الذكرى الثانية لـ " ناجازاكي صنعاء"

مضى أكثر من 24 شهراً على جريمة الحرب في منطقة عطان السكنية والأحياء المحيطة بها بالعاصمة اليمنية صنعاء، والتي ارتكبها تحالف العدوان السعودي، مخلفاً مئات الشهداء والجرحى من المدنيين وتسبب في تشريد آلاف المواطنين من منازلهم.
 
تحل علينا اليوم الذكرى الثانية للفاجعة والمأساة الكبرى التي حلت بصنعاء صباح الإثنين 20/ أبريل 2015، قبل عامين، في اليوم الخامس والعشرين من الحرب السعودية على اليمن.
 
في اليوم التالي لمذبحة "عطان".. ذهبت لزيارة منطقة عطان المنكوبة وأحيائها الخالية إلا من بضعة أشخاص فقط (!!) أحياء المنطقة يعمها الدمار والخراب: أبواب المنازل المتناثرة، النوافذ المحطمة... الدماء المتناثرة على جنبات شوارعها.. شظايا القنابل العنقودية المحرمة دولياً المتساقطة والقنابل التي لم تنفجر بعد من جبلها المرتفع.. وقطع الحجارة المتفتتة من منازلها المدمرة جراء الانفجار المهول وكرة اللهب والأدخنة السوداء والحمراء المملوءة بالغازات السامة والفتاكة التي تصاعدت وحجبت سماء صنعاء.
 
إنها "ناجازاكي صنعاء".. هكذا وصفها اليمنيون بدون أي مبالغة، جراء القصف الذي نتج عن حجم و قوة ذلك الانفجار الضخم الذي هز كل بيت في العاصمة والذي يدل على حجم تلك القنبلة "الفراغية" النيوترونية التي رميت على احياء سكنية بأكملها بدون أدنى رحمة او إنسانية وسط صمت دولي مريب ومخزٍ، وتجاهل إعلامي عربي واسلامي مخجل، حيث لم تشهد المناطق اليمنية منذ بدء العدوان، قصفاً مماثلاً لها.
 
كل المعلومات اشارت حينها إلى قصف جبل ومنطقة "عطان" السكنية والاحياء المحيطة بها بصواريخ فراغية امريكية الصنع استخدمتها إسرائيل في قصف غزة العام الماضي وجنوب لبنان عام 2006، لكن النسخة التي استخدمها العدوان السعودي تكاد أعنف من سابقاتها بل انها تعد من أكبر أخطر القنابل غير النووية على سطح المعمورة.
 
وتعرض جبل "عطان"، الواقع جنوب غرب العاصمة صنعاء ويحيطه عدة أحياء سكنية، للقصف وغارات جوية، كان أعنفها تلك الغارة التي وقعت أواخر شهر أبريل 2015، بصواريخ وقنابل مفرغة وأسلحة محرمة دولياً تسببت في كارثة إنسانية وتدمير المنطقة واحيائها وتحويلها الى خراب.
 
واستشهد المئات من أهالي المنطقة وجرح أكثر من 600 مدني غالبيتهم بإصابات خطيرة واستهدفت الغارات السعودية -ايضاً مبنى "قناة اليمن اليوم" وقتلت 4 من كوادرها، وتحولت المنازل والمباني إلى ركام.. دكت أحياء بأكملها على رؤوس ساكنيها بحي عطان وحدة، طالت الامنين في منازلهم، والعاملين في محلاتهم وورشهم، والمارة في الشوارع وأحدثت أضراراً كبيرة، وتسببت بتدمير مقومات الحياة فيها.
 
الذكرى الثانية لمذبحة "عطان" ذكرى امتزج فيها الآلام والصمود، الوجع والشموخ، ذكرى تأبى النسيان في مشهد بات مألوفاً في عدة مدن يمنية وثقتها أعين الكاميرات وسط تجاهل إعلامي عربي واسلامي ودولي، لكنه لن يمحى سريعاً من ذاكرة أطفال صغار وشيوخ كبار يشهدون تفاصيل محرقة يومية وقتلا وتدميرا وحشيا يمارس من دول تقودها "الشقيقة السعودية" ضدهم وضد بلادهم وعاصمتهم.
 
مذبحة عطان واحدة من مئات الجرائم التي ارتكبها التحالف السعودي في اليمن، التي حُفِّرت في عقول وأذهان اليمنيين ومخيلتهم ولن تُفارِقَهُم حتى الموت وسَتُحفر وستخلُد في ذاكرة الأجيال القادمة جيلا بعد جيل كوصمة عار في جبين الانسانية ولابد من ان يحاسب فاعلوها طال الزمان او قصر.
 
 
ومن عمق المأساة يخلق الأمل ..
 
 بينما عرف ويعرف ان عطان اسم لجبل يحرس العاصمة صنعاء، لكنه بات أكثر وأشهر من اسم لجبل شهير. وهو اليوم، وفي يوميات اليمنيين، رمز لصمود اليمنيين امام أعتى تحالف عدوان غاشم شُن على بلد في العالم، وأصبح قدوة وفخرا واسماً بات يطلقه اباء يمنيون على مواليدهم ليحملوا هذا الاسم تيمناً بقوة وصلابة وصمود هذا الجبل الشامخ والرمز امام العدوان كما هو مدوَّن في شهادات الميلاد.
 
"عطان".. واحد من رموز الفداء والتضحية والشموخ والعزة والإباء والصمود الاسطوري التي كنا نجهلها، الا أن هذا العدوان البربري رغم بشاعته قد عرفنا قدره وقيمته بل تسبب في أن اليمنيين وجدوا أنفسهم وعرفوا قدرهم العظيم بين الشعوب وعرفهم العالم!
 
عطان، خلاصة ما لا يتلخص، وموجز ما لايسعه الإيجاز.. للمئات بل الاف الضربات الجوية الغادرة، ومئات الصواريخ والقنابل المحرمة دولياً استهدفته على مدى 24 شهرا وماتزال. وهو هو.. عطان الصامد.