السعودية ومواقفها الأمريكية أكثر من الأمريكيين أنفسهم

هل العلاقات الأمريكية السعودية متوترة؟ هل أمريكا منزعجة من المواقف السياسية والعسكرية الصادرة عن الرياض في المنطقة العربية؟ بعبارة أوضح، هل قادة الإدارة الأمريكية يشعرون بالتوتر والغضب والضيق من تصرفات السعودية، سواء في اليمن، أو سورية، أو العراق، أو حتى تجاه إيران؟؟؟

لا نظن أن أمريكا تشعر بأي توتر إزاء التصرفات السعودية في محيطها العربي والإسلامي. إذا جاز لنا الحديث عن توتر في العلاقات بين البلدين، فإنه توتر صادر عن جانب واحد ألا وهو الجانب السعودي.

الرياض هي المتوترة والغاضبة من أمريكا ومن مواقفها، سواء في العراق حيث تتعاون إدارة البيت الأبيض مع حكومة بغداد الصديقة لإيران، بما يقلق السعودية، أو في سورية حيث لم تبادر أمريكا للتدخل عسكريا من أجل تغيير نظام الرئيس السوري بشار الأسد، أو صوب إيران حيث أبرمت واشنطن الاتفاق النووي مع طهران.

لا نظن أن غضب السعودية وتوترها يهم أمريكا في شيء. فما دامت السياسة السعودية الخارجية متناغمة مع الأهداف الأمريكية الكبرى في المنطقة، ومسايرة لها في عمومها، فإن واشنطن لن تلتفت إلى هذه النرفزة السعودية ولن تهتم بها، فقد تعتبرها حدثا عابرا لأنها غير ذات تأثير سلبي آني ومباشر على المصالح الأمريكية بالشرق الأوسط.

لدى واشنطن الاطمئنان الكامل بأن كل الأصوات العالية التي تصدر عن المسئولين في الرياض لا تعدو كونها عتابا من صديق عاجز الذي هو السعودية، تجاه صديق متمكن الذي هو أمريكا لأنها تخلت عنها في وقت الضيق، وفي لحظة الحاجة الماسة. ما يهم واشنطن هي الأفعال وليست الأقوال.

ما تأخذه بعين الاعتبار هي المواقف المناهضة لسياستها وليس القلق السطحي والكلام الانفعالي.

يمكن الحديث عن بداية توتر فعلي وحقيقي في العلاقات بين البلدين إذا قامت السعودية بسحب مبادرة السلام التي فرضتها على العرب في مؤتمر بيروت سنة 2002، واعتبرت أنها أصبحت مبادرة ملغية، وأحييت لجان مقاطعة إسرائيل، وضغطت على كل الدول العربية التي لديها علاقات وارتباطات سرية بالكيان الصهيوني من أجل فك هذه الارتباطات وقطع هذه العلاقات العلنية والسرية منها.

فالسعودية التي تتمكن من استصدار كل القرارات التي تريدها من الجامعة العربية والرامية إلى إدانة إيران وعزلها وفرض القطيعة معها على أغلب الدول العربية، بإمكانها أن تقنع أشقاءها العرب بإعادة قطع العلاقات مع العدو الصهيوني لأن الانفتاح عليه لم ينتج عنه إلا مزيدا من التعنت والتصلب ورفض الإقرار بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والسوري واللبناني.

العلاقات السعودية الأمريكية قد تتوتر إذا بادرت الرياض إلى تسخير إمكانياتها الضخمة لإجراء مصالحة فلسطينية فلسطينية، وتوفير الوسائل المادية المطلوبة لدعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية، بكل أشكالها السلمية والمسلحة، ورفع شعار أن الكفاح المسلح من أجل استرداد الحقوق المغتصبة من طرف كيان الاحتلال إسرائيل يعتبر حقا مشروعا تكفله القوانين الدولية، والقيم الكونية والدينية.
قد تدخل علاقات الرياض بواشنطن في مأزق، فيما لو سنّت السعودية سياسة معاكسة تماما للسياسة التي تنتهجها حاليا، وتخلت عن حربها العبثية ضد اليمنيين والسوريين، وساعدتهم على وقف هذه الفوضى الدموية التي لم يعد من الممكن أن يجنوا من ورائها أي مكسب، وانطلقت في مشروع ضخم لإعادة إعمار البلدين، وتضميد جراحيهما، ومداواة نسيجهما الاجتماعي، وعملت من أجل إحياء التضامن العربي، والوقوف إلى جانب ليبيا لإحياء مؤسسات الدولة بها، والقضاء على العصابات التكفيرية التي تعيث فسادا في أرجائها.

وقد يصل توتر العلاقات بين السعودية وأمريكا ذروته فيما لو قررت الرياض الانفتاح على طهران والدخول في حوار معها لتسوية كافة الخلافات بين الطرفين بالطرق السلمية، وتبني سياسة عربية إسلامية مشتركة تعتبر العدو الوحيد الموجود في منطقتنا هو إسرائيل، والإيمان بحسن الجوار، وأن العالم العربي وإيران محكوم عليهما بالتعاون بينهما بسبب الروابط التاريخية التي تجمعهما.

اتخاذ مثل هذه المواقف هو الذي يزعج أمريكا ويؤدي إلى تفاقم التوتر في العلاقات بينها والسعودية، ولذلك نجد الرياض تتبنى عكس ذلك تماما، وتتوغل في هذا النهج بإصرار شديد، رغم كل الانتقادات التي تتعرض لها.

السعودية لا تقوم بذلك اعتباطا ودون دراية لما تفعله، إنه خيار اختارته ومضت فيه، إنها تقف، على يمين الإدارة الأمريكية في كافة القضايا المختلف حولها بين البلدين/ وعليه، لا تنزعج واشنطن من مواقف الرياض ولا تقلقها، لأنها مواقف أمريكية أكثر من مواقف ساسة اليمين الأمريكي أنفسهم.

* رأي اليوم