الدكتور سيف العسلي: ما الذي يجري في الكويت؟

لا أنكر اهتمامي الشديد بما يجري في الكويت كوني مواطناً يمنياً، وبالتالي فإن ما سينتج عما يجري هناك سأتثر به إن سلباً أو إيجاباً، وإن لم يكن لي أي ارتباط بما يجري هناك لا من قريب أو بعيد.. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، فإني قد أقحمت نفسي بالموضوع من خلال توقعاتي بفشل هذه المباحثات.

وعلى الرغم من ذلك، فإني مهتم بالتعريف بنوع الفشل والآثار التي يمكن أن تترتب عليه حتى أنصح نفسي أولاً وغيري من أبناء اليمن. ولذلك فإني أتابع كل ما يرشح عن هذه الاجتماعات، وأقرأ ما وراء سطور ذلك.

فقد واظبت على ذلك لما يقرب من ثلاثة أشهر.. أعترف أني فشلت في فهم ما يجري وتفسير ما يحدث. صحيح أني أحاول أن أتتبع أهداف المشاركين، ومقارنة ذلك بما يحدث على أرض الواقع. فوجدت أن لا علاقة لما يقوله المشاركون حول أهدافهم السياسية المعلنة والخفية.. كما وجدت أن لا علاقة بين هذه الأهداف وما يجري في الواقع.

فإن كانت أهداف السعودية وتحالفها إعادة الشرعية أو حماية اليمن أو حماية السعودية أو العودة إلى الحكم أو استمرار الوصاية على اليمن، إلا أن هذا التحالف لم يدرك أن تحقيق هذه الأهداف ليس لصالحه على المدى المتوسط والبعيد.. لم يدرك هذا التحالف أنه يعاني من تناقض الأهداف قبل غيره.

على الرغم من ذلك، فإنهم يحاولون أن يظهروا أنهم موحدون.. إن ذلك خداع للنفس.. ففي أية لحظة يمكن أن يتحقق هدف البعض أن البعض الآخر سيتضرر من ذلك أكبر من تضرر الحوثيين وحلفائهم.

ومما يؤكد هذه الحقيقة أن ما يجري في الواقع يعمل على عرقلة تحقيق هذه الأهداف وبشكل واضح وجلي. ومع ذلك يستمر هذا التحالف في محاولة تحقيق ما لا ينفعه وما هو غير قابل للتحقيق. اين ذهبت عقول هؤلاء؟ لا أدري!!

ونفس الأمر ينطبق على الحوثيين.. فان كان الحوثيون يعتقدون أن لديهم ثورة، فلماذا يتحالفون مع من ثاروا ضدهم؟ وإذا كانوا يهدفون إلى الاستيلاء على الحكم، فلماذا لم يفعلوا ذلك؟ واذا كانوا يهدفون إلى إنقاذ اليمن، فلماذا يورطونه في حروب لا نهاية لها مع القوى السياسة ومع السعودية ومع أمريكا ومع إسرائيل، بل ومع العالم كله؟!

في الواقع لقد خسروا كل ذلك، ومع ذلك يصرون على الحرب والاستسلام. كيف يمكن تبرير ذلك، وكيف يمكن أن يخدم ذلك أهدافهم أياً كانت؟ ولماذا لا يدركون أنهم حتى الآن قد فشلوا في كل شيء إلا في شعارات الحروب والدخول في إنفاقها المظلمة؟

ومن الغريب أن المؤتمر الشعبي قد وقع في الجنون مثله مثل غيره. الحوثيون لا يخفون أنهم ثاروا ضدهم وأنهم لن يقبلوا في مشاركته في السلطة. إنهم فقط يريدون أن يشاركوه في الحرب.. إنه في حقيقة الأمر يمثل شاهد الزور.

غالبية الشعب اليمني تاهت فلا هي نصرت أحد المتحاربين وأوقفت الحرب، ولا هي وقفت ضدهم جميعاً وأخذت زمام أمرها بيدها، ولا هي فكرت فيما يجري لها وكيف يمكن أن تخرج من ذلك وهي ليست صابرة ولا مشاركة، وهي ليست في غيبوبة ولا في وعي.

لقد حاولت أن استخدم كل ما تعلمت من وسائل التحليل العلمية لفهم ما يجري، ولكنها لم تمكني من فهم ما يجري. فلا نظرية المصالح، ولا نظرية المؤامرة، ولا نظرية الشيطان، ولا نظرية الجنون، ولا نظرية التخلف، ولا أي نظرية أخرى تمكنت من فهم ـ على الأقل ـ بعض ما يجري.. فما يجري، في حقيقة الأمر، يتناقض مع افتراضات هذه النظريات مجتمعة ومنفردة.

ولولا فضل الله عليّ لكنت قد وقعت فيما وقع فيه هؤلاء. فعن طريق القرآن فإن الله قد مكنني من فهم ما يجري، وأن أجنب نفسي، على الأقل، الوقوع في هذه المعاناة. فقط تأملوا، كما تأملت، هذه الآيات في سورة النور.

[اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ (40) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الأَبْصَارِ (44) وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (46)].

فقط تأملوا هذه الآيات في سورة النور وسترون ما رأيت وسوف تستفيدون كما استفدت. فالله قريب من كل عباده ويحبهم جميعاً ويهديهم جميعاً. فقط جربوا ما جربت وسوف تحصلون على ما حصلت وربما على أكبر من ذلك... فهل ستجربون؟ أرجو أن تفعلوا ذلك ولو مرة ولن تخسروا شيئاً.

* المقال خاص لوكالة خبر
*وزير المالية الأسبق البروفيسور «سيف العسلي»