اقتطاع نسبة من عائدات النفط السعودي لصندوق إعادة اعمار اليمن

يخطئ النظام السعودي في اعتقاده انه بمجرد الانفتاح على الحوثيين ومحاولته التحول من طرف في الازمة اليمنية الحالية الى وسيط بين القوى اليمنية ،أنه بذلك سيتمكن من طي صفحة شديدة السواد في تاريخه..

قد يتمكن من إعادة العلاقات الرسمية بين البلدين الى ماكانت عليه قبل عاصفة الدم ،لكنه لن يتمكن من إطفاء نار الغل والكراهية التي اشعلها عدوانه في قلوب الغالبية العظمى من الشعب اليمني خاصة بعد تمادي طائراته في اراقة دماء الاف الضحايا الأبرياء ووصول اضرارها الى كل منزل ،إضافة الى هوس طائراته الغريب في تدمير البنية التحتية وكل مقومات الحياة في البلاد،ما كرس قناعة لدى غالبية اليمنيين ان الموضوع يتجاوز مبررات ايران والحوثي وعفاش ،الى محاولة إعادة اليمنيين الى ما قبل الدولة.

-كما التف الكثير من اليمنيين حول الحوثيين كمكون يمني رافض للهيمنة السعودية واستمرار تدخلها في الشأن اليمني،سيلتفون بصورة اكبر في المستقبل خلف أي قوة يمنية ترفع ذات الشعارات المعادية للسعودية في حال تخلت القوى الحالية (حوثيين ،ناصريين ،اشتراكيين ..)عن تلك الشعارات، وسيكون هؤلاء من اهم الأدوات التي سيستغلها الغرب عندما يبدأ تنفيذ مخططه لتقسيم السعودية الى دويلات خمس ،والذي عاد يطل بوجهه من جديد من نافذة هجمات سبتمبر وانتهاء الحاجة لنفط السعودية .

-لذلك ليس امام النظام السعودي لاحتواء او تحييد الخطر القابع في حديقته الخلفية،الا بذل كل ما بوسعه للتطبيع مع الشعب اليمني وعدم الاكتفاء بسياسته التقليدية القائمة على احتواء القوى الرئيسية واستغلال حساباتها الضيقة وفساد وانتهازية غالبية قياداتها ،لضمان ولائها والتحكم من خلالها بالنظام القائم،وذلك لن يكون الا من خلال عدة خطوات منها:

1- تخلي صانع القرار السعودي عن الاعتقاد الخاطئ بان مصلحة السعودية تكمن في ابقاء الدولة اليمنية ضعيفة خاصة ان الاحداث الأخيرة كشفت أن ضعف الدولة يصب لصالح تنامي قوى دينية شديدة العداء للنظام السعودي .

2-التوجه الجاد نحو معالجة حقيقية وشاملة لكل القضايا العالقة بين البلدين ،مع إعطاء أولوية لمعالجة الاضرار التي لحقت باليمنيين جراء عاصفة الحزم خاصة ما يتعلق بمحاسبة القتلة وتعويض أسر الضحايا وكل من تضرر من العدوان، وسأركز هنا على مسألة التعويضات كونها الشق الاسهل في الوقت الراهن،إضافة الى امكانية تحقيق نتائج إيجابية في وقت اسرع مقارنة بالجوانب الأخرى.

-في الغالب سيكون الوضع الاقتصادي هو التحدي الأكبر والخطر الأبرز الذي سيواجهه اليمنيين في الأيام التالية للإعلان الرسمي لانتهاء العدوان وتوقف الاشتباكات المسلحة ،مع ملاحظة ان جزء كبير من معاناة اليمنيين الاقتصادية طيلة العقدين الماضيين كانت نتيجة مباشرة لخسارة 12مليار دولار جراء شهرين من الحرب العام 94م ،فما بالنا بالتداعيات الكارثية المتوقعة على الاقتصاد جراء حرب تجاوز عمرها العام وتسببت في تدمير شبه كامل لمقومات الاقتصاد اليمني بشقيه العام والخاص، والذي سيبطئ أيضا من قدرته على التعافي سريعا.

-طبعا سيكون المواطن البسيط هو الضحية الأكبر للوضع الاقتصادي وستتفاقم معاناته اليومية بصورة غير مسبوقة خاصة مع التوقع بضعف قدرة حكومة الفترة الانتقالية المقبلة على مواجهة المشكلة الاقتصادية سيما مع محدودية فعالية الحكومات الائتلافية في معالجة هذا النوع من المشاكل لتعدد القرار داخلها والخلافات البينية بين مكوناتها،والى انشغالها أيضا بمتابعة استكمال بنود التسوية السياسية في شقيها الأمني والسياسي، ويضاف الى ذلك ضعف الإيرادات العامة للدولة مع استمرار انخفاض أسعار النفط العالمية خلال السنوات القليلة المقبلة ،والذي سيؤثر سلبا في حجم المساعدات المتوقعة من دول الخليج للنظام الجديد.

-كل ذلك سيكرس شعورا بالإحباط وسيفاقم من مشاعر الاستياء والغضب لدى غالبية اليمنيين خاصة أن سنوات عديدة قد تمضي دون بدء عملية صرف التعويضات المالية لمئات الالاف من اليمنيين المتضررين من الحرب سواء أولئك الذين دمرت منازلهم ومزارعهم وقواربهم او الذين فقدوا أعمالهم ومصدر دخلهم ،ولاشك ان النظام السعودي سيكون المسئول الاول عن هذه المعاناة، الامر الذي سيكرس مناخا معاديا للسعودية في الشارع اليمني وسيعمق من مشاعر الكراهية ضد نظام ال سعود.

-قد يقلل البعض من أهمية ذلك والترجيح ان مشاعر العداء ضد السعودية في الشارع اليمني ستنحصر على أبناء المحافظات الشمالية ذات الأغلبية الزيدية ،لكن ذلك ليس صحيحا بالمجمل لعدة أسباب أهمها:

1-لافتات شكرا سلمان التي يرفعها المئات من اتباع الاخوان وبعض الأحزاب الأخرى في تعز من حين لآخر لن تستمر طويلا،فالطريقة المهينة التي تعاملت بها دول العدوان مع محافظة بحجم وأهمية ومكانة تعز و استخدامها فقط لاستنزاف وانهاك قوات الجيش الموالي لصالح وعناصر اللجان التابعة للحوثي،وبمجرد ان يتذكر أبناء تعز أن التحالف أرسل لهم -بحسب تصريحات سابقة لقيادة المقاومة -دبابة وحيدة مقابل 300 دبابة الى عدن و200 دبابة الى مارب ومثلها الى حضرموت ، فأن مشاعر الغضب والكراهية تجاه السعودية والامارات ستكون هى المسيطرة على قلوب أبناء الحالمة ،وهذا الامر ينطبق بدرجة كبيرة مع الوضع في محافظة البيضاء.

2-اما في عدن والمحافظات المحيطة بها ،فجزء من انصار الحراك الانفصالي لايخفون استياءهم من السعودية لاعتقادهم بوقوفها ضد مخطط تقسيم اليمن وهذا الشعور قد يتنامى في حال استمرت في اتخاذ مواقف تبعدهم عن حلمهم،في حين سيعيد الكثير من أبناء تلك المناطق النظر في عشقهم لما يسمونه امارات الخير ،بعد ان يدركوا ان محمد بن زايد أكمل خطة البسط والاستيلاء على أرخبيل سقطرى مقابل بعض المساعدات الغذائية والترميمات لبعض المرافق ووعود أخرى في الهواء، وقد تزيد مشاعر الغضب تجاه تحالف بن زايد وبن سلمان عندما يستوعب هؤلاء مع مرور الوقت ان سياسة التحالف تسببت في تكريس حضرموت كإقليم مستقل عن إقليم عدن متجاوزة اهم محرمات الحراك وخطوطه الحمر.

3-أما حضرموت فجزء من ابناءها لن ينسوا تخلي السعودية والامارات عنهم طيلة عام وتركهم لقمة سائغة لعناصر القاعدة تعبث بحياتهم وتمارس هوايات الجلد والرجم وقطع الايدي و..،بل الادهى عندما يكتشف هؤلاء ان قيادات القاعدة كانت تذهب الى الرياض وتلتقي كبار المسئولين وتعود لإكمال مهمتها.

-من هنا يبدو ان الشارع اليمني لن يمر عليه وقت طويل من وقف العدوان ،الا وقد تحول الى بيئة شديدة الكراهية للسعودية وحلفائها ،الا في حال تحركت بصورة سريعة للتقليل من الاضرار المتوقعة لعدوانها على حياة ومعيشة اليمنيين خاصة في الأشهر الأولى لوقف الحرب ، وعلى الرغم ان التعويضات وإعادة الاعمار يعتبر احد اهم البنود في أي تسوية سياسية اذا ما أراد ان يكتب لها النجاح وخطوة ضرورية لطي صفحة الماضي، لكن المؤشرات الصادرة عن الرياض خاصة فيما يتعلق بملف التعويضات وإعادة اعمار اليمن لا تنبئ بذلك بل تكشف عن رغبة سعودية في التملص من مسئوليتها ومن تلك الدلائل التالي:

1-كان الامر الأكثر اثارة عند تسريب خبر اتفاق ولد الشيخ احمد مع وفد انصار الله والمؤتمر الشعبي في مسقط على النقاط السبع ،هو رفض السعودية الشديد ادراج بند إعادة اعمار اليمن ضمن تلك النقاط تحت مبرر ان ذلك سيجعل الامر ملزما لها ولحلفائها في العاصفة في حين انها تريد القيام بالأمر كمساهمة منها.

2-عقب تلك التسريبات بدأ الحديث عن ترتيبات يشرف عليها مجلس التعاون الخليجي لعقد مؤتمر دولي لإعادة اعمار اليمن ستساهم دول الخليج فيه ب70% من الأموال ، كما تم اطلاق دعوة بذلك في البيان الختامي للقمة الخليجية الأخيرة ،و نظمت امانة مجلس التعاون ندوة وورشة عمل لمناقشة الأفكار والتصورات حول ذلك.

3- تكشف المفاوضات الجارية في الكويت ،بأن بند التعويضات وإعادة الاعمار هو الغائب الأبرز في طاولة مفاوضات الكويت الحالية اذا ما استثنينا الإشارة الخجولة لمسألة التعويضات وإعادة الاعمار،التي جاءت في رؤية وفد انصار الله والمؤتمر المقدمة الى ولد الشيخ احمد،في حين غابت تماما في الرؤية المقدمة من وفد حكومة بن دغر،وهو ما يوحي بموقف سعودي رافض لمناقشة هذه المسألة في المفاوضات وحسم الامر في عقد مؤتمر للمانحين.

- لكن هناك تجربة مريرة لليمن مع مثل هذا النوع من المؤتمرات، وليس خافيا ان مثل هذه المؤتمرات يعلن فيها عادة عن تعهدات بمنح الدول المشاركة مبالغ تقدر بخمسة وعشرة مليار على مراحل تصل الى خمس سنوات واكثر وفي معظم الحالات لم تف غالبية الدول المانحة بتلك التعهدات وتظل حبر على ورق ،وهذا ما سيؤول اليه الحال في بلادنا التي لم تحصل حتى اللحظة على الجزء الأكبر تعهدات مؤتمر لندن للمانحين،إضافة الى ان التقديرات الأولية للتعويضات المطلوبة لليمن تقدر ما بين 100 الى 200 مليار دولار بصورة تتجاوز بمراحل ما يمكن ان تقدمه الدول المانحة في مؤتمر المانحين.

-كما أن الازمة المالية التي تمر بها دول الخليج جراء انتهاء عصر النفط الذهبي لدرجة ان السعودية نفسها مهددة بالإفلاس خلال عدة سنوات اذا استمرت أسعار النفط على هذا المستوى المتدني،كل ذلك يرجح بأن أي حديث عن التعويضات وإعادة الاعمار سيكون مجرد كذبة كبيرة ،الا في حالة واحدة وهى الاستفادة من تجربة صندوق تعويضات الكويت،الذي شكلته الأمم المتحدة وقامت باستقطاع نسبة من مبيعات النفط العراقي لتعويض الكويت عن حرب الخليج.

-مقترح: صندوق تعويضات اليمن:

-توجه الولايات المتحدة وعدد من حلفائها لاستهداف النظام السعودي "لكونه منبع وممول الإرهاب العالمي""،قد يفتح الباب امام إمكانية تحول المجتمع الدولي نحو جعل ملف التعويضات وإعادة اعمار اليمن أمر ملزم للسعودية وما يسمى التحالف العربي ،و يفترض هنا تركيز القوى اليمنية على مطالبة مجلس الامن بتضمين القرار الجاري صياغته حاليا في أروقة المجلس بشأن خارطة الطريق لمراحل حل الازمة اليمنية ،ويتوقع صدوره خلال الأسابيع القليلة المقبلة،بند رئيسي بشأن ملف التعويضات وإعادة الاعمار ينص على انشاء صندوق تعويض وإعادة اعمار اليمن .

-بحيث يكون تمويل الصندوق من نسبة يتم اقتطاعها من عائدات مبيعات النفط لكل من السعودية والامارات وقطر باعتبارها الدول الفعلية التي شنت الحرب على اليمن،مع تحديد النسبة بما لايقل عن 5% ولايزيد عن 20% من اجمالي العائدات للدول الثلاث على ان يستمر الاقتطاع الى حين استكمال الأموال المقدرة للتعويضات وإعادة الاعمار خلال خمس سنوات على الأكثر،واعتقد ان اليمنيين احق بالتعويض من الأمريكيين الساعين لرفع دعاوى ضد السعودية بمليارات الدولارات في احداث 11 سبتمبر.

-هناك عدة جوانب إيجابية لهذا المقترح بالنسبة للسعودية نفسها منها انه يساعد النظام السعودي في تطبيع علاقته مع الشعب اليمني وليس مع النظام فقط ،كما انه يساعده في تكريس توجه نظام بن سلمان للاستغناء عن النفط بحلول العام 2030م،و يضفي ايضا جدية ومصداقية للتوجه الخليجي لإعادة تأهيل اليمن تمهيدا لضمه لعضوية مجلس التعاون،كما يقطع الطريق امام اية ذرائع او تلكؤ للأنظمة الخليجية في دفع المبالغ المخصصة لملف التعويضات وإعادة الاعمار تحت ذرائع الوضع الاقتصادي الصعب جراء انخفاض أسعار النفط.

-كما انه قد يجنب محمد بن سلمان التعرض لمواقف محرجة مستقبلا وسيحافظ على سمعته من الاهتزاز كزعيم مستقبلي للسعودية ،لأنه بدون هذا الصندوق سيجد نفسه مرارا وتكرارا امام وفود من الحكومة اليمنية لمطالبته بدفع مبالغ وتعويضات مخصصة لاعادة اعمار مستشفى هنا ومدرسة هناك بل وستتم مطالبته بدفع القسط الثاني من إعادة بناء مصنع البفك او بطاطس نعمان التي دمرها طيرانه ،وكل تلك الطلبات ستزداد في وقت تعاني منها بلاده من ضائقة مالية متوقعة،وهنا لن يكون امامه سوى اليمين المغلظة بعدم وجود فلس واحد في الخزينة،ويطالب بالصبر عليه لبعض الوقت وربما يرد عليه احد الضرفاء بالقول(ما يسبورش يا عزي دمري واهربي).

[email protected]

* عبدالعزيز ظافر معياد، كاتب وباحث من اليمن

اقرأ أيضا للكاتب: رأي- بصدد "مؤتمر طائف يمني".. هل تكون الرياض المحطة الأخيرة للمفاوضات؟