ما هي دلالات إعلان إيران السيطرة على مضيق هرمز؟

أضر انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى المبرم في 2015 وكذلك إعادة فرض العقوبات الأمريكية، بالاقتصاد الإيراني. وبإعلانها السيطرة التامة على مضيق هرمز، تهدد إيران بالرد على عرقلة مبيعاتها النفطية عبر شل حركة هذه التجارة في المعبر الإستراتيجي.
 
يواجه الرئيس الإيراني حسن روحاني انتقادات من مختلف الجهات، محافظون وإصلاحيون والشارع. ويحمل معارضون النهج السياسي لروحاني مسؤولية العديد من الإخفاقات التي عرفتها البلاد في السنوات الخمس الماضية.
 
واستدعي الرئيس الإيراني لأول مرة لاستجواب أمام البرلمان الثلاثاء مواجها أسئلة حول انهيار قيمة العملة الوطنية وارتفاع نسبة البطالة وتفشي الفساد. فالعقوبات الاقتصادية الأمريكية شكلت ضربة قاسية للجمهورية الإسلامية وما انفكت حدة التوترات تشتد بين البلدين لا سيما بعد انسحاب الولايات المتحدة في مايو/أيار من الاتفاق النووي التاريخي.
 
دافع روحاني الثلاثاء عن سياسة حكومته أمام العقوبات الاقتصادية المفروضة على بلاده مؤكدا أنها ستهزم المسؤولين في البيت الأبيض المعادين لها، لكنه لم ينجح في إقناع البرلمان الذي أحال ذلك إلى الهيئة القضائية.
 
تعطيل مبيعات النفط يضيق الخناق على طهران
 
ضاق إذا الخناق على طهران، فتثقل اقتصادها العقوبات الخارجية وباتت تداعياتها تهدد بتفجر الوضع الداخلي، ويشار إلى أن روحاني قال أمام البرلمان الثلاثاء إن مظاهرات بداية العام ضد الحكومة شجعت ترامب على الانسحاب من الاتفاق النووي.
 
وكان قد خرج قائد البحرية بالحرس الثوري الجنرال علي رضا تنكسيري ليعلن الاثنين أن إيران تسيطر تماما على الخليج ومضيق هرمز، حسبما نقلت عنه وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء.
 
وكان مسؤولون إيرانيون قد هددوا في السابق بإغلاق مضيق هرمز الإستراتيجي الذي يعتبر خط شحن حيوي لإمدادات النفط العالمية، ردا على أي أعمال عدائية أمريكية. ويرى العديد في إعلان السيطرة على المضيق عزم طهران على الدفاع عن اقتصادها بتكثيف سبل مساعيها سواء كان تصعيدا في اللهجة على غرار هذا الإعلان أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، أمام ضيق النهج الدبلوماسي.
 
فحضت إيران الاثنين محكمة العدل الدولية في لاهاي التي بدأت النظر في الشكوى التي قدمتها إليها، على تعليق العقوبات الأمريكية المفروضة عليها معتبرة أنها "تخنق" اقتصادها ورد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن واشنطن "ستدافع عن نفسها بقوة" في مواجهة الجمهورية الإسلامية.
 
واعتبر محامي إيران محسن محبي أن إعادة فرض العقوبات الأمريكية التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب "ليس سوى عدوانا فاضحا ضد بلاده". وتابع أن إيران "ستقاوم بأكبر قدر ممكن الخنق الأمريكي لاقتصادها، بكل الوسائل السلمية".
 
وقال مسؤولون أمريكيون بارزون إنهم يسعون إلى وقف صادرات إيران النفطية بالكامل. وقال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الأعلى آية الله علي خامنئي الشهر الماضي إن منع إيران من تصدير نفطها سيقود إلى منع كل دول المنطقة من تصدير النفط عبر الخليج. وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد جدّد أيضا الشهر الماضي تحذيره من أن إيران يمكن أن تغلق مضيق هرمز الإستراتيجي. وقال مخاطب نظيره الأمريكي دونالد ترامب "لقد ضمنا دائما أمن هذا المضيق، فلا تلعب بالنار لأنك ستندم".
 
لا يتجاوز عرض المضيق 40 كم لكن أهميته كبيرة جدا فـ30 بالمئة من التجارة العالمية للنفط تمر منه. ويقول الخبير روبرت ماكنالي لقناة "سي إن بي سي الأمريكية" : "إذا تحدثنا عن النفط الإيراني فقط فنحن نتحدث عن 2,5 مليون برميل في اليوم. فإذا أغلق المضيق فنتحدث عن 19 مليون برميل في اليوم ما يعني مشكل أكبر بكثير"، لا سيما أن للولايات المتحدة نشاطا عسكريا لا يستهان به في المنطقة حيث يتواجد خامس أسطول للبحرية الأمريكية.
 
إيران تشهر "سلاح النفط" في وجه واشنطن
 
وتشمل العقوبات الأمريكية حظر عمليات التبادل المالي واستيراد المواد الأولية إضافة إلى إجراءات عقابية على عمليات الشراء في قطاعي السيارات والطيران. دخلت الدفعة الأولى من العقوبات الأمريكية حيز التنفيذ مطلع آب/أغسطس على أن تليها دفعة ثانية في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر تطال قطاع النفط والغاز الذي يلعب دورا أساسيا في الاقتصاد الإيراني.
 
وسبق أن لوحت طهران بمثل هذا القرار عبر مناورات بحرية رأت فيها واشنطن تهديدا فأكدت أنها عازمة على تأمين الملاحة في مضيق هرمز تهديدا. وفي أوائل آب/أغسطس أجرت إيران عمليات بحرية في الخليج ومضيق هرمز وخليج عمان.
 
وقال الجنرال جوزيف فوتيل قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط إنه "من الواضح جدا أنهم حاولوا أن يستخدموا تلك المناورات لكي يبعثوا لنا رسالة". وأضاف أن النظام الإيراني أراد أن يثبت أن لديه "قدرات" عسكرية في مضيق هرمز الإستراتيجي.
 
وأشار إلى أن إيران تملك في هذه المنطقة ألغاما وقوارب متفجرة وصواريخ دفاع ساحلي فضلا عن رادارات، غير أنه شدد "إننا يقظون بشكل استثنائي، ونحن نراقب أي تغيير" في المنطقة.
 
وقال الجنرال الأمريكي "إن إحدى مهماتنا الرئيسية هي ضمان حرية الملاحة وحرية التبادلات التجارية، وسنواصل القيام بذلك في كل أنحاء المنطقة".
 
ومع اقتراب موعد دخول الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران، والتي تشمل القطاع النفطي، حيز التنفيذ، يشهد الوضع تطورات سريعة مع تجديد طهران تلويحها بإغلاق مضيق هرمز عبر إعلانها السيطرة عليه. فتصدر إيران 2,4 مليون برميل في اليوم ويمكنها أن تخسر بين 800 ألف و1,2 مليون سريعا مع العقوبات الجديدة، ما سيشكل ضربة قاسمة لسوق تشهد توترا كبيرا ويدفع بالأسعار نحو الارتفاع.
 
وأعلنت عدة شركات بينها المجموعات الفرنسية "توتال وبيجو ورينو" إلى جانب الألمانيتين "سيمنز ودايملر" عن وقف أنشطتها في إيران بسبب العقوبات.
 
أما إغلاق المضيق فيهدد بتداعيات غير سلمية. إلى ذلك، لا يؤمن مراقبو شأن المنطقة بنزاع مباشر، فسبق أن لوحت إيران في السابق بإغلاق المعبر دون تنفيذ تهديداتها في ما قد يمثل خطوة خطيرة. لكن لهجة المسؤولين الإيرانيين تنذر بعزمهم القاطع على الرد وتبين هذا الموقف أيضا عبر تأكيد ترامب في يوليو/تموز استعداده للقاء مسؤولين إيرانيين دون شروط في حين ردت طهران بأنها لن تقبل بذلك شرط عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي.
 
فطهران تملك وسائل أخرى للتدخل في المنطقة ويذكر أن الحوثيين اليمنيين المؤيدين لإيران هاجموا ناقلة نفط سعودية في البحر الأحمر في أواخر يوليو/تموز. إثر ذلك أعلنت السعودية تعليق صادراتها النفطية عبر مضيق باب المندب الإستراتيجي الواقع بين اليمن وجيبوتي في منطقة متضررة من الحرب في اليمن. وإذا استهدف الحوثيون النفط السعودي بانتظام فسيكون لذلك تداعيات كبيرة على سوق النفط.
 
مها بن عبد العظيم