معدلات جرائم الكراهية ضد الأقليات في أمريكا ترتفع في عهد ترامب

أكدت دراسة تناولت الفترة التي أعقبت انتخابات الرئاسة الأمريكية التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أن الاعتداءات التي تأخذ طابع الكراهية بالإضافة لحالات التحريض سجلت ارتفاعا في معظم الولايات الأمريكية.


واستهدفت هذه الاعتداءات في منطقة سانت بطرسبورغ، بولاية فلوريدا الأمريكية، مثليين جنسيا وآخرين ينحدرون من أصول إسبانية فضلا عن جماعات دينية.


ويقول كثيرون إن وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قد قوى شوكة الجماعات المتشددة، في حين يعتقد آخرون أن المشكلة تتجاوز الإدارة الأمريكية الحالية.


وقد تسلم مواطن يدعى جون غاسكوت، وهو فنان وناشط في مجتمع المثليين جنسيا في ولاية فلوريدا الأمريكية، رسالة على صندوق بريده الشخصي تقول: "أيها المخبول، انتهت الانتخابات، لقد ضعت"، واتهمته الرسالة هو وشريكه بأنهما يعيشان في "منزل للمثلية الجنسية"، وحملت الرسالة علم قوس قزح، وكانت بدون توقيع.


ويقول غاسكوت:"لقد أحسستُ بغضب. كان عملا جبانا، وكان أول رد فعل لي هو أني رسمت المنزل وقوس قزح".


انتقل غاسكوت قبل ثلاث سنوات مع شريكه الذي يبلغ من العمر 20 عاما للإقامة في الحي الكائن في سانت بطرسبورغ على ساحل خليج فلوريدا، وكان يشعر دوما أن "الناس يظهرون حميمية مع الجيران".


وكان رد الفعل تجاه الرسالة المجهولة، "بريد الكراهية"، الذي تسلمه غاسكوت بعد أسابيع من تولي ترامب الرئاسة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، هو التزام الحذر.


وقال غاسكوت: "كانت (الرسالة) من أحد الجيران، إنه شخص يشاهدنا يوميا، لأن الرسالة تضمنت توقيت استخدامنا للأنوار، وتوقيت إخراجنا للقمامة، وموعد وضعنا زينة احتفالات عيد الميلاد".


ولايزال يوجد ملصق "انتخبوا هيلاري كلينتون" في الساحة الأمامية لمنزل الشريكين.


وقال: "هل يرغب أحدنا في أن يعيش وهو خائف من جيرانه؟ بكل تأكيد هناك شعور بالخوف. نفكر في تسليح أنفسنا من أجل الحماية".


وتماثل قصة هذين الشريكين قصصا كثيرة. وتعتبر سانت بطرسبورغ مركزا للمثليين جنسيا، وفيها معدلات مرتفعة لحوادث التهديد على أساس التمييز بناء على الهوية الجنسية.


كما تزداد معدلات التحرش في شتى أرجاء الولايات المتحدة، لتسهم بنحو 11 في المئة من مجموع "جرائم الكراهية" المبلغ عنها.


وينحي كثير من الخبراء والضحايا - على حد سواء - باللائمة على المناخ السياسي الراهن.


ويقول غاسكوت: "منذ انتهاء الانتخابات الأمريكية، ظهر أناس يجاهرون بكراهيتهم".


وأضاف: "نظم (الجمهوريون) حملتهم الانتخابية على أساس الخوف، وكيف لا يحدث هذا؟"


ويمكن رصد جرائم التمييز في الولايات المتحدة بسهولة في أعقاب انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني.


وخلصت دراسة أجراها مركز الكراهية والتطرف في جامعة ولاية كاليفورنيا، سان برناندينو، أن هناك زيادة في معدل الحالات المبلغ عنها في كثير من المناطق الأمريكية المتعددة الثقافات في عام 2016، وهو اتجاه يبدو أنه يواصل تصاعده هذا العام.


وسجلت الزيادة في مدينة نيويورك نسبة 24 في المئة، وهي أعلى نسبة خلال عشر سنوات، وفي شيكاغو 20 في المئة، وفيلاديلفيا 50 في المئة ثم واشنطن العاصمة بنسبة 62 في المئة.


وتفاوتت الحوادث المدرجة على القائمة بين الاعتداءات الجسدية الشديدة، إلى رسم جداريات تتسم بالعنصرية، وتدنيس دور العبادة اليهودية ومقابر اليهود، والتحرش بالأمريكيين من ذوي الأصول الأفريقية، والتهديد بتشويه صورة المهاجرين ومصادرة الوثائق، أو أي شئ آخر.


وتشكل حالات سوء معاملة المسلمين، والمثليات والمثليين جنسيا، ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسيا أغلبية في ارتفاع هذه المعدلات.


وكانت الاشتباكات التي حدثت الأسبوع الماضي أثناء مسيرة نظمها أنصار تفوق ذوي البشرة البيضاء في شارلوتسفيل بولاية فرجينيا صدمة للأمة وللعالم، وأصبحت واحدة من أعنف مشاهد جرائم الكراهية في الولايات المتحدة.


وأسفرت الاشتباكات عن مقتل سيدة عندما صدمت سيارة حشدا من المتظاهرين المعارضين.


وعلى الرغم من أن النتائج التي خلصت إليها الدراسة تعد مبدئية وجزئية، نظرا لأن البيانات مستقاة من بعض الولايات وليس جميع الولايات، وكذا من وكالات محلية لتطبيق القانون، فإنها تقدم لمحة عن الاتجاه الذي خلصت إليه دراسات أخرى.

بعض المحللين لا يرون علاقة بين تولي ترامب وخطاباته وزيادة جرائم الكراهية - GETTY IMAGES
بعض المحللين لا يرون علاقة بين تولي ترامب وخطاباته وزيادة جرائم الكراهية - GETTY IMAGES

وكتبت منظمة مكافحة التشهير، على سبيل المثال، تقريرا أشار إلى أن عدد حوادث معاداة السامية تضاعف تقريبا في الربع الأول من عام 2017. وحدد خبراء آخرون زيادة حالات الكراهية في المدارس بنسبة 106 في المئة.


"الكراهية المتحدة الأمريكية"
ويقول باحثون إن حملة الانتخابات الرئاسية التي اتسمت بالعنصرية قد تكون من بين المحركات وراء زيادة هذه المعدلات.


وقال بريان ليفين، خبير علوم الجريمة ومدير مركز دراسة الكراهية والتطرف، إن تسليط الضوء على قضايا مثل العرق والدين والأصول القومية يشير إلى أن نبرة الانتخابات الرئاسية الماضية ربما لعبت دورا في التأثير على معدلات الجرائم والتعرض لوسائل الإعلام، وربما تكون أحد أسباب "تباين دوافع الأفراد، من المتشددين المتعصبين إلى أولئك الساعين إلى اتخاذ تحرك ما".


ولا يربط الباحثون في الدراسة بين علاقة زيادة العنف ولهجة الاستقطاب التي انتهجها الرئيس الأمريكي الراهن، لأن الإحصاءات لا تشير إلى وجود علاقة مباشرة.


وكتب بنيامين هيننغ، أستاذ الجغرافيا في جامعة أيسلندا والباحث المشارك في جامعة أوكسفورد: "تجتذب (قضايا) الكراهية والتطرف اهتماما واسع النطاق. وربما أسهمت اللهجة ذات الصلة بالتطرف اليميني في الولايات المتحدة نوعا ما في انتخاب دونالد ترامب للرئاسة".


وقدمت دراسة أخرى، ركزت على الأشهر الثلاثة التي أعقبت يوم الانتخاب، دليلا آخر على "تأثير ترامب" نوعا ما.


ورصد مركز قانون الحاجة الجنوبي، وهو منظمة تراقب التطرف في شتى أرجاء الولايات المتحدة، تسجيل 1094 حادث تمييز بين الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2016 إلى فبراير/شباط 2017.


وخلص تقرير المركز إلى أن 37 في المئة من هذه الحوادث ذات صلة مباشرة بالرئيس، أو شعارات حملته الانتخابية أو سياسته. في حين حدد موقع "ثينك بروغريس" الرقم بنحو 42 في المئة.


ويقول خبراء إن شعور المنظمات المختلفة في شتى أرجاء الولايات المتحدة بحاجتها إلى قاعدة بيانات لحوادث الكراهية يعد في حد ذاته سمة من سمات العصر.


ويرصد مركز قانون الحاجة الجنوبي، الذي أسسه محامون في الحقوق المدنية لمراقبة أنصار تفوق ذوي البشرة البيضاء، زيادة جماعات تأييد الكراهية على الأراضي الأمريكية كالآتي: 917 جماعة تعمل في 48 ولاية أمريكية عام 2016، مقارنة بنحو 784 جماعة قبل عامين من ذلك.


وتضم ولاية كاليفورنيا 79 جماعة، يليها ولاية فلوريدا التي تضم 63 جماعة.


كما رسم المركز خارطة ترصد جرائم الكراهية التي أظهرت تركيز أكثر الحالات المبلغ عنها في كاليفورنيا ونيويورك وتكساس ثم فلوريدا في المركز الرابع.


ويقول المركز إن المشكلة تكمن في أن جرائم الكراهية مشكلة وطنية "مع عدم توافر بيانات موثوق بها بشأن طبيعة العنف أو تفشيه".
ويصعب تتبع بيانات جرائم الكراهية.


ويقول مكتب التحقيقات الفيدرالي، المكلف بتتبع هذه الجرائم، إنها (الجرائم) تسجل نحو 6000 حالة سنويا. لكن تقرير مكتب إحصاءات العدالة الصادر في يونيو/حزيران يقدر إجمالي العدد بنحو 250 ألف حالة.


والسؤال ما هو سبب هذه الفجوة (العددية)؟ يقول خبير إن أحد الأسباب يرجع إلى أن وكالات تطبيق القانون ليست معنية جميعها بتقديم تقرير لمكتب التحقيقات الفيدرالي، لذا قد لا تدرج بعض الأعداد ضمن إجمالي العدد الوطني. والسبب الآخر هو أن 46 في المئة من الضحايا لا يتصلون بالشرطة.


وتقول هايدي بيريش، مديرة مشروع الاستخبارات التابع لمركز قانون الحاجة الجنوبي: "لا يبدو أن حوادث الكراهية تتبع نمطا مميزا، وجميع الأقليات متضررة".


وأضافت أن بعض أنواع هذه الحوادث لا يبلغ عنها مقارنة بحوادث أخرى.


أمن الكنيسة
تبقى أبواب كنيسة "ذي كينغ أوف بيس"، وهي مطرانية في مدينة سان بطرسبرغ، موصدة حفاظا على أمن 250 شخصا يحضرون قداس الأحد.


وتتمتع هذه الكنيسة، التي أسستها طائفة مسيحية ظهرت عام 1968 في غرفة معيشة في أحد المنازل في كاليفورنيا لتنتشر في عدة دول بعد ذلك، بروح الاحتواء والانفتاحية لذلك تحيطها إجراءات أمنية مكثفة - تتضمن كاميرات مراقبة، وعددا كبيرا من أفراد الأمن، وإجراءات احترازية تحسبا لأي هجوم قد تتعرض له الكنيسة - كملاذ أخير لحماية من بها.

المثليون من بين من يتعرضون لجرائم كراهية - REUTERS
المثليون من بين من يتعرضون لجرائم كراهية - REUTERS

وقالت راعية الكنيسة كاندايس شولتيز، التي تولت رئاسة الكنيسة لتسع سنوات في مدينة بطرسبرغ: "اضطررنا إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات الأمنية بعد أن كُتب بالطباشير على جدران الكنيسة إم أيه جي أيه (وهي عبارة فلنجعل أمريكا عظيمة ثانية، الشعار الذي أطلقه ترامب لحملته الانتخابية)".


وكتب شعار الحملة على الرصيف بعد أسبوع واحد من الانتخابات مع رسم الصليب المعقوف.


وأضافت شولتيز بنبرة صوتها العميقة الهادئة: "كان صادما أن أرى الصليب المعقوف، كان محبطا حقا. وقد بلغنا الشرطة لتوثيق ما حدث على أنه جريمة كراهية."


ويبدو أن السبب وراء الهجوم هو أن الكنيسة تظهر ودا لذوي التوجهات الجنسية غير التقليدية مثل المثليين من الرجال والنساء منذ أن تأسست، وتفتح أبوابها أمامهم على النقيض من طوائف مسيحية أخرى، يرجع تأسيسها إلى الستينيات من القرن العشرين، وتبدي قدرا أقل من الاحتواء والتسامح مع المثليين.


وغالبا ما تكون الكنائس التي تعقد زواج المثليين أو تظهر احتواء لهذه الفئة في جميع أنحاء العالم مستهدفة.


ولم تقتصر عمليات الاستهداف على الكنيسة فقط، فهناك مؤسسة قانونية استهدفت هي الأخرى، إذ تعلق بالقرب من مدخلها لافتة تقول "استشارات الهجرة"، علاوة على متجر لمواد الطلاء ناله الاستهداف أيضا.


وقال دانييل، مدير المتجر، عن استهداف المكان: "ربما لأن أغلب زبائننا عمال بناء من أمريكا اللاتينية، أو لأن شعارنا يحمل الكثير من الألوان بهدف الترويج لمواد الطلاء التي نبيعها، ما قد يجعلهم يظنون أنه يرمز لقوس قزح."


وقالت راعية الكنيسة شولتيز: "كان هناك تيار خفي للتوجهات العنصرية أثناء حكم إدارة أوباما، وهذا ليس بجديد."


لكنها حذرت من أن "الناس بات مسموحا لهم الآن بإظهار الكراهية"، مرجحة أن "ترشح ترامب للرئاسة أثبت أن جزءا كبيرا من البلاد يتبنون اتجاها محافظا متطرفا. وأحيانا لا يكون الهجوم لفظيا، ولا ننسى أننا في بلد يسهل فيه الحصول على السلاح."


في معبد السيخ الغوردوارا
من بين جماعات الأقليات في الولايات المتحدة، كان المسلمون هم الأكثر إبلاغا عن جرائم الكراهية التي ترتكب في حقهم، وهو الاتجاه الذي يستمر في التصاعد منذ الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001.


ووفقا لبيانات مكتب التحقيقات الفيدرالي، كانت هناك 481 جريمة كراهية تعرض لها مسلمون عام 2001 بزيادة بلغت 28 جريمة سجلت في العام السابق. وتراجعت أحداث العنف ضد المسلمين في الولايات المتحدة في الفترة من 2002 إلى 2014، لكنها عاودت الانتشار في 2015 مع بداية المراحل الأولى للعملية الانتخابية، إذ ارتفع عدد جرائم الكراهية والعنف ضد المسلمين بحوالي 67 في المئة مقارنة بالأرقام المسجلة العام السابق، وفقا لليفين.

مسيرة مناوئة للكراهية في أمريكا - REUTERS
مسيرة مناوئة للكراهية في أمريكا - REUTERS

وقدرت جماعات الدعم في مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية عدد ممارسات العنف ضد مسلمين في الولايات المتحدة بحوالي 72 حالة تحرش و69 جريمة كراهية في الفترة من إبريل/ نيسان ويونيو/ حزيران 2017.


وقال الباحث في علم الجريمة براين ليفين في مقال نشرته مجلة "ذي كونفرزايشن" إن جرائم الكراهية ضد المسلمين "تمثل حوالي 4.4 في المئة من إجمالي جرائم الكراهية رغم أن عدد المسلمين في الولايات المتحدة لا يتجاوز 1.00 في المئة من السكان."


وهناك أقليات أخرى تتعرض لممارسات عنف وكراهية، لكنها لا تحظى باهتمام إعلامي، مع ذلك، تعتبر من أكثر الجماعات عرضة لهجمات الكراهية.

 

وتسود نفس المخاوف مجتمع السيخ الغوردوارا في أكبر تجمع لهم في الولايات المتحدة بالقرب من مدينة سان بطرسبرغ في حي تامبا على الجانب الآخر من الخليج.


وقال ساتبريت سناي، أخصائي تكنولوجيا معلومات: "هل أبدو أكثر حذرا؟ نعم إنني كذلك، وأدرك أنني أبدو مختلفا عن الآخرين ... هذه وغيرها من القوالب الفكرية التي تطارد عقولنا بمجرد أن نخلو بأنفسنا في إحدى الغرف."


ومنذ تأسيس طائفة السيخ في إقليم البنجاب في الهند قبل خمسة عقود، التزم أفراد الجماعات السيخية بمظهر مبهرج يعطيهم طابعا مختلفا عن الآخرين. فالرجال الملتزمون من السيخ لا يحلقون رؤوسهم ويرتدون عمامات على الشعر الكثيف، كما يترك بعضهم لحاهم بلا تشذيب أو حلاقة.


وهناك أكثر من 500 ألف سيخي في الولايات المتحدة، لكن هناك خلط يحدث لدى كثيرين يعتقدون أنهم مسلمون، ما يجعلهم هدفا لمن يعانون من الجرائم الناتجة عن فوبيا كراهية الأجانب التي يواجهها المجتمع الإسلامي.


وليس انتشار هذا التوجه جديدا على المجتمع الأمريكي، إذ تعزز بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، ما أدى إلى تفشي العنف والتطرف الذي أسفر عن مقتل أحد أفراد الجماعات السيخية في أريزونا، وما عُرف بمذبحة "أوك كريك" عندما فتح عدد من المتعصبين البيض النار على بعض المتعبدين في معبد السيخ الغوردوارا في ويسكنسون، ما أدى إلى مقتل ستة منهم.


ونجا ساتبريت سناي نفسه من إطلاق النار منذ سنوات أثناء تجوله مع والده مرتدييْن العمامات.


وكما هو الحال لدى المسلمين، تراجعت وتيرة العنف ضد السيخ لبعض الوقت، لكنها عادت للارتفاع في الفترة الأخيرة، وفقا لتحذيرات بعض الخبراء.


ووثقت جماعة الدعم التي تطلق على نفسها "ساوذ إيشن أميريكان ليدنغ توجذر" (SAALT) أكثر من مئتي حادث بعد بداية الانتخابات الرئاسية في 2016.


وقال سناي: "إنه أمر مثير للانزعاج، فالاتجاه الذي ظهر عقب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 بعث من جديد."


وتوقف أخصائي تكنولوجيا المعلومات هو وزوجته هارديب خور عن الذهاب إلى "المناطق الأكثر محافظة".


وقالت هارديب خور، الكندية التي انتقلت إلى العيش في الولايات المتحدة منذ ثماني سنوات: "كنا على وشك الدخول إلى أحد متاجر الكعك الكائن بمنطقة يسودها السكان البيض. وأول ما تبادر إلى ذهني في ذلك الوقت كان حديثا للنفس (هل تدري؟ ربما علينا الذهاب إلى متجر للكعك في مكان آخر)."


وذهب قطاع آخر من شباب طائفة الغوردوارا السيخية إلى ما هو أبعد من ذلك عندما حلقوا رؤوسهم وتوقفوا عن ارتداء العمامة حتى لا يتم تصنيفهم، ومن ثَمَ استهدافهم، وذلك رغم مخالفة ذلك لقواعد دينهم.


وقال سناي: "لا يمكننا أن نعلم الناس كيف لا ينادونك باسمك ويهددونك لأنهم ليس لديهم قابلية للتعلم، إنما البديل هو أن تدرك الخطر المحيط بك وأن تتحصن ضده."


خوف ووجود غير شرعي
والحياة ليست سهلة في بطرسبرغ لذوي الأصول الإسبانية أيضا. فرغم أنهم يمثلون ربع عدد سكان في ولاية فلوريدا، لكنهم لا تتجاوز نسبتهم في المدينة 7.00 في المئة من السكان.


وبعد وعود ترامب ببناء جدار عازل على الحدود مع المكسيك، أصبح التحرش بالمهاجرين من أكثر جرائم الكراهية شيوعا، وفقا لإحصائيات مركز قانون الحاجة الجنوبي.

مئات خرجوا في مسيرة من أجل العدالة - EPA
مئات خرجوا في مسيرة من أجل العدالة - EPA

وقال رايموند كروز، مسؤول الانتشار الإسباني في قسم شرطة المدينة: "لقد عاد الخوف للسيطرة على الناس، إذ لاحظنا في الفترة الأخيرة تزايد ظاهرة سرقة الأجور، فعلى سبيل المثال، هناك من يعمل في رعاية الحدائق، ويتعرض لانتهاكات من قبل أصحاب الأعمال الذين يشغلونهم ولا يسددون لهم الأجر مقابل العمل. ونتدخل لضمان حصولهم على مستحقاتهم المالية."


وانتشرت الشعارات مثل "شيد الجدار"، و"عودوا إلى بلادكم" على جدران إحدى الكنائس الإسبانية" وعلى اللافتات المضيئة في المدينة القريبة من الشاطيء.


وأشار كروز إلى الحالات التي تولى مكتب التحقيقات الفيدرالي النظر فيها، مؤكدا أن المهاجرين غير الشرعيين يخشون الإبلاغ عن هذه الجرائم لعدم الكشف عن وضعهم غير القانوني في البلاد، ما قد يؤدي إلى ترحيلهم من البلاد. لذلك هناك أعداد كبيرة من جرائم الكراهية التي لا تصل السلطات بلاغات بشأنها.


خلاف حول الأرقام
وسط مناخ استقطابي، ليس من المفاجيء أن يظهر اعتراض على هذه الأرقام، وأن تظهر أصوات تعارض نظرية ارتفاع معدل جرائم الكراهية في الولايات المتحدة منذ بداية حكم ترامب.

 

ويرى هؤلاء أن انتشار جماعات الكراهية بدأ قبل ترشح ترامب للرئاسة، بل ذهبوا إلى أن هذه الظاهرة انتشرت في مطلع القرن الحالي لرفض وجود المهاجرين من دول أمريكا اللاتينية بسبب المخاوف حيال التوقعات الديمغرافية التي تشير إلى أن البيض لن يكونوا أغلبية بين سكان الولايات المتحدة بحلول عام 2040.

 


وبناء على ذلك، يرى هؤلاء أن ارتفاع معدل جرائم التحيز لم يكن نتيجة للخطاب الملتهب لحملة ترامب الانتخابية.

 


ومع ذلك، لا يزال العدد الحالي لجماعات الكراهية الناشطة تحت أعلى المستويات التي وصل إليها منذ 2011، وفقا لمركز قانون الحاجة الجنوبي.

 


وواجه المركز انتقادات للتمادي في تصنيف أعداد كبيرة من الجماعات والأفراد كمتطرفين دون الحصول على بيانات كافية على مدار فترة طويلة حتى تتأكد الثقة في الاتجاهات التي يشير إليها.

 


وفي المقابل، هناك من يرى أن الهجمات ضد الأقليات تحدث منذ وقت طويل وبمعدل مرتفع دون علم أحد.

 


فعلى سبيل المثال، قالت جماعة "بلاك لايفز ماتر" المناهضة للعنصرية ضد السود إن "هناك ضحايا من السود بصفة دورية، ويوميا."


وكتبت الحملة على صفتحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك عقب المسيرة التي شهدت أحداث عنف في شارلوتسفيل: "بينما الرئيس ومستشاريه يسهمون إلى حدٍ كبيرٍ في التأثير سلبا على أمن السود، وهم أيضا المسؤولون عن الأضرار البالغة التي تقع على عاتق جماعات الملونين، التي ليست إلا أعراضا لسيادة البيض وكراهية الأجانب، والتي يتجاوز خطرها خطر إدارة واحدة."

 


وهل يمكن - بناء على ذلك - النظر إلى انتشار جرائم الكراهية على أنه نتيجة لتركيز التغطيات الإعلامية عليها؟

 


يرى البعض أن ذلك صحيح، فبعض الأصوات المحافظة تتهم الإعلام التقليدي، والتقدمي، ومنظمات اليسار بأنها تمارس "الضجيج والمبالغة".

 


ونشرت صحيفة أميريكان فري برس المثيرة للجدل، التي واجهت اتهامات بالعنصرية والتزام الاتجاه القومي المتطرف: "طالما كثفت هذه الصحيفة تغطيتها لما يسمى بجرائم الكراهية، وفي كثير من الأحيان بالغت وحصلت على معلومات كاذبة من أفراد ومشاركين في تلك الجرائم على وسائل الإعلام الأساسية. فهي دائما في روايتها مزاعم شخص ما بأن شخص آخر كان ضحية لكراهية شخص ثالث."

 


لكن ليفين له رأي آخر، إذ قال: "لا أعتقد أنه لا يوجد لدينا ما نفسر به الزيادة (في جرائم الكراهية) على أنها نتيجة لزيادة التقارير الصحفية."

 


ونتج عن انتشار جرائم الكراهية وظهورها بوضوح ظهور رد فعل مضاد لها على المستوى المجتمعي.

 


فظهرت شبكات دعم وسط جماعات الأقلية في الحي، ونشر مركز قانون الحاجة الجنوبي "دليلا للاستجابة المحتمعية"، مع نشر دليل عملي يتمثل في خطوات يمكن اتخاذها حال التعرض لهجوم كراهية مثل الإبلاغ عن الحادث هاتفيا، أو كتابة التماس، أو حملات البحث عن الحقوق، وغيرها الكثير من الإجراءات العملية.

 


وقالت راعية الكنيسة شولتيز إن الكنيسة وجدت متنفسا في وقوف جيرانها للتصدي لهجوم الكراهية، إذ استدعت الأسر أطفالها ورسموا الأرانب، والكلاب، والفراشات بالطباشير الملون لتغطية الصلبان المعقوفة.

 


وفي إطار رد الفعل المجتمعي، قال الفنان جون جازكوت إنه يحتاج إلى أن "يحول شيئا قبيحا إلى شيء جميل"، وذلك بعد تلقيه خطابا للكراهية.

 


وقرر أن يعقد ورشا مجانية للمثليين لتوفير ملاذ آمن للطلاب المهمشين الذين يخشون التعبير عن رأيهم بحرية.

 


وقال جازكوت: "الفن يقدم حلولا، لكن الأمر لا يتعلق بهذا الأمر على الإطلاق، إنما بمساعدتهم على أن يشعروا بالارتياح لما هم عليه، ومنح الأجيال القادمة ما لم نحصل عليه نحن."

 


وأضاف أن "هذه الانتخابات أصابت الكثيرين بحالة من الاستياء، وهو ما أعتبره إيجابيا."