم هتافات برع يازيود، ومطالبات باستقلال تعز، علاوة على تغريدات عديدة لضاحي خلفان، نائب رئيس شرطة دبي، تارة يدعو إلى إقامة كيان سني في المناطق الشافعية، وأخرى يدعو إلى اقتطاع وسط اليمن من صنعاء، وثالثة يدعو إلى محاصرة الزيود في إقليم آزال، ويبدو أن هناك تعمداً من قبل الإمارات تحديداً في إيلام وإطالة معاناة تعز، بحيث يتم استخدام تلك المعاناة لاحقاً كمبرر لتخلي تعز عن قيادة المشروع الوطني، والتحول إلى رأس حربة في مشروع إقامة الكيان السني في جزء من الشمال.

أما بالنسبة للتوجه نحو تقسيم الجنوب، فيظهر أكثر وضوحاً وبمسار تصاعدي متسارع، وهناك المئات من الأمثلة الدالة على ذلك، ويمكن إيجازها في محورين رئيسيين، هما:
الأول: مواقف سياسية رسمية وشبه رسمية وتسريبات إعلامية وكما يلي:

1 - تصريحات صادرة عن مسئولين بارزين في حكومة هادي وشخصيات مقربة من النظامين الإماراتي والسعودي تؤكد في مضمونها المضي قُدماً نحو إقامة دويلة في الجنوب، وفي مقدمة هؤلاء محافظا عدن ولحج، الوزير السلفي هاني بن بريك، وزير الزراعة أحمد الميسري، وتسريبات عن وزير الداخلية حسين عرب، إضافة إلى تصريحات انفصالية متكررة لمستشارين سياسيين لهادي على شاكلة المفلحي والعطاس وغيرهما.

2 - تصريحات لمسئولين حاليين وسابقين في حكومة هادي تتضمن تلميحات إلى الدولة الحضرمية وحق الحضارمة في إقامة دولة خاصة بهم، وتعتبر تغريدات خالد بحاح نائب الرئيس السابق والمحسوب على الإمارات، الأبرز في هذا الشأن، وكان حمل منشوره الأول بعد تعيينه نائباً لهادي نزعة انفصالية حضرمية خالصة، وبعد إزاحته من منصبي نائب الرئيس ورئيس الحكومة وبمناسبة استعادة المكلا من القاعدة نهاية أبريل الماضي، عادت تلك النزعة بقوة في منشور قال فيه (آن لحضرموت أن تستعيد تأريخها المشرق، بعد أن ظلّـت لسنين طوال في دائرة التهميش والإقصاء والفيد المنظم...آن لشبابها المتنور أن يرفع الصوت، وأن يحملوا على عاتقهم مسؤولية استعادة حضرموت من لصوص الهوية الدخيلة)، يضاف إلى ذلك تصريحات ذات نزعة حضرمية واضحة لباحميد محافظ حضرموت السابق عقب عودته إلى سيئون من الرياض.

ما يلفت الانتباه هنا، أن أكثر التصريحات مجاهرة بالانفصال والمتحمسة له كانت تصدر عقب أو أثناء الزيارات المتكررة للشخصيات سالفة الذكر إلى أبوظبي تحديداً، كما حصل في دعوة عيدروس الزبيدي الأخيرة بشأن تشكيل كيان سياسي سني في الجنوب، التي جاءت عقب زيارته لأبوظبي والرياض قبل أكثر من أسبوعين، ورغم مسارعة عيدروس في سحب كلمة "سني" من منشوره على صفحته الرسمية بعد الضجة الكبيرة التي أحدثها ذلك، وما تلاه من تطمينات بشأن المغزى من دعوته من إنشاء الكيان السياسي عبر تسريبات إعلامية تفيد أن الهدف من ذلك إيجاد قيادة جنوبية موحدة تشارك في مفاوضات السلام المقبلة شريطة أن يكون الحل في إطار اليمن الواحد.

لكن مثل هذا الكلام لايعدو عن كونه مجرد مناورة وتكتيكاً لاحتواء ردة فعل الطرف الآخر ولتجنب أي محاولات لإعاقة إنشاء المجلس، ويرجح ذلك أن دعوة الزبيدي جاءت عقب أخبار عن زيارته للولايات المتحدة أعدت ورتبت لها الإمارات، وقبلها زيارة مماثلة قام بها حيدر العطاس لأمريكا، ورغم تمسك الولايات المتحدة والدول الغربية باليمن الواحد، إلا أن تصريحات سابقة لمسئولين غربيين كانت تطالب الجنوبيين أولاً بقيادة موحدة قبل أن يتحدثوا عن الانفصال، بمعنى أن عيدروس أدرك عقب زيارته للولايات المتحدة أن أي اختراق في الموقف الدولي من قضية الوحدة لن يتم إلا عبر تشكيل قيادة جنوبية موحدة، وهو ما يتم الترتيب له برعاية إمارتية، وهناك تسريبات عن قرب عقد شخصيات انفصالية بارزة أغلبها مقيم في أبوظبي وتحظى برعاية مباشرة من محمد بن زايد اجتماع موسع لها لذات الهدف.

3- مئات وربما آلاف التغريدات لمسئولين وشخصيات مقربة من صانع القرار في أبوظبي والرياض، تتضمن دعوات صريحة لتقسيم اليمن أمثال ضاحي خلفان مستشار محمد بن زايد، والأكاديمي الإماراتي خالد القاسمي، وعبد العزيز بن صقر رئيس جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالرياض، المقرب من دائرة الحكم في السعودية... وغيرهم كثيرون، وتعتبر تغريدات هؤلاء - نظراً لقربهم من صانع القرار- أقرب إلى تسريبات متعمدة لجس النبض ودراسة ردود فعل الأطراف المعنية عليها وتهيئة الرأي العام لها.

ظهر ذلك بجلاء في تغريدة لخلفان عقب سيطرة قوات التحالف على عدن في يوليو 2015م، حيث دعا صراحة دول الخليج إلى قبول عدن وحضرموت كعضوين جديدين في المجلس، ومع كثرة المنتقدين لتغريدته، سارع خلفان بنشر عشرات التغريدات ضمنها إعلانه الاعتراف بدولة الجنوب ونشر العلم الشطري على حسابه في تويتر ومبررات موقفه المؤيد للانفصال، ورغم محاولته الإيهام بدعم الإمارات لعودة دولة الجنوب السابقة وعدم تقسيمها إلى دولتين، إلا أن اللافت أن خلفان أعلن في تغريدة اعترافه بدولة الجنوب العربي وليس اليمن الديمقراطية، والمعروف أن الأول لا يضم إقليم حضرموت.

المحور الثاني: إجراءات عملية تجعل من الانفصال واقعاً على الأرض، وهنا يمكن أن نلاحظ نوعين من الإجراءات، هما:

الأول: فرض شخصيات معروفة بتوجهاتها الانفصالية على رأس السلطة المحلية في المحافظات الجنوبية، كما حصل في ضغط أبوظبي على هادي وإجباره على تعيين قيادات بارزة في الحراك الانفصالي كمحافظين لعدن ولحج والضالع، وما تلاه من قيام هؤلاء بالإطاحة بالمسئولين المحليين المحسوبين على النظام السابق وجماعة الاخوان.

الثاني: إحكام السيطرة على أجهزة الأمن وإعادة تشكيل الجيش اليمني على أسس مناطقية بحتة:
ـ فالسيطرة الإماراتية على الأجهزة الأمنية الرسمية تمت عبر تعيين قيادات انفصالية بارزة على رأسها كمدير أمن عدن شلال شائع، كما أنشأت الإمارات قوات خاصة في عدن تتبعها مباشرة تسمى قوات الحزام الأمني يقودها رجلها القوي هاني بن بريك، وحولت سجن المنصورة إلى معتقل تديره بعيداً عن السلطة المحلية، وتعتبر قوات الحزام صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في عدن، كما أقامت الإمارات نموذجاً مشابهاً في المكلا عاصمة حضرموت سواءً عبر تشكيل قوات النخبة الحضرمية صاحبة القبضة الأمنية الحديدية أو عبر تحويل القوات الإماراتية المتمركزة في قاعدة الريان العسكرية بالمكلا إلى معتقل كبير ومنطقة مغلقة يزج فيه كل من يتم اعتقالهم من قبل قوات النخبة ويعارض الوجود الإماراتي.

- يضاف إلى ذلك إرسال أبوظبي شخصيات عسكرية وأمنية مقيمة لديها منذ سنوات طويلة للإشراف على الأجهزة الأمنية والعسكرية في حضرموت أمثال العميد هيثم قاسم طاهر، وزير الدفاع الأسبق، الذي عينته مستشاراً عسكرية لقواتها في حضرموت، ووزير الثروة السمكية الأسبق الاشتراكي سالم محمد خيران، قائداً للمقاومة أو بالأصح زعيماً لميليشيا خاصة بالعمليات غير القانونية.

- لكن النقطة الأخطر من كل ما سبق تتمثل في الدور المحوري الذي تقوم به الإمارات في إعادة تشكيل الجيش اليمني على أسس مناطقية وقبلية بحتة، فالأمر المتعارف عليه على مستوى العالم أن الأقاليم في الدول الاتحادية يكون لها أجهزة أمن خاصة بها وأفرادها من أبناء الإقليم نفسه، في حين لايكون لتلك الأقاليم جيوش خاصة بها، لأن امتلاك كل إقليم جيشاً خاصاً به يجعل من الفيدرالية مجرد خطوة نحو تحول تلك الأقاليم إلى كيانات مستقلة، لذا يبقي الجيش حكراً على الحكومات المركزية في مختلف فيدراليات العالم.

- لكن ما يحدث في اليمن خلاف ذلك، فتحت يافطة اليمن الاتحادي المكون من ستة أقاليم، حسب ما تم إقراره في مؤتمر الحوار الوطني، تجتهد أبوظبي والرياض في إعادة تشكيل الجيش اليمني على أسس مناطقية، بحيث يكون لكل إقليم جيش خاص به، ففي إقليم الجند تم تشكيل سبعة ألوية عسكرية أربعة منها من أبناء تعز، وثلاثة ألوية من أبناء إب، وفي مأرب سيطر أنصار الأخوان على الألوية العسكرية التابعة للمنطقة العسكرية الثالثة، في حين أصبح قوام القوة البشرية لجميع الألوية العسكرية في إقليم عدن من أبناء محافظتي الضالع ولحج تحديداً، ورغم محاولات قيادات الحراك في الضالع ويافع السيطرة على القوة البشرية المكونة للألوية العسكرية المنتشرة في حضرموت، إلا أن الإمارات تمكنت من حصر تشكيل قوات النخبة الحضرمي، وجيش تحالف قبائل حضرموت على أبناء مديريات حضرموت فقط، فيما يؤشر لاحتمال تفجر صراع مستقبلي بين الحراك والإمارات عند ظهور النوايا الحقيقية للدولة المنقذة.

- وفي محافظة شبوة تم تشكيل ثلاثة ألوية عسكرية من أبناء مناطق بعينها، الأمر الذي دفع اللواء ناصر النوبة قائد محور عتق في يوليو 2016 لمهاجمة قيادة القوات الإماراتية واصفاً التجنيد بالمناطقي والقبلي، في حين حذر صالح الجبواني، القيادي الحراكي البارز، في رسالته الشهيرة التي وجهها إلى محافظ عدن نهاية أغسطس الماضي، من الدور الإماراتي المشبوه في جنوب اليمن، والذي قد يؤدي إلى تفتيت الجنوب، وكل ذلك يدفعنا للتساؤل عن أسباب الإمارات الحقيقية لتقسيم اليمن، بل وجعله أقرب إلى القنابل الموقوتة؟ وما هي الأجندة الحقيقية لمحمد بن زايد في اليمن، وهل لذلك علاقة بالصراع الخفي بين الإمارات والسعودية؟ والاإجابة على هذه التساؤلات هى موضوع المقال المقبل، بإذنه تعالى.

[email protected]

*عبدالعزيز ظافر معياد، كاتب وباحث من اليمن

اقرأ أيضاً للكاتب: