«تَـــمَــــرد بـاسـنـــــدوة» .. خلفيات استعداء "الرئاسة" واستدعاء "الرئاسية"

بصورة مفاجئة غادر العاصمة صنعاء محمد سالم باسندوة رئيس حكومة الوفاق، صباح الجمعة، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، في خطوة توَّجت أسابيع من التأزم وتعاقب الخطوات التصعيدية التي وسَّعت الهوة وضاعفت مسافات التباعد المطرد بين الرئاستين (الجمهورية والحكومة).

إيقاع صاخب لـ"أزمة"

مغادرة باسندوة المفاجئة وغير المعلنة جاءت - تزامناً- على إيقاع صاخب لـ"أزمة ثقة وعلاقة" متمددة عبر مساحة أرضية (سياسية وتكتيكية) مشتركة يقف عليها الرئيس هادي من جهة وتحالف القوى العتيدة ثلاثية الرؤوس (محسن، آل الأحمر، والإصلاح)، مردها جبهات وبؤر توتر ومواجهة لم تعد مكتومة مؤخراً في كل من عمران وإب والأولى خصوصاً، بينما جاءت الثانية استنساخاً لها وأداة ضغط ومقايضة تساوي "ابتزازاً سياسياً" كاملاً.
وفي الصدد مارس باسندوة مؤخراً، الأسابيع الأربعة الأخيرة على الأقل وبصورة أكيدة ومرئية، فعاليات مضادة لمثيلتها من قبل الرئيس عبدربه منصور راعت أخذ المعطيات نفسها في فعل تصعيدي معاكس لخص، بوضوح، أزمة حقيقية هي الأسوأ، تقريباً، حتى الآن بين الرجلين/ الرئيسين وبين حليفي حكم وحكومة الانتقالية في الرئاستين وما تبعهما ويستتبعانه اطراداً.

"عمران" في إب!

كل شيء، فيما يلخص لـ"المنتصف" مسئول سياسي يمني على خط الأزمة الرئاسية الرئاسية، بدأ بصورة أكيدة من تداعيات ومعطيات الأوضاع في عمران وتحكيم الرئيس للمحتجين في القتلى برصاص جنود القشيبي على مدخل المدينة الشمالي، ورفض الرئيس زج الجيش في حرب مع الحوثيين، كما ضغط وسعى خصومهم (تحالف القوى ثلاثية الرؤوس).. وأخيراً، وليس آخراً، اعتزام الرئيس الإيفاء بوعده لوجهاء ومحلي عمران لتغيير المحافظ الإصلاحي دماج وربما، أيضاً، اللواء حميد القشيبي نفسه رجل علي محسن والإصلاح في الجبهة الشمالية ومن ورائه قوة وعديد وعتاد اللواء 310.

كنوع من التكتيك باستخدام خيار التأزيم المماثل فتح الإصلاح جبهة في إب وحاصر مسلحوه مقر المحافظة، موصدين أبوابه بالسلاسل الحديدية في استعراض "جلف" لقوة نزقة تعلن عن نفسها بهذه الطريقة الوحيدة التي تجيدها. وهي أصلاً لم تكن بحاجة إلى إعلان زائد عما هو معلن ومحفوظ.

إشعال الفتيل

تصاعدت الأوضاع سريعاً. وانخرط صراحة رئيس الحكومة في مفاعيل وأفاعيل أزمة مستفحلة تهدد بالاشتعال وإشعال جبهات عنف أسوأ من جبهات السياسة. لجأ باسندوة إلى اتخاذ مواقف وأخذ خطوات ضداً من خطوات رئيس الجمهورية. مباشرة عمد إلى استدعاء، أو استُدعي له، وفد من مشايخ ووجهاء الإصلاح واللقاء المشترك في إب. قابلهم الرجل بوصفهم ممثلين للسلطة المحلية بالمحافظة وأطلق في حديثه إليهم معطيات ووعوداً وتأكيدات أذيعت في الإعلام الرسمي والتلفزة.

بصورة متزايدة الوضوح والحدة معاً، كان باسندوة يتخندق مقابلاً للرئيس هادي. وعملياً قصد باسندوة - أو أُلزم بهذا كما يشرح مراقبون لـ"المنتصف"- أن يرد على فعالية سابقة للرئيس هادي الذي استقبل وفداً من مشايخ وقيادة محلي عمران خرجوا من اللقاء بوعد رئاسي لتلبية مطالب المعتصمين والأوساط المحلية بتغيير دماج خصوصاً.

لكن باسندوة هنا من استقبلهم ليسوا السلطة المحلية ولا قيادة محلي إب. كان اللقاء بمثابة إعلان تصعيد قصد توتير وتفجير خلافات وخلط أوراق. الأمر الذي استثار غضباً وغيظاً لدى قيادة السلطة المحلية المنتخبة في إب والتي رفضت بشدة وعلنية حاشدة وجماهيرية إهانات وتجاهل وتهميش ومخالفات رئيس الحكومة الذي شرعن لمحاصرة المحافظة أو مقرها وإغلاق أبواب السلطة المحلية في وجه السلطة المنتخبة وألغى هذه السلطة باستقباله وفداً حزبياً من المشترك والإصلاح كممثلين للمحافظة (!!)

شتائم رئاسية

بعد خطاب القاضي الحجري محافظ إب رئيس السلطة المحلية في اللقاء التشاوري الموسع، والذي جاش بنقد حاد ولاذع عن حرقة مغدور ومستَفَز ولاقى ارتياحاً واسعاً في أوساط وأنصار المؤتمر وحلفائه والكثير من العامة مقابل استياء ونقمة من الفريق الآخر والذي تجشأ بياناً أشبه ما يكون بإعلان يخلد يوم الشتيمة العالمي من زاوية مصدر طافح بالإسفاف والردح والسباب أحال معه رئاسة الحكومة إلى موقع عارٍ عن الوقار والمسئولية وخصم رديء في المستوى الأدبي صدّر شتائمه علناً عبر محطات وشاشات الإعلام الرسمي المختطف عن مرجعيته ودوره ووظيفته. بعد هذه الواقعة وتداعياتها صعَّد باسندوة أكثر.

فبينما كان قد أتبع خطوته المستفزة باستقبال وفد إصلاحيي ومشتركيي إب بانتقاله المفاجئ إلى عدن في زيارة غير مجدولة ولا هدف لها سوى أنه زار بوابة المنطقة العسكرية الرابعة التي تعرضت لهجوم في ظل حكومته العاجزة عن صد ورد الهجمات المتلاحقة ضد مواقع وحصون الجيش والأمن، عمد مباشرة بعد عودته غير المعلنة إلى صنعاء إلى مغادرة العاصمة فجأة صباح الجمعة تشيعه تسريبات مقصودة من جهة جبهته التي يخدم إلى كونه يعتزم الاعتكاف حتى يستعيد صلاحيات حكومته ومنصبه المختطفة لدى الرئيس هادي كما نسبت يومية "أخبار اليوم" المقربة من اللواء الأحمر، السبت، لمصدر رئاسة الوزراء.

وفي الأجواء كانت مواقع إخبارية تتحدث عن اعتزام الرجل طلب اللجوء(..)

" تمرد... لا أقل"

المؤكد هنا هو أن رئيس الحكومة وضمن أهداف وخلفيات مغادرته المفاجئة قرر، عن عزم، أن يستبق لقاءً وشيكاً لدى الرئيس هادي يجمعه بمحافظ إب القاضي الحجري، الذي كان يصل إلى صنعاء في الأثناء - على الأرجح رفقة وفد شكله اللقاء التشاوري لمقابلة الرئيس وعرض الأوضاع بين يديه. وكان نسب للقاضي الحجري تأكيده تحمُّل مسئولية خطابه وباسندوة يتحمل مسئولية بيان رئاسة الحكومة والمرجعية إلى الرئيس. باسندوة، أيضاً، قرر أن لا يلقى الرئيس أو الحجري. أحدهم يعلق "فر من المواجهة".

"لا مناص من الاعتراف وإقرار التوصيف الفعلي والوحيد لكل هذا الذي يحدث"، يعلق للمنتصف أستاذ علوم سياسية بجامعة صنعاء. ويضيف: "التسمية الوحيدة لما يحدث هي (تمرد).. نحن بإزاء تمرد حقيقي يتصدره أو يتصدى لتزعمه بصورة حثيثة ورسمية رئيس الحكومة باسندوة".

استدعاء "الرئاسية"

واكب وناغم جدول أعمال وتحركات رئيس الحكومة الوفاقية المثخنة بـ(اللا وفاق) تصعيد مزامن أطلقه رئيس الهيئة العليا لحزب الإصلاح محمد اليدومي الذي أشهر علناً في وجه الرئيس هادي كارت العزل بطريقة أو بأخرى ولوَّح محتداً باستعجال إنجاز مسودة الدستور في ظرف أشهر ثلاثة توصل مباشرة لاستفتاء وانتخاب رئيس جديد. استدعاء الانتخابات الرئاسية بهذا المنطق والأداء والسياق التصاعدي يعني ببساطة ومرة أخرى "الابتزاز"(..)

من الواضح، في الجهة الأخرى الرئاسية العليا، أن الرئيس هادي تلقى الرسائل الإصلاحية وباشر الرد عليها. كان قبلها بأيام قد صرح مصدر في لجنة صياغة الدستور بأن مدة الإنجاز هي 3 أشهر وليس عاماً. بعدها، أيضاً، التقى الرئيس أعضاء اللجنة وشدد على سرعة إنجاز المسودة في زمن 3 أشهر. كان يقصد هذا ويقصد أن يسمعه الآخرون ومن يهمهم الأمر.
الرئيس.. والقرار

في اللحظات الحرجة والأخيرة تلخص على مكتب الرئيس ملف عمران. وبات عليه أن يقرر.. الجميع ينتظر ولا مفر أو خيار آخر. اللجنة الرئاسية كانت ساعتها، أواخر الأسبوع، تسابق المهلة النازفة أمام أسبوعي التهدئة المنهيين. وأيضاً طرأ على جدولها هم وعمل إضافي لا يقل أهمية.. تهدئة الأوضاع في جبهة قارن/ ضيم والذي كان القشيبي عمد فجأة إلى إشعال النيران هناك وزج جنوده في معركة لا مبرر لها للسيطرة على جبل ضيم. قتل ستة أشخاص وجرح آخرون وأسر تسعة جنود للواء 310 سلمهم الحوثيون للرئاسية يوم الجمعة. والتي أقرت بدورها تشكيل لجنة تحقيق ونجحت في انتزاع وعد وموافقة على التهدئة.

بينما يبقى موضوع وعنوان القضية الأصلي والأول وهو تغيير المحافظ وربما القشيبي، أيضاً، مفروغاً له عهدة الرئيس هادي الذي التزم بإجابة المعتصمين والمحليين إلى مطالبهم.

ولكن، متى؟ الكل في حال انتظار وترقب.

*المصدر: أسبوعية المنتصف.