نصف القصة المغيبة باليمن

تسببت الاضطرابات التي يشهدها اليمن منذ مطلع 2011 مع موجة الاحتجاجات المنادية بإسقاط النظام في أزمة حياتية ومعيشية وإنسانية كارثية اجتاحت غالبية اليمنيين على نحو لم يسبق له مثيل ، ولم يحضا باهتمام دولي وعربي وحتى محلي فاعل. دمرت البلاد على مدى عمر الأزمة اقتصاديا وتنمويا ، وقذف بالملايين لدائرة الجوع والعوز ..وخلال فترة الاضطرابات والتي لا تزال بتداعياتها ، كثيرا ما قطعت كل من الطرق و امدادات الوقود والكهرباء ما ادى ذلك الى ارتفاع اسعار السلع الاساسية. وكثير من الاعمال اغلقت بشكل نهائي ، فيما عصف بالزراعة حد الجفاف.. و ارتفع معدل البطالة، و بحلول نهاية العام 2011 قررت حكومة الوفاق وقف دعم المشتقات النفطية. عاش ملايين اليمنين وما يزالون معانات إنسانية ليس لها مثيل ، نتيجة أنانية مفرطة لدى بعض القوى ومموليها للفوضى والتخريب في البلاد وزعزعة أمنه واستقراره ، مكرسين اهتمام نحو ساحات بقايا "ثورة" بوصفها الشعب اليمني مسيرة من تلك القوى والتي كل مفردة منها شخوصا وكيانات مدعاة لاف ثورة وثورة . نحو كارثة جوع ومعاناة إنسانية يهوى إليها اليمنيون اليوم رجال واطفال ونساء -كما أجمعت تقارير انسانية حكومية ومحلية ودولية ..لم يشفع لهم صبرهم وأملهم في مسار التسوية السياسية على قاعدة اتفاق المبادرة الخليجية التي ارتضوها منجا ومخرجا بإجماع تجلى بالانتخابات الرئاسية في فبراير الماضي ، لتجنب البلاد والعباد ما لا يبقى ولا يذر ، فما زالت قوى العبث والفوضى تسير منتقمة من شعب بأكمله افشل مخططاتها وجعل من ما سمي "ربيعها العربي " منتحرا باليمن. وباختصار، يبدو الوضع الانساني في اليمن على النحو الاتي بحسب تقارير الامم المتحدة ، والمنظمات الدولية الانسانية فضلا عن تقارير حكومية والبنك الدولي، والتي أجمعت على ما خلفته الأزمة التي شهدها اليمن العام المنصرم 2011 من آثارا سلبية خطيرة على كافة الأصعدة: اجتاح الفقر اليمنيين ليفضى 55 بالمائة منهم تحت خط الفقر باقل من دولارين في اليوم، ويعاني عشرة ملايين من "نقص الامن الغذائي"، ونصف هؤلاء يعانون من "نقص حاد في الامن الغذائي". بالنسبة لنصف اليمنيين تقريباً من اجمالي السكان 25 مليون نسمة ، بات الحصول على القوت اليومي "الطعام" هدفاً يكافحون من أجله ولا يحققونه دائماً..وفي بعض الأيام لا تحصل الام على اي طعام لها ولأبنائها ، وتصف تقارير ذلك على لسان امهات يمنيات بالقول وهن يبكين "انه صراع يومي من أجل الاستمرار ،اشفقوا علينا". ويعاني حوالى مليون طفل دون الخامسة من "سوء تغذية حاد"، وربعهم يواجهون خطر الموت ما لم يتم اتخاذ خطوات فورية في شأنهم. والقطاع الصحي الذي كان بالكاد يعمل قبل الاحتجاجات في 2011، قد تراجع كثيرا في غضون اشهر قليلة. وتفاقم انعدام المياه النظيفة ، وسجل عودة الامراض المعدية كالملاريا وحمى الضنك ، بجانب عودة شلل الأطفال بعد أن بذلت الحكومة جهود كبيرة في سبيل إعلان اليمن دولة خالية من مرض شلل الأطفال، كما سجل مرض الحصبة عودة ملحوظة واودى بحياة 170 طفلا معظمهم منذ مطلع السنة الحالية، وارتفعت نسبة البطالة في صفوف الشباب الى 60%، وهو عامل اساسي في انعدام الاستقرار في البلاد. وانسحب مستثمرون كثر كما اغلق رجال اعمال شركاتهم ومتاجرهم، ما اسفر عن خسائر للقطاع الخاص بلغت ثمانية مليارات دولار. وقد اثر ذلك بشكل كبير على اقتصاد اليمن الذي كان يعد اصلا من افقر الدول في العالم والافقر في العالم العربي. بحسب أرقام الأمم المتحدة الأخيرة، شهدت سنة 2011 وحدها ارتفاعاً في اسعار الغذاء بنسبة 50%، فيما تضاعفت كلفة الحصول على مياه صالحة للشرب ثلاث مرات، ما ساهم بشكل كبير في التضخم الهائل الذي يعاني منه الاقتصاد اليمني. ونتيجة لنقص الكهرباء والمياه والوقود ارتفعت الأسعار بشدة العام الماضي وعلى الرغم من تراجعها الى حد ما عما كانت عليه في الذروة فإنها لاتزال باهظة بالنسبة للأسر منخفضة الدخل التي لا تستطيع تحملها. وفيما يقدر التضخم متراوحا بين 25 و30 في المئة. واستقر سعر الريال اليمني في السوق عند نحو 215 ريالا مقابل الدولار بعد أن وصل الى 243 في ذروة الأزمة السياسية لكن انخفاض قيمة العملة والتضخم يعقدان أزمة الغذاء في البلاد التي لا يتجاوز فيها نصيب الفرد من الدخل 2300 دولار في العام. وتخلص التحذيرات على امكانية ان تؤدي الازمة الانسانية الى تهديد الاستقرار وعملية الانتقال السياسي الهشة اذا لم يتم حلها. وترى أن المشكلة الاكبر ، انه ليس هناك اهتمام كبير بذلك من الجانب الدولي وكذا مراكز قوى الصراع العبثي في اليمن فالجميع يتحدث عن السياسة والامن، الا انها نصف القصة فقط... "انها كارثة بكل معنى الكلمة". والأسوأ من ذلك هو ان المنظمات الانسانية ستكون بحاجة على ما يبدو الى اكثر مما سبق ان طلبته لمساعدة اليمن، وهي اصلاً لم تحصل إلا على القليل مما طلبت. وقال برنامج الأغذية العالمي في جنيف باخر تقرير له أن اليمن ينزلق إلى وضع إنساني حرج ، مع معاناة نحو نصف عدد السكان البالغ عددهم 24 مليون نسمة من الجوع. ويعاني اليمن بسبب ارتفاع أسعار الغذاء عالميا ، خاصة وأنه يستورد تقريبا كل احتياجاته الغذائية الرئيسية كالقمح والسكر..وقالت الوكالة التابعة للأمم الماحدة :'يعاني اليمن من أزمة إنسانية تزداد تدهورا بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والوقود وزيادة معدلات الفقر وانهيار الخدمات الاجتماعية وتناقص الموارد والصراع الداخلي وعدم استقرار الأوضاع السياسية'. ويعاني نحو نصف الأطفال تحت سن الخامسة في اليمن من مشاكل في النمو بسبب سوء التغذية. وحذرت منظمة “أوكسفام” الإنسانية البريطانية، في احدث تقرير لها، من تردي وضع النساء في اليمن مقارنة بفترة ما قبل انطلاق الحركة الاحتجاجية التي أطاحت الرئيس علي عبدالله صالح، وذلك في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية . وفي تقريرها الأخير تحت عنوان “ما زلنا ننتظر التغيير”، أشارت المنظمة إلى أن أربع نساء من أصل خمس في اليمن يقلن إن ظروف حياتهن ساءت خلال الأشهر ال 12 الماضية . واستند التقرير إلى نقاشات أجرتها مجموعات عمل في مختلف أنحاء البلاد . وقال التقرير، “فيما يسير الانتقال نحو الديمقراطية قدماً، تتراجع آمال النساء بحياة أفضل”، مشيراً إلى أن “تفاقم الأزمة الإنسانية والنزاع يحدان من دور المرأة في رسم مستقبل اليمن” . وأضافت أن “الأزمة الإنسانية تزيد من سوء وضع النساء عبر مفاقمة مشكلة انعدام المساواة المتجذرة بين الجنسين” . وبحسب البيان، فإن ربع اليمنيات بين 15 و49 عاماً يعانين “سوء تغذية حاداً”، فيما تقول نساء من “سائر الخلفيات الاقتصادية” إن الحصول على الطعام والوظيفة والأمن “تمثل أوليات” بالنسبة إليهن . كما أن استمرار الاضطرابات في مناطق كثيرة من البلاد يعرض “النساء إلى العنف ويقوض أمنهن” . وبحسب تقرير أوكسفام، فإن “النساء يلجأن إلى وسائل يائسة ومدمرة للتأقلم . . إنهن يقللن من الطعام الذي يتناولنه أو يأكلن أطعمة أفقر من حيث القيمة الغذائية، وذلك من أجل توفير المزيد من الطعام لعائلاتهن” . وأشار التقرير إلى أن النساء اليمنيات في أسفل الترتيب للدول، خصوصاً في مجالات “توفر الرعاية الطبية والتعليم والفرص الاقتصادية وصناعة القرار على مختلف المستويات” . ويقول مسؤولون حكوميون إن من المرجح أن تواجه البلاد عجزا في الميزانية يبلغ 2.5 مليار دولار هذا العام. وتضررت صادرات النفط والغاز المتواضعة والتي كانت مصدرا مهما للعملة الصعبة للحكومة بسبب الهجمات المتكررة التي يشنها رجال قبائل ومليشيات متطرفة على خطوط الأنابيب منذ بدء الاضطرابات العام الماضي. وتمثل موارد النفط والغاز ما بين 60 و70 في المئة من دخل اليمن وتخسر البلاد 15 مليون دولار يوميا نتيجة للهجمات وفقا لما تقوله السلطات. وفي ظل انخفاض احتياطيات البنك المركزي من العملة الصعبة تصبح المساحة المتاحة للحكومة للمناورة محدودة. وعقد بمقر الأمم المتحدة بنيويورك في اكتوبر الجاري اجتماع بشأن العمليات الإنسانية والإغاثية باليمن في إطار تمويل الفجوة المالية وحشد الدعم لمواجهة الكارثة الإنسانية في اليمن، والتي يقوم بها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (OCHA). وخلال الاجتماع قال رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية في اليمن رؤال روزندا إن اليمن تواجه الكثير من التحديات الإنسانية وتواجه نقص كبير في التمويل، حيث تحتاج إلى ما يقارب من 350 مليون دولار أمريكي عاجلة لمواجهة الكارثة الإنسانية. من جانبه عبر مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة جمال السلال عن تقدير اليمن على الجهود التي يقوم بها المكتب بإدارة رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية في اليمن رؤال روزندا، كما عبر عن امتنان اليمن للدعم الذي تقدمه الدول المانحة، مشيراً إلى أن اليمن تواجه كارثة إنسانية . واستعرض مندوب اليمن المشكلة الاقتصادية التي يعاني منها اليمن والتي تمثل 70 % من المشاكل الراهنة، والتي تنعكس بدورها سلباً على الوضع الإنساني والأمني الذي يعيق العملية السياسية في اليمن خلال هذه الفترة الحساسة من تاريخه، بالإضافة إلى وجود 500 ألف نازح من محافظتي أبين وصعده نظرا للمواجهات الأخيرة مع القاعدة في أبين والحرب في صعدة.. وناشد السلال الدول المانحة الوفاء بتعهداتهم المالية وتقديم الدعم اللازم لليمن من أجل التغلب على هذه الكارثة الإنسانية، والمساهمة في المضي قدماً في العملية السياسية، مبدياً استعداد اليمن العمل مع الاوتشا وبقية مكاتب الأمم المتحدة في اليمن لحشد الدعم اللازم من أجل تنفيذ خطة الاستجابة الإنسانية الحالية في الإعداد لخطة الاستجابة للعام 2013.