ما الذي يقف خلف السقوط المريب لعمالقة التكنولوجيا؟

تنهمك مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام العالمية في البحث عن أسباب الانحدار المريب لأسهم أكبر شركات التكنولوجيا العالمية، التي فقد معظمها خلال أسابيع قليلة ما يقارب ربع قيمتها، بعد أن كانت لسنوات طويلة ملاذات آمنة للمستثمرين.

تشير بعض التحليلات إلى أن التراجع الحاد لأسهم شركات التكنولوجيا الكبرى قد لا يكون مجرد عملية تصحيح للارتفاع الجامح المتواصل منذ سنوات ولا نتيجة بيانات مخيبة للآمال.

كما أنه يمكن أن يكون أبعد من أسباب القلق من مناوشات الرسوم التجارية التي أشعلها دونالد ترامب مع كثير من القوى الاقتصادية الكبرى وخاصة الصين، التي تجري فيها تصنيع ما يصل إلى 90 بالمئة من جميع الأجهزة الإلكترونية في العالم.

على مدى أسابيع قليلة فقدت القيمة السوقية لشركة أبل نحو 300 مليار دولار بعد أن تراجعت أسهمها بأكثر من 27 بالمئة عن ذروتها القصوى في بداية أكتوبر الماضي حين بلغت 1.1 تريليون دولار.

وكانت الشركة قد سجلت قفزات كبيرة منذ منتصف العام الحالي لتصبح في أغسطس أول شركة مدرجة في البورصة تتجاوز قيمتها السوقية حاجز تريليون دولار، لكن قيمتها بلغت أمس نحو 799 مليار دولار.

كما انحدرت قيمة أسهم شركات فيسبوك وأمازون ونتفليكس بنسبة تقارب 23 بالمئة خلال نفس الفترة، وتراجع سهم شركة ألفابيت، الشركة الأم لمحرك البحث العملاق غوغل بنسبة 18 بالمئة.

وامتدت الخسائر إلى معظم شركات التكنولوجيا الكبرى واتسعت آثارها لتصل إلى الشركات الموردة لمكونات تلك الشركات مثل الرقائق الإلكترونية. وكانت شركة مايكروسوفت استثناء نادرا حين قاومت تيار الخسائر الجماعية لتنتزع عرش أكبر الشركات المدرجة في العالم هذا الأسبوع بقيمة سوقية تجاوزت أمس حاجز 810 مليارات دولار.

ويبدو إفلات مايكروسوفت من موجة الخسائر مرتبطا بكون معظم عوائدها تأتي من مبيعات البرمجيات التي لم تتأثر بالعوامل السلبية الناجمة عن تهديدات الحواجز والرسوم الجمركية التي أثرت على الأجهزة الملموسة.

وتحاول بعض التقارير أن تربط ذلك بنطاق أوسع يشمل السقوط المدوي للعملات المشفرة حين فقدت أكبر تلك العملات البتكوين 70 بالمئة من قيمتها على مدى 12 شهرا وبلغت خسائر جميع العملات الأخرى أكثر من 90 بالمئة.

ويستطيع كثير من المحللين بسهولة تفسير انهيار العملات المشفرة، التي استند صعودها الصاروخي إلى حمى جماعية ولم يكن يستند إلى عوامل أساسية راسخة.

وقد تقهقرت تلك العملات فجأة حين أظهرت السلطات والمؤسسات المالية التقليدية مخالبها ولوحت بإمكانية عزلها عن النظام المالي من خلال إيقاف مؤسسات مالية أميركية وأوروبية لعمليات شرائها وبيعها عن طريق الحسابات المصرفية وبطاقات الائتمان.

لكن الخبراء والمحللين تتباين وتختلف آراؤهم في أسباب السقوط السريع لأسهم التكنولوجيا حين يدخلون في متاهة العوامل الآنية المحبطة في المناخ التجاري الدولي والتغييرات الجديدة في طبيعة اللوائح التنظيمية التي يمكن أن تنهي مرحلة ازدهار أسهم شركات التكنولوجيا.

ويبدو أن شركات التكنولوجيا الفتية نسبيا تنتظرها ظروف مختلفة، بعد أن استمتعت بفترة طويلة من سهولة الاقتراض بأسعار فائدة منخفضة وعالم منفتح بلا قيود على العولمة.

كما أن نموها السريع باغت العالم ولم تكن القواعد التنظيمية قادرة على رصد جميع عوائدها خاصة من الإعلانات والتطبيقات، لإخضاعها للضرائب لكونها عابرة للحدود وتستخدم مقرات في ملاذات ضريبية.

وتشير التقديرات والبيانات إلى أن شركات مثل غوغل وفيسبوك تحقق عوائد بمليارات الدولارات من خلال الإعلانات في بعض الدول لكنها لم تكن تدفع أي ضرائب تذكر بسبب وجود مقراتها في دول أخرى أو ملاذات ضريبية بعيدة عن تلك الأسواق.

ويبدو أن موجة التخلي عن أسهم شركات التكنولوجيا، الذي أدى إلى تلك الخسائر، تأخذ في الاعتبار انتباه الكثير من الدول لتلك الثغرات الضريبية وهي تحاول إغلاقها من خلال رصد الإيرادات التي تحققها تلك الشركات على أراضيها. وقد فرض الاتحاد الأوروبي العديد من الغرامات على الشركات بسبب تهربها من الضرائب أو حصولها على إعفاءات ضريبية تنتهك قواعد المنافسة العادلة وكان أبرزها مطالبة جمهورية إيرلندا باستعادة إعفاءات ضريبية قدمتها لشركة أبل بقيمة 14 مليار دولار.

وينهمك الاتحاد الأوروبي حاليا بوضع تشريعات لإجبار شركات التكنولوجيا على دفع نسبة عادلة من الضرائب في البلدان التي تحقق إيراداتها فيها بعد أن أصبح مفهوم السيادة الوطنية رائجا مرة أخرى.

وقال وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير قبل أيام إن فرنسا ستنفرد بفرض ضرائب على شركات التكنولوجيا العابرة للحدود إذا فشل الاتحاد الأوروبي في التوصل إلى اتفاق جماعي خلال وقت قريب.

كما ستتأثر شركات التكنولوجيا بالارتفاع المضطرد في تكاليف العمالة الآخذة في الارتفاع، إضافة إلى بدء تشديد السياسات المالية من قبل الكثير من المصارف المركزية.

ويشير كل ذلك إلى أن العصر الذهبي لشركات التكنولوجيا يقترب من نهايته بعد أن بدأت السلطات المحلية برصد إيراداتها التي كانت خفية لوقت طويل.