الشهيد أبو حورية مرعب الكهنوت الحوثي

الفارس الجمهوري النبيل، الشهيد حسين عبدالله أبو حورية، قصة بطل في ربيع العمر، قهر فلول الكهنوت.. عرفته العاصمة صنعاء في انتفاضة ديسمبر 2017م، يصول ويجول، وبعدها ظل جبهة مشتعلة، تحولت إعصاراً يقتلع الحوثة طوال عام من الساحل الغربي، إلى أن رفع راية الجمهورية خفاقة في قلب عروس البحر الأحمر في ديسمبر 2018م.

بعد استشهاد الزعيم علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية السابق رئيس المؤتمر، والأمين عارف الزوكا، ضاقت الأرض أمام البطل أبو حورية.. ياااااه، أيُّ نكبة حلّت باليمن.. مُصاب جلل أن يفقد الشعب اليمني الجمهورية والزعيم في آنٍ واحدٍ.. لكنه لم ينكسر، فاتخذ قراره التاريخي وودّع أولاده وغادر قرية شيعان في سنحان، مثل أي جندي حر لا يخون القسم، انطلق يدافع عن النظام الجمهوري، والحرية والديمقراطية وكرامة الشعب اليمني، رفض أن يعيش حياة الذل والخنوع، أو يشرعن العبودية لفلذات أكباد اليمن، فوهب روحه الطاهرة بقناعة تامة دفاعاً عن كرامة وعزة الشعب اليمني.

وكان يردد دائماً: (الموت أشرف لنا من أن نقبل بحياة الذل والعبودية.. كونوا على ثقة بأن شعبنا سينتصر على الحوثة بإذن الله).

امتلك إرادة قوية وإيماناً صادقاً بعدالة معركة ومظلومية شعبنا، وترجم هذه القناعات في المعارك التي خاضتها كتيبته بشراسة في المواجهات، والتي جعلت قيادات وأفراد عصابة الحوثي ترتعد خوفاً وذعراً بمجرد ذكر اسم البطل حسين أبو حورية.. فمنذ معركة الشبكة في منطقة البرح، أدركوا أنهم يواجهون أسداً من أسود المقاومة الوطنية لا قدرة لهم عليه، فيلوذون بالفرار، خوفاً من المواجهة معه، إلى درجة أن أحد الأسرى الحوثة اعترف بأن زملاءه في منطقة الجاح، كانوا يطلقون على أنفسهم الرصاص، لينجوا بجلودهم من أبو حورية وأبطال كتيبته..

دعو التاريخ يروي للأجيال سيرة بطل معارك الجاح والحديدة، الذي أذاق فيها الكهنة والعكفة مرارة الهزائم، ومرَّغ أنوفهم بالوحل.. لقد كانت الحرب عنده أشبه برحلة صيد أرانب.. نعم، تشعر أن الحرب فن عندما تسمع أبو حورية يروي قصص المعارك وبكاء واستغاثة الحوثة، ويكركر بالضحك بصوت جهوري.. لا يحب التحدث عن أدواره البطولية.. وإنما، وبإيثار القائد الانسان الكبير، يسرد بطولات أفراده.. ومنهم قصة البطل الهمداني، القادم من صبر، وكيف استطاع أن ينقذ حياة زملائه الذين كانوا يواجهون موتاً حتمياً، بعد أن وجدوا أنفسهم أمام حوثي انتحاري، فقفز الهمداني واحتضنه بقوة وشل حركته وألقى به أرضاً، ومنعه من أن يرمي قنبلته على زملائه، فانفجرت بصدر الحوثي وتمزق جسده إرباً وهو على ظهره، وأصيب الهمداني بجروح عدة.

أو قصص صاحب ذي السفال، الذي يعيش معه كظله، حتى في اختراق صفوف الحوثة. أو ذلك المولعي الذي شاهد وصول القات إلى عند الحوثة وأقسم بأنه سيكون من نصيبه.. أو عندما يروي بطولات ابن حجة الشاب البطل (عبدالله) أو ابن إب (لطف) الذي قال عنهما إنهما في المعركة يقاتلان وكل منهما بمقام كتيبة.

في يوم شديد الحرارة، بعد عيد الأضحى المبارك، التقيت البطل حسين أبو حورية بمنطقة الطور بين الجاح والفازة، بعد أن علِقت سيارتي وسط الرمال، وكلما أقبلت سيارة لتنتشلها ازدادت إطاراتها هبوطاً في الأرض، لم نستطع تحمل حرارة الشمس، وبينما كنت أبحث عن منقذ، فجأة ظهر البطل حسين أبو حورية يقود طقماً عسكرياً وعليه رجال لا مثيل لهم. فتح باب الطقم على الفور وصعدت جواره واتجهنا نحو سيارتي. جاء من تلقاء نفسه بعد أن سمع عبر الجهاز بما حدث لي وزملائي الإعلاميين.

كان كلما يعود من الجبهة في مهمة ما أو لزيارة جنوده الجرحى، يمر على إعلاميي المقاومة الوطنية، ولا يتناول أكله إلا معهم، وعندما تعرض لحادث سير، لم يمكث في عدن كثيراً، وعاد إلى الساحل وهو يتألم.. فسألته مستغرباً: مالك يافندم؟ ردّ عليَّ بابتسامة: "اسمعني فيه واحد بعلمك (مجبر) وشوف من يدي لنا بيض بلدي.. ابسر (عاطف) إذا معه معروف.. أو واحد مثل حق (ضبر خيره) يصلح العظام.. أمانة أن قد كنت أطفح بالمستشفى.. الجبهة علاج وحياة.. والله إن اهتمام أبو عفاش يجعلنا نرجع جري للمعركة.. وأنا خجلان منه، ولي فترة ما زرته..
المهم أقول لك: اليوم أبلغني قائد اللواء وأركان حرب بأن الفندم صرف لي طقم جديد"..

فقاطعه أحد الزملاء مازحاً: "طقم.. وذخيرة"..!!

ومعروف عن أبو حورية منذ معركة الشبكة بالبرح وأهم مطالبه هي صرف "الذخيرة للأولاد"، هكذا يعتبر أفراد كتيبته بمثابة أولاده.. نعم، ذخيرة، من أجل تحرير اليمن من عصابة الحوثي.

عرفنا الشهيد حسين أبو حورية قائداً محنكاً وبطلاً في وقت النزال، وكان -أيضاً- مثقفاً ووطنياً غيوراً وإنساناً متميزاً، وأباً يفيض بمشاعر حب جياشة تجاه جنوده، كما كان يفتخر بأولاده ويتابع تفاصيل ما يمارسونه في حياتهم وفي فصولهم الدراسية أيضاً، ويضحك بسعادة غامرة، رحمة الله تغشاه.

ما تزال ضحكته حاضرة في مسامعنا وهو يضفي جواً جميلاً ليخفف عن بعض الزملاء وجع الفراق.. سلب قلوب الجميع ببساطته وتواضعه ودماثة أخلاقه، وشهامته ووطنيته وحبه لليمن أرضاً وإنساناً وللجمهورية والحرية.

مع كل مقيل مع إعلاميي المقاومة كان بعد أداء الصلاة يقول: "هيا (يا أحمد) سمعنا قصيدة شعر عن (المملوح)".. فنضحك.. ونتبادل النكات.. وعندما يسمع الأخبار، كان لابد أن يعلق.. وإذا لم تعجبه أخبار المعركة يقول: "بكره لكم خبر سوا عن الحوثة الجبناء".

ستظل لحظات آخر لقاء لي مع الشهيد البطل حسين أبو حورية خالدة في حياتي.. نعم أتذكره بابتسامته الأخوية الصادقة وهو يسير بثقة عالية ويتلهف بشوق كبير لتنفيذ مهمته داخل مدينة الحديدة.. كانت فرحته لا توصف، رافع الهامة إلى السماء.. وهو يقول أبو عفاش قال: "عيشة بكرامة وإلا ندفن أنفسنا في باطن الأرض".. غداً تتحرر الحديدة من الكهنوت.

لم يخلف الوعد والعهد، فقد كان الشهيد أبو حورية وزميلاه الشهيد عبد الغني الشبلي والشهيد عبدالله الشيعاني من أوائل الأبطال الذين دخلوا مدينة الحديدة، وبفضل تضحياتهم، ومعهم كوكبة من أبطال المقاومة، أشرق فجر الانتصار لعهد جديد خالٍ من عصابة الحوثي الكهنوتية..

وفي خضم المعركة التي خاضها الشهيدان أبو حورية والشبلي بالقرب من مستشفى 22 مايو، والانتصار الكبير الذي حققه أبطال حراس الجمهورية، تعرضا لشظايا قذيفة فاستشهد على الفور الشبلي، بينما أصيب أبو حورية إصابة بالغة بقدميه، ومع ذلك حاول كقيل يمني أصيل أن يقف شامخاً. على الفور التف جنوده حوله.. هبّوا نحو الأب.. القائد.. البطل قاهر الكهنوت.
قال لهم: "مالكم مني.. مالكم مني..!!! تحركوا بعد الحوثي.. بعد الحوثي".

هذا هو الشاب البطل حسين أبو حورية، والذي لم
تهتز معنويته حتى بعد بتر قدمه الأخرى، وقال: "سأعود للمعركة ولن أرتاح إلا بعد خلاص شعبنا من عصابة الكهنوت الإجرامية".

وفي يوم 14 ديسمبر 2018م، حلقت روح البطل أبو حورية إلى السماء في أحد المستشفيات بالخارج.. وكانت معظم أجزاء مدينة الحديدة تتنفس عبير الحرية، كان وقع الخبر مؤلماً، على شعبنا وقيادة ومنتسبي المقاومة، لكننا نؤمن أن أبو حورية البطل قد علمنا دروساً كثيرة وكبيرة، وسيظل حياً كبطل وطني إلى أن يبعث الله الأرض ومن عليها.

وفي عصر يوم 15 ديسمبر، ووري جسده الطاهر الثرى في مقبرة شهداء حراس الجمهورية عليهم السلام.

فسلام عليك أيها البطل.. وسلام على كل شهداء المقاومة.. وعهداً بأننا على دربكم سائرون، حتى النصر أو الشهادة.