نشطاء إسبان يرفضون أن تتحول بلادهم إلى "واجهة" سياحية

أظهر مقطع فيديو نشر الاثنين على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة من النشطاء الذين ينتمون لليسار المتطرف وهم يخربون سيارات للإيجار في جزيرة "بالما دي مايوركا" الإسبانية. ليدرج هذا الاعتداء المصور ضمن قائمة الاعتداءات المتكررة على السياح في إسبانيا.

هل تعاني إسبانيا من ضغط كبير في عدد السياح؟ فتحت الشرطة الإسبانية الثلاثاء تحقيقا بشأن الاعتداء على سيارات للإيجار في مدينة "بالما دي مايوركا" السياحية. وقالت الشرطة إن الاعتداء ارتكب من قبل حركة مناهضة للوجود الكثيف للسياح في البلاد، تعرف باسم "آران".

وفي مقطع فيديو نشر الاثنين على مواقع التواصل الاجتماعي، قامت مجموعة من النشطاء الملثمين التابعين لحركة "آران" الانفصالية في كاتالونيا بتصوير أنفسهم وهو يقومون بأعمال تخريب سيارات للإيجار خاصة بسياح.

وفي تغريدة تحتوي على مقطع فيديو قصير، تشرح هذه المجموعة أن "مايوركا" لديها: "أكثر من 100 ألف سيارة أجرة سياحية، وتندد الحركة بـ"التلوث" و"تحول المدينة إلى معرض سياحي".

ورد الرئيس اليميني السابق وعضو مجلس الشيوخ بجزر البليار، خوسيه رامون بوزاعلى الفيديو بتغريدة قائلا "شكرا جزيلا للسياح الذين يستخدمون سيارات الإيجار لزيارة الجنة التي نعيش فيها، لتنشيط اقتصادنا".

"السياحة تقتل المدينة"

وفي العاصمة الكاتالونية، وقع الشهر الماضي أمر مشابه إذ علق نشطاء ملصقا بعنوان "السياحة تقتل المدينة "على مبنى كازاميلا الشهير.

وفي يوليو/تموز للعام 2017، قام أعضاء في الحركة نفسها بإجبار حافلة سياحية على التوقف ثم قاموا بتخريبها، وفي خضم موجة من أعمال الشغب قام البعض بإحداث ثقوب في إطارات دراجات أجرة، بينما ألقى البعض الآخر على المصطافين الجالسين على المقاهي أوراق الحلوى الملونة.

"فوبيا السياحة"

وتعتبر إسبانيا ثاني أكبر وجهة سياحية في العالم، إذ استقبلت العام الماضي، نحو 82,6 مليون زائر، وليسجل قطاع السياحة في البلاد رقما قياسيا جديدا تشيد به الحكومة. وكلما تدفق السياح على الوجهات السياحية في إقليم كاتالونيا كلما أجج ذلك المحتجين المناهضين للسياح في البلاد، فيما يعرف إعلاميا في إسبانيا، وبالتحديد في برشلونة وبالما، باسم "توريسموفوبيا" أو "فوبيا السياحة".

للمزيد: مراسلون - السياحة الجنسية في المغرب

وصرحت جوسيت سسيك، صحافية ومراقبة اجتماعية في مجال السياحة لفرانس24: "هذه الظاهرة ليست بالأمر الجديد، لكنها اكتسبت زخما واضحا: فقد كان هناك 600 مليون سائح في العالم عام 1960، مقابل 1,4 مليار سائح اليوم".

ارتفاع كبير في عدد الرحلات الجوية منخفضة التكلفة

وللسياحة وجه آخر غير ذلك الإيجابي الذي تناوله في تغريدته السياسي الإسباني، خوسيه رامون بوزا،من ازدهار الاقتصاد، فعلى سبيل المثال الارتفاع الملحوظ في أسعار بعض الرحلات المعروفة بأنها منخفضة التكلفة، إلى جانب "ارتفاع الأسعار، وانخفاض جودة الخدمات، فهي ظاهرة كلاسيكية، ترونها في إسبانيا، في مونمارتر ومرسيليا"، أردفت جوسيت.

كما يرى النشطاء التابعون للحركة أن ارتفاع الأسعار على منصات الإيجارات العالمية مثل "آر بي إن بي" تهدد هوية فنادق المدينة الأصلية، بالإضافة إلى التهديدات البيئية التي تمثلها السياحة الجماعية. أما في قطاع العمل والتوظيف، فعلى الرغم من أن السياحة تمثل "المحرك الأساسي" للاقتصاد الإسباني، إلا أن البلاد لديها رقم قياسي فيما يعرف باسم عقود العمل الموسمية، التي وصلت إلى 4,4 مليون شخص، أو 26,4 ٪ من الموظفين، وفقا للمعهد الوطني للإحصائيات (INE).

"عدم الخلط بين رهاب الأجانب وكراهية السياحة"

وهنا تجدر الإشارة إلى أن السكان المحليين لا يكرهون الأجانب ولكنهم ينبذون ما يترتب على تدفق السياح على بلادهم من أثار سلبية، "لا علاقة لرهاب الأجانب بكراهية السياحة، الأناس فقط متضررون من عدم قدرتهم على الخروج من منازلهم، إذ يتعين عليهم دفع المزيد"، أضافت جوسيت سيكسيك.

ويخشى السكان المحليون من مغادرة منازلهم بسبب تدفق السياح على أحيائهم، فعلى وجه التحديد، يمكن لملاك العقارات طرد المستأجرين من السكان المحلين لتأجير شققهم للأجانب التابعين لمنصة "آر بي إن بي"، لأن التأجير للأجانب من شأنه أن يجلب لهم المزيد من النقود.

وتم بالفعل اتخاذ تدابير من شأنها أن تهدئ من العلاقات بين السكان والسياح. فقد أكد عمدة برشلونة التي انتخبت في عام 2015، أدا كولاو، أن مدينتها لن تصبح متجرا لبيع الهدايا التذكارية الرخيصة.

للمزيد: منازل سياحية مذهلة في منطقة "ميدي بيرينيه" جنوب فرنسا

وبالفعل، قامت كولاو بمنع تراخيص إنشاء فنادق وشقق جديدة للسياح. بالإضافة إلى أن العاصمة الإسبانية، مدريد، اعتمدت في مارس/آذار الماضي قانونا جديدا لتقييد التأجير المؤقت، ولكن المراقبة الاجتماعية في مجال السياحة جوسيت سسيك، ترى أنه لا جدوى من هذه التدابير دون الأخذ بعين الاعتبار "كثافة الرحلات الجوية".

على سبيل المثال، صرحت السفارة الفرنسية في إسبانيا أن هناك ما يقرب من 17000 مقعد متاح يوميا على رحلات جوية تربط بين فرنسا وجارتها الإسبانية، ولذلك اختتمت جوسيت سسيك حديثها بأنه " إذا لم يتم الحد من هذه الرحلات فلن نستطع أبدا أن نقتلع السياحة الجماعية من جذورها".