أردوغان "غاضب" من أمريكا.. هل تتكرر "مصيدة" صدام حسين؟

الرئيس أردوغان غاضب هذه الأيام، فلماذا يهدد أمريكا الاختيار بين تركيا والأكراد؟ وهل بدأ يدرك أنهم أوقعوه في مصيدة مماثلة لمصيدة حليفه صدام حسين؟ وهل ما زالت هناك فرصة للإنقاذ؟ أسئلة وضعتها وناقشتها جريدة "رأي اليوم" اللندنية.

جاء في مقال الصحيفة الافتتاحي:

العام الميلادي الجديد ربما لن يكون افضل من الذي سبقه بالنسبة الى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، فالايام الاولى حملت مؤشرات سيئة بالنسبة اليه، ابتداء من تصاعد الازمة مع روسيا على ارضية اسقاط طائرة سوخوي روسية، وانهيار العلاقات التجارية اثر العقوبات الروسية، ومرورا بالاحداث المؤسفة التي وقعت اثناء تعامل حرسه بخشونة مع نائبة ومحتجين على سياساته في برلمان الاكوادور، المحطة الاخيرة في جولته في امريكا اللاتينية، وانتهاء بالزيارة التي قام بها وفد امريكي بقيادة الدبلوماسي برت ماغوريك المبعوث الامريكي لدى التحالف الدولي الذي يخوض الحرب ضد “الدولة الاسلامية” الى مدينة عين العرب السورية “كوباني”، ولقائه بمسؤولين في ميليشيات قوات الحماية الشعبية الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بزعامة السيد صالح مسلم.

الرئيس اردوغان اعتبر هذه الزيارة التي جاءت بالتزامن مع مؤتمر جنيف حول سورية “استفزازا” لتركيا، التي هددت بمقاطعة المؤتمر اذا شارك فيه السيد صالح لانها تعتبر حزبه مؤيدا لحزب العمال الكردي المصنف بالارهاب لديها، مثلما تعتبره ايضا مؤيدا للنظام السوري، فذهب الامريكان اليه، اي السيد مسلم، في عقر داره وعاصمة “مملكته”.

غضب الرئيس اردوغان من هذا “الاستفزاز″ عبر عنه في لقاء مع الصحافيين الذين رافقوه على متن طائرته في طريق عودته من امريكا اللاتينية، عندما قال “على امريكا ان تختار بين تركيا والاكراد”، وتساءل موجها حديثه للامريكان “كيف نثق بكم؟”، ومعه كل الحق، لان الامريكيين تعودوا على طعن اقرب حلفائه بخناجر مسمومة في الظهر، خاصة اذا كانوا مسلمين، واسألوا العاهل السعودي.

تركيا تخشى من اقامة منطقة للحكم الذاتي الكردي على طول حدودها الجنوبية مع سورية على غرار منطقة كردستان العراق شبه المستقلة، الامر الذي قد ينعكس سلبا على وحدتها الداخلية، ويشجع مطالبات للاكراد بالشيء نفسه في شرق تركيا، حيث يشكلون الاغلبية.

غضب الرئيس اردوغان مفهوم، ولكنه، اي الرئيس اردوغان، يتحمل المسؤولية عن معظم هذه التطورات التي يراها سلبية بالنسبة الى بلاده، فالتدخل العسكري في سورية بضغط امريكي وتحريض من بعض حلفائهم العرب في منطقة الخليج، هو الذي ادى الى ذلك بطريقة او باخرى.
نتفهم حرص الرئيس اردوغان على “نجدة” الشعب السوري، او قطاع منه بالاحرى، في مواجهة قمع النظام، ولكنه كان عليه ان يكون ابعد نظرا، ويحسب حساباته جيدا، وهو السياسي المحنك، ولا يقع في المصيدة نفسها التي نصبها حلفاؤه الامريكان للرئيس العراقي صدام حسين حليفه السابق في الكويت.

من الخطأ سياسيا ودبلوماسيا، ان يخير الرئيس اردوغان حليفه الامريكي بين بلاده التي تملك واحدا من اكبر الجيوش في المنطقة، واقتصادا من بين اقوى 20 في العالم، وبين الاكراد، خاصة في وقت تتدهور فيه علاقاته مع القوة العظمى الاخرى، وهي روسيا، لان الادارة الامريكية التي لا تقبل بمثل هذا المنطق، وتحرص على اقامة علاقات جيدة مع حلفائها، كل حسب دوره، وان كنا نعتقد انها، اي الادارة الامريكية، تكن كل العداء الدفين لتركيا، وتشعر بقلق كبير من قوتها المتنامية كدولة مسلمة لرئيسها طموحات باحياء الامجاد العثمانية، ويظهر كل العداء لاسرائيل، (قبل التدخل في سورية) ويريد كسر حصارها على قطاع غزة، ولذا ورطته في حرب استنزاف سياسي وعسكري في سورية يمكن ان تتطور الى صدام مسلح وموسع مع الروس.

نتمنى ان يجلس الرئيس اردوغان مع نفسه ومستشاريه الخلص، وان يراجع جميع سياساته التي اوصلته الى حالة الغضب و”النرفزة” الحالية التي تنفجر بين الحين والآخر، واول فصل في هذه المراجعة، التمعن في نوايا حلفائه وادوارهم المعلنة والخفية، ونعتقد انه يدرك جيدا ماذا نقصد.
نعتقد ان الرئيس اردوغان سياسي محنك وواقعي (براغماتي)، والمراجعات السياسية ابرز البنود في قواميس السياسيين البراغماتيين، خاصة انهم يقودون شعوبا ودولا، ومن المفترض انهم يضعون مصالحها ووحدتها الوطنية والترابية فوق اي اعتبارات اخرى.