زلزال 2011 وانتحار الربيع العربي باليمن...مخاضات خارطة الطريق والخروج المشرف

حتى مطلع لم تكن ثمة مؤشرات الى توفر فرص حقيقية توصل الحكم وقوى المعارضة إلى توافق ينهي أزمات متلاحقة استمرت سنوات طويلة وتفاقمت في السنوات الثلاث الأخيرة نتيجة فشل الحوار بين الطرفين في عديد جولات انتهت جميعها إلى طريق مسدود. فخلال السنوات الأربع الماضية قبل اندلاع الانتفاضة الساعية للاطاحة بنظام الرئيس مطلع العام 2011 ، كانت أحزاب المعارضة في «تكتل اللقاء المشترك» قد نجحت في إستراتيجية الارهاق والتدويخ والتملص من الاتفاقات والضغط على الرئيس صالح وسلطة حزبه الحاكم المؤتمر الشعبي الغارق في أزمات اقتصادية وسياسية وموجات عنف في المحافظات الجنوبية ومواجهة مع حركة التمرد «الحوثية» المسلحة في محافظة صعده (شمال البلاد) التي استنزفت الجيش اليمني في قوته وعتاده ورجاله في حرب خاسرة دارت رحاها منذ العام 2004، وحتى 2010 في جبال صعده ووديانها وقراها، فضلا عن توغل وتنامي لتنظيم القاعدة مستغل الاوضاع المضطربة بانتظار مزيد منها. وعلى ايقاع القادم من تونس ومصر عندما حل "الربيع العربي" وفر زين العابدين خارج البلاد "تونس" وحمل مبارك "مصر" حقائبه متجها نحو شرم الشيخ بعد أن أرسل نائبه ورئيس استخباراته ليلقي خطاب التنحي ولينهار مع رحيله "الوطني" الحاكم ، ظن الناقمون على صالح "والمتربصون بـ"الشعبي العام" ظنوا أن الفرصة قد حانت لإبعاده من السلطة والمشهد السياسي كله والخلاص من (المؤتمر الشعبي العام) . اتاح مسلسل الأحداث والتطورات السياسية والشعبية في تونس، ومن ثم مصر، لأحزاب المعارضة اللقاء المشترك فرصة لم تكن لتصل اليها عبر استغلال بعض مطالب الشباب التي بدأت تقليداً لما حدث في تونس ومصر؛ موظفة تلك التحركات الشبابية العفوية التي بدأت في فبراير من العام 2011 ، وحاولت توجيهها لخلق مناخات مشحونة بالتوتر والتأزم والاحتقان، وظلت تتعلل بما قدمته كتلة المؤتمر حول التعديلات الدستورية وتردد ما أسمته بالتمديد والتوريث أو قلع العداد أو تصفيره في ظل مناخات إقليمية تساعد على التحريض والفتنة، وكان لبعض وسائل الإعلام العربية دوراً سلبياً في ذات الاتجاه.. لكن المؤكد أن أحزاب المشترك التي نزلت إلى الساحات قبل أن تحدد برنامج سياسي للمرحلة التالية فضلت إرجاء البحث في تفاصيل وتعقيدات فترة مابعد صالح خشية مواجهة التباينات مبكرا مما سيفسد عليها الوليمة التي دعوا إليها قوى متنافرة اجتمعت فقط على الثأر من الرئيس ونظامه –ومنها الحوثيين إلى الحراكيين ، والقاعدة ، ومراكز نفوذ طامحة لتصدر المشهد والسلطة - وهو ماحدث بالفعل لاحقا. وفي ظل تلك الأجواء المشحونة وتفاعلات وتداعيات موجة الاحتجاجات التي شملت المنطقة، وما آل اليه وضع النظامين السياسيين في تونس ومصر، ومع تصاعد التقليد والمحاكاة لتلك الاحتجاجات والضغوط التي بدأت تشكلها على الشارع السياسي بادر الرئيس صالح في الثاني من شهر فبراير 2011م إلى تقديم مبادرة أمام اجتماع مشترك لمجلسي النواب والشورى التي تضمنت: دعوته للحوار وتقديم حزمة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وملخصها أن جدد دعوته اللجنة الرباعية إلى استئناف الحوار، وتجميد النقاش حول التعديلات الدستورية، حتى يتم التوافق حولها، وفتح السجل الانتخابي لمن بلغوا السن القانونية وتأجيل الانتخابات والتأكيد على أنه لا نية للتوريث أو التمديد.. ودعا إلى إيقاف الحملات الإعلامية والتحريض، وأكد على أن تكون الانتخابات والقواعد الديمقراطية هي الوسيلة الحضارية والمثلى للوصول إلى السلطة، وأن تهيئ القوى السياسية نفسها للانتخابات الرئاسية في عام 2013م وأن يكون التنافس عبر صندوق الاقتراع.. غير أن أحزاب اللقاء المشترك ردت ببيان اتسم بالتصعيد في الخطاب السياسي والإعلامي مع إشارة غامضة حول عدم رفضهم لما جاء في مبادرة صالح.. وطالبت أحزاب اللقاء المشترك المؤتمر بالتراجع عن كافة الإجراءات التي اتخذها، فضلاً عن اشتراطات جديدة لبدء الحوار. وامام تنامي الاحتجاجات المنادية باسقاط النظام ، مع مؤشرات من تسخين نحو موجات عنف ، انتقل المؤتمر الشعبي لمجابهة تحركات الشارع بمثيل لها في شكل استعراض للقوة ..فيما كانت حالة من شبه الانسداد التام نحو مسار انفراج . في تلك الاثتاء كان الرئيس صالح يبدي استــعداداً في أحايين كثيرة لتقديم تنازلات لمعارضيه كلما اشتدت علــيه الضغوط، غير أنها جاءت غالباً في الـــوقت الذي تـــكون المعارضة تجـاوزتها إلى مطالب وشروط أرفع.. وفي ذلك أي ما قبل شهر مارس من ذات العام ، دفع الرئيس صالح بمبادرة عبر "ليس كامبل" مدير المعهد الديمقراطي أكدت على حق التعبير السلمي بعيداً عن العنف واستئناف الحوار، واستيعاب ما يطرحه المشترك..لكن تكتل المشترك لم تتفاعل. ومع تسارع الأحداث نحو مزيد من التازيم إن ميدانيا ومجتمعيا وسياسيا وخطابيا ،دخل على الخط وفداً من العلماء والمنخرطين في لجنة مسماه "علماء المرجعية" برئاسة الشيخ عبدالمجيد الزنداني، الذين التقوا الرئيس صالح ، وقدموا له مبادرة من سبع نقاط، وافق عليها الاخير ، وأضاف اليها نقطة ثامنة تتعلق بألاّ يتزامن الحوار مع استمرار المظاهرات والاعتصامات، وبما يكفل إزالة مظاهر الفوضى والتخريب والاحتقان في الشارع والتهيئة لإجراء الحوار الوطني وإنجاحه من منطلق الحرص على تجنيب الوطن الفتنة والاستجابة لصوت الحكمة والعقل.. حمل ذلك الوفد ما خرجوا به نحو قيادات المشترك ، وبعد انتظار للرد دام عدة أيام ظلت خلالها تتعذر بانشغالاتها وغياب بعض قياداتها، حمل إلى الرئيس صالح وفد آخر ضم عدد من الوسطاء من أعضاء التجمع اليمني للإصلاح والشيخ صادق عبدالله حسين الأحمر، وعدد آخر من المشائخ القبليين خمس نقاط جديدة باعتبارها الرد من المشترك، وهي نقاط ما وصفت بـخارطة الطريق. والنقاط الثمان في مبادرة العلماء التي كان أعلنها الشيخ عبدالمجيد الزنداني ووافق عليها الرئيس صالح ،وقدمت للمعارضة ، تتمثل في : سحب قانون الانتخابات والاستفتاء وإعادته لمجلس النواب لإقراره بالتوافق، وسحب مشروع التعديلات الدستورية المنظورة حاليا أمام مجلس النواب، وتشكيل حكومة وحدة وطنية بالتوافق. وتضمنت النقطة الرابعة إحالة المفسدين إلى القضاء وسرعة البت في قضايا الفساد المنظورة أمام القضاء، أما الخامسة تقضي بطلاق أي سجين ممن لم يثبت إدانته أو لم يكن له قضايا منظورة أمام القضاء. ونصت النقطة السادسة على: أن يتم اختيار خمسة قضاة يقوم كل طرف (الحزب الحاكم وتحالف اللقاء المشترك المعارض) باختيار اثنين منهم والخامس يتم اختياره من لجنة العلماء المرجعية أو بالتوافق بين القضاة الأربعة، وذلك للفصل في النزاع القائم بين أطراف العمل السياسي، أما النقطة السابعة تقضي بوقف الحملات الإعلامية والمهاترات والتحريض وذلك بما يهيئ الأجواء لإنجاح الحوار الوطني، فيما النقطة الثامنة التي اقترحها الرئيس صالح فتتمثل في إيقاف المظاهرات والإعتصامات وبما يكفل إزالة أعمال الفوضى والتخريب والاحتقان في الشارع ومن كل الأطراف. اما النقاط الخمس التي اعتبرتها المعارضة عوضا عن مبادرة العلماء كتسوية مقدمة الى الرئيس صالح فهي تنص على: استمرار التظاهرات والاعتصامات وحق الشعب في التعبير عن رأيه بكل الطرق والوسائل السلمية- التحقيق في جرائم القتل التي ارتكبت في مختلف محافظات اليمن خلال الفترة الماضية تحقيق شفاف نزيه وعادل وتقديم القتلة ومن يقفون ورائهم إلى محاكمات مستعجلة وإنزال القصاص العادل بهم وتعويض اسر القتلى والجرحى - الانتقال السلس للسلطة استنادا إلى التزامات الرئيس المعلنة بعدم التوريث والتمديد وعدم الترشح في انتخابات 2013م. وينص البند الرابع على ان يحدد الرئيس مجموعة الخطوات التي سيجري عبرها نقل السلطة وعدم توريثها خلال فترة زمنية لا تتعدى نهاية هذا العام ، اما الخامس فيتمثل في ان يعلن الرئيس هذه الخطوات للشعب وكافة القوى السياسية بتحديد موقف منها بالقبول أو الرفض. اكتنفها الكثير من الغموض واللبس وبخاصة في النقطة الرابعة والتي وصفت من صالح وجزبه بانها انقلاب على الشرعية الدستورية ،وصدر بيان باسم مصدر في مكتب رئاسة الجمهورية أكد بأن الانتقال السلمي والسلس للسلطة لا يتم عبر الفوضى وإنما عبر الاحتكام لإرادة الشعب المعبر عنها من خلال الانتخابات ليختار من يريد حاكماً له. وضعت تلك الأحداث المتسارعة على الساحة اليمنية ، القوى السياسية في السلطة والمعارضة والشارع أمام مفترق طرق التفكير في سلك أي منها يستوجب الكثير من الشجاعة والإقدام. المعارضة رفضت مبادرة الرئيس والعلماء بنقاطها الثمان والرئيس رفض مبادرة المعارضة بنقاطها الخمس والشباب المتواجدون في الشارع منذ فترة ليست بالقصيرة رفضوا المبادرتان وأصروا على هدفهم المعلن وهو إسقاط النظام. اتجهت المعارضة إلى تصعيد الاحتجاجات في الشارع حتى اسقاط النظام متبنية مع مطلع مارس علانية ذلك المطلب وحشدت الكثير من أنصارها في مدن محافظات رئيسية كالعاصمة صنعاء وتعز وعدن ومحافظ اب التي انضمت إلى المعارضين للنظام بساحة اعتصام كسبت الكثير من الأنصار في حينه يوما بعد يوم..فيما الحاكم دعا إلى مؤتمر وطني للوقوف أمام تطورات الأوضاع الراهنة على الساحة الوطنية ستحضره مختلف الفعاليات السياسية والاجتماعية والشبابية ومنظمات المجتمع المدني من أعضاء مجالس النواب والشورى وأعضاء المجالس المحلية وأصحاب الفضيلة العلماء والمشائخ والشخصيات الاجتماعية والوجهاء والأعيان والشباب والمرأة ومنظمات المجتمع المدني ومن مختلف فعاليات المجتمع. وانظم إلى قطار المعارضة خصوم الرئيس صالح في الساحة الحوثيين والقبائل والقاعدة والحراك الجنوبي الانفصالي في اول إجماع على هدف سياسي معلن تشهده اليمن منذ عقود من الزمن هو إسقاط نظام الرئيس صالح. وأنظم الى قطار الرئيس صالح قوى قبلية عرفت بمساندتها له منذ وصوله الى سدة الحكم إضافة إلى الجيش الذي يدين قادته بالولاء للرئيس صالح مما جعل مهمة المعارضة وأنصارها وحلفائها لـ"اسقاط النظام" كما تونس ومصر ، أكثر صعوبة وان كانت اكثر تعقيدا للاول وحزبه المؤتمر، الذي ايقن أن هدف المشترك باتحاده مع خصوم متنافرين يتجاوز اي مسار حل ديمقراطي في انتقال السلطة، منهجه الفتك بصالح وبحزبه ويتعادى ذلك لاسقاط الدولة بكل مؤسساتها بمخاطر كارثية أن احترابا وتفتيتا وتقسيما للبلاد، حال تنازع المجتمعين على وليمة اسقاط النظام على الغنيمة. وعلى جبهة الرئيس صالح الذي حشد وحزبه يوم الخميس الموافق 10 مارس لمؤتمر وطني انعقد في العاصمة صنعاء ومثلت فيه كل مناطق اليمن وفئات المجتمع بعدد أكثر من ستين ألف مشارك من مؤيديه ومناصريه ، اعلن مبادرة جديدة للخروج من دوامة ما تشهده البلاد ، ونصت على "وضع دستور جديد للبلاد يستند على الفصل بين السلطات ويعتمد النظام البرلماني- تشكيل حكومة وحدة وطنية- تشكيل لجنة من مجلس النواب والشورى لوضع مشروع دستور جديد يُستفتى عليه نهاية عام 2011م- وضع قانون انتخابي جديد يتضمن العمل بالقائمة النسبية". لكن أحزاب اللقاء المشترك عادت ورفضت المبادرة بعد إعلانها بدقائق وحتى قبل أن تناقشها أو تجمع هيئاتها التنظيمية والسياسية لتدارسها..في حين كان مشهد من اشتباكات انصار المعارضة وانصار الحاكم في صنعاء تأخذ مشهد دراماتيكي دامي وان كان لم يصل حد الرصاص والاقتتال. وفيما رحب الجانب الأمريكي والاتحاد الأوروبي والدول العربية والإقليمية بتلك المبادرة واعتبرتها خطوة متقدمة تلبي سقف المطالب السياسية للمعارضة، وتضمن التداول والانتقال السلمي والسلس للسلطة وإصلاح النظام السياسي والانتخابي والآلية الانتخابية.. ظلت أحزاب اللقاء المشترك وحلفائها على رفضهم لكل النصائح والتوصيات التي تقدم بها إليهم الأصدقاء والأشقاء بغرض الخروج من الأزمة الراهنة، مع ايجابية نحول افق حل بتحركات فردية لبعض سفراء وقيادات في مهمة اقناع بقية أطراف المعارضة لتجاوز تعقيدات ما وصل إليه حالة الاحتقان ونذر الحريق الذي مؤشره القضاء على الأخضر واليابس. غير أن الرياح مضت بغير ما تشتهي السفن ، فكانت المفاجئة والهزة العاصفة لصالح ونظامه ورجالاته بأحداث ظهر الجمعة الموافق 18 مارس،المسماة بجمعة الكرامة إذْ أسفرت عملية اعتداء على المعتصمين من قبل مسلحين اثناء محاولة تمددهم بخيامهم في شارع الدائري الجامعة ، إلى استشهاد وجرح العشرات، وهو الحدث الذي أعد فاجعة مؤلمة أريد منها نسف الإمكانات التي كانت تلوح في الأفق للحل السياسي للأزمة.. واعتبر المراقبون ذلك بمثابة قطع الطريق على مبادرة صالح والانتقال بالوضع إلى مربع العنف والصراع البالغ في الكلفة وغير المحسوب والمضمون بالنتائج. بذلك الحادث الأليم الذي هز الرئيس صالح واركان نظامه كما خطط معدوها لتقريب مسافات الاطاحة به وحزبه المؤتمر بمزيد من التحريض والتوظيف للجريمة والمجزرة البشعة بحق شباب منتفض وبأحلام دولة يمنية مدنية يسودها العدل والمساواة والحرية متجاوزة نفوذ متشعب ومصالح ضيقة ، انتقلت الأحداث إلى مرحلة التأزم الشديد ، واعلن الكثير من أعضاء المؤتمر والمسئولين استقالاتهم من المؤتمر ومناصبهم ، فيما وجه الرجل الذي مثل وجهه النظام القبيح المتقاسم شراء الولاات من خزينة الدولة على مدى 33 عام اللواء علي محسن الاحمر ومعه عديد من القيادات العسكرية ، وجهوا ضربة لاحقة لصالح بإعلان انشقاقهم عن الجيش والنظام وتأسيس ما يسمى"الجيش الحر"، مما نتج عنه سلسلة من الاستقالات على مستوى الحكومة والسلك الدبلوماسي، قبل انزلاق الاحداث الى موضع جديد من العنف والاقتتال الدامي والتداعيات العسكرية . وبالرغم من أن معظم المستقيلين لديهم دوافع ذاتية تخصهم، إلا أن أثر ما حدث في جمعة الكرامة كان هو المسوغ الظاهري الذي استندت عليه تلك المواقف. وبسبب هذه التطورات ، أعلن الرئيس صالح القائد الأعلى للقوات المسلحة حالة الطوارئ في كافة أنحاء الجمهورية،وفي جلسة وافق البرلمان يوم الأربعاء 23 مارس على قرار ذلك القرار الذي أحيل إليه لما بمبررات ما تستدعيه حالة البلاد والحفاظ على أمن المجتمع من الفوضى ومحاذير الانزلاق به إلى العنف والحرب الأهلية. واتبعاها بايام بتاريخ 4 أبريل ، في مسعى لتجنيب البلاد الانزلاق نحو الفتنة والعنف والاقتتال، وباتجاه إنهاء الأزمة المتفجرة في البلاد قدم الرئيس صالح موافقته على مبادرة حملت تنازلات هي الأكبر للمعارضة وقوى الساحة، صيغت في منزل نائب الرئيس عبدربه منصور هادي بخط الدكتور عبدالكريم الارياني مستشاره السياسي -النائب الثاني لرئيس حزب المؤتمر ، وبحضور السفير الامريكي ، واللواء علي محسن الاحمر ووسطاء من قيادات الدولة بجانب رئيس اكبر احزاب المشترك محمد اليدومي ، وقعها الى جانب الارياني الرئيس علي عبدالله صالح، واللواء المعلن انشقاقه ،علي محسن، بجانب رئيس الامن السياسي غالب القمش ، ومحمد اسماعيل، وعبدالقادر هلال، وكانت بانتظار ان يقنع بها محمد اليدومي اللقاء المشترك. وتضمنت تلك المبادرة انتخاب رئيس للبلاد نهاية العام 2011، وعلى أساس إنهاء الأزمة وطي صفحاتها، من خلال "تشكيل حكومة وفاق وطني تكون مهمتها تشكيل لجنة وطنية لصياغة دستور جديد للبلاد، وصياغة قانون الانتخابات والاستفتاء على أساس القائمة النسبية"، وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات، على أن يتم بعد ذلك الاستفتاء على الدستور الجديد وإجراء الانتخابات البرلمانية، ويقوم مجلس النواب الجديد المنتخب بتشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية بعد ذلك مباشرة نهاية العام 2011م".وذلك تحقيقاً وتأكيداً على انتقال سلسل وديمقراطي وحضاري للسلطة وبما يحافظ على الاستقرار وسلامة المؤسسة الديمقراطية وحماية مكاسب الثورة اليمنية الخالدة. وبحسب تلك الوثيقة التي قولبت كذلك وفي حينه برفض من قبل قوى المعارضة وتم التراجع والانقلاب عليها من قبل قائد الانشقاق العسكري وزعيم اكبر احزاب المشترك ، فانها حوت في بنودها الى حد كبير ما تضمنته المبادرة الخليجية لانتقال السلطة التي تم التوقيع عليها لاحقا من قبل اطراف الصراع "الرئيس صالح وقيادات حزبه المؤتمر وحلفائه كطرف، والمجلس الوطني ممثل باللقاء المشترك وشركائه كطرف ثاني في نوفمبر عام 2011 بالرياض. وقد تسائل ناشطون في معرض كشفهم لهذه الوثيقة بعد توقع الرياض ، عن مدى التعسف والمنغصات لمدة ستة أشهر التي اختلقها المشترك وشركائه وقادة الانشقاق العسكري ومراكز نفوذ الاخوان التي سيطرت على ثورة الشباب وتاجرت بدمائهم بمسعى لانتاج استبداد مضاعف يتجاوز الشباب اصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير ، وسببت المزيد من نزيف الدم اليمني وتدهور الدولة اليمنية بينما كان على الطاولة مطروح اتفاق مبكر من صالح يفضي الى حل الازمة اليمنية باقل الخسائر. من ثورة إلى ازمة أدرك الجميع شباباً وقادة سياسيين وزعماء قبليون تصدروا واجهة الأحداث في اليمن خلال الاشهر الاولى من عمر الثورة والتي أعيدت ببراعة إلى ,وضعها كـ"أزمة" على ايقاع "الربيع العربي" الذي انتحر باليمن، أن الرئيس علي عبدالله صالح تجاوز وبنجاح مرحلة حرجة في تاريخه السياسي الذي بدأ أواخر سبعينيات القرن الماضي وأفلت بمساعدة الحظ وارتباك خصومة من خاتمة مأساوية كانت تطرق أبوابه ونظامه بقوة مفرطة. لا أحد كان يتوقع أن يشاهد الرئيس صالح مخاطباً جماهيره في ميدان السبعين وهو يبتسم ويتبادل النكات مع أركان نظامه حتى المقربين منه وأشهدهم ثقة في قدراته ودهائه السياسي ، لأن ملامح الرجل في ظهوره المرتبك خلال الأسبوع الثالث من شهر مارس الماضي كانت كافية للتسليم بأن رفعه للراية البيضاء أصبح اقرب إليه من الطاولة التي كان يعقد اجتماعاته ورفاقه عليها. الرئيس صالح وبعد أن كان نظامه يتهاوى كجدار عتيق في ليلة ماطرة وعاصفة ، ومؤسسة الجيش والقبيلة ورجال الدين يفرون منه مذعورين إلى ساحة التغيير لطلب المغفرة من "شباب الثورة" ، وجد نفسه أشبه بـ"مصارع" استعاد قوته ،وبدأ بتوجيه اللكمات إلى خصمه داخل حلبة كثيراً ما مثلت حبالها سنداً مهماً له طيلة ثلاثة عقود وثلث العقد من الزمن . ارتفاع مؤشر خطورة الأزمة في اليمن في ذلك الوقت دفع بمجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها السعودية وبعدد من الجهات الدولية الى تجاوز خطاب ترحيل الرئيس او اسقاط النظام للحفاظ على تماسك البلد والحيلولة دون توسع رقعة العنف والتي كادت تتجاوز منطق الانتقام الى إحراق الأخضر واليابس. عمل وزراء خارجية دول مجلس التعاون على ابتكار صيغة توافقية في مبادرة انتقال سلمي للسلطة لتقضي بتنحي الرئيس صالح عن طريق الانتخابات بضمانات قضائية ، يسبقها نقل صلاحياته إلى نائبه ، قبل أن تبرز منغصات التوقيع بعد توقيع المعارضة ، وإصرارها على توقيع الرئيس صالح شخصيا ودون حضورها ، ورفض الاخير لذلك باشتراط حضورها بحفل توقيع يمثل فيه جانب النظام والسلطة حزبه المؤتمر ، على أن يتزامن مع ذلك الية تنفيذية مزمنة لبنود الاتفاق مفسرة لها . ولان كان ينظر لما صيغ من المبادرات الخليجية بوصفها تعاطف مع الرئيس صالح نتاج علاقات متينة بين الطرفين فرضت البحث له عن صيغة خروج مشرف يتضمن عدم ملاحقته هو وأركان نظامه من قبل دول مجلس التعاون التي عقدت اجتماعات عديدة لبحث الأزمة اليمنية..الا انها حقيقة انعكاس لرؤية مزدوجة أمريكية خليجية لواقع اليمن ومعطيات الأزمة ونتائجها المفترضة خصوصاً وأن واقع جديد ستقرر التعامل معه بما يكفل المحافظة على عقد الدولة من الانفراط لتجنيب المنطقة تبعات انهيار الجار المأزوم وضمان استمرار التعاون الأمني بين صنعاء وواشنطن والذي اعتبر البيت الأبيض أن نظام صالح خير من ساهم في نجاحه . وفيما تمكن صالح من استعادة زمام المبادرة وإثبات مقدرته على التحكم بأوراق اللعبة فضلا عن اطمئنان أنصاره إلى ثباته بمعترك الصراع في دوامة سحقت قبله اثنين من أكثر الأنظمة العربية قمعا وكان تمضى نحو ليبيا وسوريا الاكثر بشاعة في مواجهة المعارضين ، أظهرت توليفة "اسقاط النظام " من خصومه الذي تنخرهم الخلافات على منصات الساحات والطرق المؤدية إلى القصر الجمهوري، فشلا ذريعا في تقديم صورة جاذبة للخارج ،إضافة إلى مخاوف غربية من انتقال السلطة في اليمن إلى قوى سلفية متمثلة في زعامات عسكرية وقبلية وحزبية لها حضور فاعل في ساحات "الثورة" ولا تحظى بقبول المجتمع الدولي .. إنضاج التسوية..و الخيارات الدامية في شهر مايو من العام 2011 بدت الخيارات المتاحة امام الجميع تتجه الى التصادم بالتوازي مع تعبئة حادة في الشارع بين مكونات كل طرف خصوصا وان عامل الوقت في حينه اصبح عامل ضغط على الجميع. وذهب المشهد على الساحة اليمنية نحو الانفجار بعد ان وصلت حالة الاستقطاب السياسي والقبلي ذروتها بين طرفي المعادلة السياسية (السلطة والمعارضة). كلما كانت تقرب بوادر التوقيع على مبادرة الخليج دفعت قوى التطرف في معسكر المعارضة وتحالفاتها لمسارين متناقضين.. إظهار قبول بالمبادرة ،وتسخين متواصل لجبهات من الفوضي ومسار الانقلاب ،لمعرفته بان صالح وحزبه سيرفضون التوقيع حتى تتوفر الثقة وإزالة مسببات التوتر. في تلك الاثناء أيقنت تلك القوى بمنزلق اخفاقاتها في تصدر المشهد ورعاية التحول والانتقام من علي عبدالله صالح ومن شعب بأكمله بطموح الخلافة ، مع ما ظهر من نهجها الدموي والقمعي والاقصائي المرعب حتى من ساحات الاحتجاج التي أفرغت من كل ثوري مخالف ، بل وفشل انتزاعها عقوبات دولية لمحاصرة النظام اقتصاديا رغم آلة من دعم خارجي مشبوه.. عملت قوى التطرف اللاعبة لدور مزدوج على نهج تنفيذ تلك العقوبات جماعيا بحق الشعب عبر قطع الغاز وأنابيب النفط ، وكابلات الكهرباء، وأرغموا التجار على إغلاق محلاتهم ..أغلقت