ميدل ايست آي: بريطانيا متورطة حتى النخاع في الحرب على اليمن

بذلت المملكة المتحدة كل ما في وسعها لتشتيت الانتباه عن دورها في الحرب على اليمن وعلاقتها الحميمية مع السعوديين. ولذا من حقها أن تخجل.

 

الحكومة البريطانية ملزمة بإصدار جميع تقاريرها العامة قبل نهاية العام البرلماني، ولكن لتجنب التدقيق والتحقيق من قبل البرلمانيين، فإن الحكومة تعمد بانتظام حجب أي تقارير محرجة محتملة حتى آخر يوم من تلك الدورة. ومن ثم يمكن الافراج عنها مع العلم بانه لن يكون هناك وقت متبق للنواب للنظر والتدقيق فيها، وليس هناك فرصة لتشكيك الوزراء عليها.

 

وبعد أن أفرجت الحكومة عن معلومات قليلة جدا خلال الأسابيع السابقة، ومع توجه النواب إلى دوائرهم الانتخابية، اغتنمت الحكومة الفرصة للإفراج عن العشرات من التقارير والبيانات الوزارية التي تفصل كل شيء. لكنها دفنت تقرير وزارة الخارجية عن حالة حقوق الإنسان في 30 بلدا، طالما اعتبر هذا التقرير "ذات أولوية". لكن ما يجعل التقرير محرجا بذاته لبريطانيا هو أن 20 من هذه البلدان هي زبائن رئيسيين لصادرات الأسلحة البريطانية.. وبطبيعة الحال، السعودية، متصدرة القائمة.

 

وزادت مشتريات السعوديين للأسلحة البريطانية بنسبة 11،000 في المئة بعد بدء حملة القصف ضد اليمن في مارس 2015، ومنذ ذلك الحين اشترى السعوديون اسلحة بأكثر 3.3 مليار جنيه استرليني.

 

وقد لعبت هذه الأسلحة دورا رئيسيا في دفع اليمن إلى حالته الكارثية الحالية، حيث يواجه اليمن أسرع تفش لوباء الكوليرا، وأصبح سبعة ملايين شخص على وشك المجاعة. ولا عجب أن المملكة المتحدة بذلت كل ما في وسعها لتشتيت الانتباه عن دورها في الحرب باليمن وعلاقتها الحميمية مع السعوديين. ولذا من حقها أن تخجل.

 

متورطة حتى النخاع

وبالاضافة إلى تعمدها التقليل من شأن الفظائع السعودية، بالغت الحكومة البريطانية في مساهمتها في المساعدات المقدمة إلى اليمن. وفي آخر نقاش أجراه مجلس العموم حول اليمن في 5 يوليو، قدم وزير التنمية الدولي روري ستيوارت رقما تضخمت نسبته 30 في المائة. واستخدمت إدارته سياسة "دفن الاخبار السيئة" لإصدار تصحيح لهذا الرقم، ومن المتوقع أن لا يلاحظه أحد. في ذلك، يبدو أنها كانت صحيحة: لم أتمكن من العثور على تقرير صحفي واحد يذكر ذلك.

 

وفي أوائل عام 2016، ومع تزايد الفظائع السعودية في اليمن - مثل ضربات جوية ضد ثلاثة مستشفيات تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود في غضون عدة أشهر - بدأ بعض النواب تحدي سياسة الحكومة، بأن الأسلحة البريطانية كانت تستخدم لتنفيذ جرائم حرب.

 

وفي كل مرة يتم استجوابه بشأن هذه المسألة، يواجه وزير الخارجية آنذاك فيليب هاموند، الادلة الهائلة باصرار: "اننا قمنا بتقييم ولم يكن هناك خرق للقانون الإنساني الدولي من قبل قوات التحالف في اليمن".

 

وتكرر هذا الادعاء الزائف من قبل الوزراء ست مرات. ولكن بعد ذلك، وفي يوم "اخراج القمامة" عام 2016، اعترفت وزارة الخارجية على نحو فعال أنها ضللت البرلمان. وقالت وزارة الخارجية "اننا لم نقم باي تقييم بخصوص خرق القانون الإنساني الدولي من قبل قوات التحالف في اليمن".

 

في الحقيقة، بريطانيا متورطة حتى النخاع في الحرب الوحشية في اليمن: فهي المورد الرئيس للقنابل التي أسقطت على اليمن، والطائرات التي تسقطها، وعلاوة على ذلك، توفر غطاء دبلوماسيا للسعوديين (مثل افشال انشاء لجنة تحقيق مستقلة للنظر في جرائم الحرب السعودية مرارا وتكرارا). كما تساعد في الحصار المفروض على البلاد، والذي تسبب في تجويع اليمنيين، وتوفر التدريب والمساعدة اللوجستية للقوات المسلحة السعودية، بالاضافة الى ان هناك 125 جنديا بريطانيا متمركزين في السعودية، بينهم ستة ضباط في مقر القيادة والسيطرة السعودية "يساعدون في اختيار الاهداف".

 

ومع ذلك يواصل الوزراء تضليل البرلمان بالادعاء بان بريطانيا ليست "طرفا" في الحرب في اليمن. وكما أشار مارك كورتيس، وهو مؤرخ ومحلل في السياسة البريطانية والتنمية الدولية، ان التضليل الذي يمارسه الوزراء ظل يتكرر حتى اليوم الذي كشفت فيه الحكومة البريطانية عن استخدام السعوديين خمسة أنواع مختلفة من القنابل والصواريخ البريطانية على اليمن، وفي اليوم نفسه، كذب الوزراء على البرلمان أن بريطانيا ليست "طرفا" في الحرب في اليمن. ولذا فإن شدة خداع المملكة المتحدة حول دورها في اليمن مدعوم بسرية مشددة.

 

أسرار في كل مكان

وقد ظلت علاقات بريطانيا مع المملكة العربية السعودية دائما غامضة قدر الإمكان، حيث تقوم الحكومة بافشال اي تحقيقات او تقارير بهذا الشأن. كما الرفض الحالي للافراج عن تقرير وزارة الداخلية عن تمويل الإرهاب، خشية أن يحرج الحكومة السعودية والبريطانية بسبب ما لها من سوابق كثيرة.

 

وفي عام 2006، أوقف توني بلير شخصيا التحقيق في مكتب مكافحة الاحتيال في قضية الرشوة الخطيرة بقيمة مليار جنيه استرليني متورطة فيها شركة الاسلحة "بي إي سيستمز" وأمير سعودي، على أساس أنها قد تعرض "الأمن القومي" للخطر. وفي عام 2014 وقعت تيريزا ماي "مذكرة تفاهم" سرية مع ولي العهد السعودي محمد بن نايف، رفضت المملكة المتحدة باستمرار الافصاح عنه. وكان ذلك قبل شهور قليلة من شن الحرب البريطانية-السعودية على اليمن.

 

وتحيط السرية بكل جانب من جوانب عمليات بريطانيا في اليمن. وكان وزير الخارجية السعودي، وليس المملكة المتحدة، من اعترف بتعيين ضباط بريطانيين في مركز القيادة والسيطرة في بلاده. ورفضت الحكومة تقديم تفاصيل عن تراخيص التصدير إلى المملكة العربية السعودية. ولم تخطر الحكومة الجمهور ولا البرلمان بقرارها إرسال السفينة الحربية الأكثر تقدما إلى سواحل اليمن في نوفمبر الماضي، وذلك أساسا للمساعدة في تعزيز الحصار المفروض.

 

وعندما تنكشف الحقيقة، يرى وزراء الحكومة أنها مهمة لمحاولة التخلص منها. ففي يناير 2016، على سبيل المثال، رد وزير الشرق الأوسط آنذاك توبياس إلوود على تقرير للأمم المتحدة يوثق أكثر من 100 غارة جوية للتحالف تنتهك القانون الدولي بزعم منه أنها كانت "أخطاء" من قبل السعوديين، أو بشكل مذهل "ملفقة" من قبل وسائل إعلام الحوثيين.

 

ولكن، كما يوثق الصحفي إيان كوبين بدقة في كتابه "لصوص التاريخ": ان ثقافة السرية والخداع متجذرة بعمق في الحياة السياسية البريطانية بل هي ثقافة وارث تاريخي - وأكثرها يأتي من وزارة الخارجية.

 

 

موقع "ميدل ايست آي" البريطاني
* دان غلازبروك: كاتب ومؤلف سياسي متخصص في السياسة الخارجية الغربية