الـ 24 من أغسطس.. ذكرى وطن!

في ذكرى التأسيس لوطن كانت ضرورة قصوى أن يستجيب القدر لإرادة شعبنا الباحث عن الاستقرار، بعد عقود من الصراع على السلطة، صراع دامٍ استمر لعقود أمدته النظريات المستوردة بوقود لا ينضب، وبنار لا تُخمد. في أتون ذلك الصراع سكب اليمنيون دماء غالية من عموم الشعب ومن طبقة الحكم. كانت أياماً عصيبة على الوطن، فالظن هو الغالب والمستقبل تحفُّهُ الشكوك.
 
والأخوة في الخنادق، واللغة هي الرصاص، والبشرى كانت موتاً واقتحاماً، والأفراح كانت مواكب تشييع. بعد مخاضات صعبة وحوارات مطولة وصريحة، استجاب القدر وخضع لعزيمة الوطن ورجاله في النهوض من تحت الركام ولتعود الحكمة بدل الرصاصة، والأخوة بدل العداوة، هي السبيل لحياة الجميع.
 
أشرقت شمس ذلك اليوم على رجال عقدوا العزم على القفز فوق الخنادق والأحزان، ومدوا أيديهم لبعضهم وللجميع، لم يترك أحد موقفه ولا معتقده، ولكنهم ارتقوا بأخلاقهم إلى جعل الخلاف بعيداً عن أرواح شعبهم وأرزاقهم وسكينة عيشهم.
 
كان صبح ال24 من أغسطس نقطة عطف في تاريخنا الحديث، تجاوزت فيه بلادنا مستنقعات التبعية والاستيراد والتفرد والإلغاء لتصل إلى بر الأمان عبر الحوار والتنافس وتقديم المصلحة الوطنية. هكذا ولد المؤتمر الشعبي العام كإطار سياسي عام لكل القوى الفاعلة، لينقل كل الاختلافات بعيداً عن الأرواح والاقتتال إلى فضاء الحوار والسياسة. كانت تلك هي الوصفة الشافية للحالة الوطنية وأثمرت استقراراً بقي لعقود، حتى عادت عواصف المستوردين في ربيع وشتاء لتفتك بالوطن، وما كانت لتنجح لولا استهدافها للمؤتمر مسبقاً لعلمها أنه الحزب الوطني الذي يتسع لكل اليمنيين كما هم، بدون طائفية أو مناطقية أو أيديولوجية أو سلالية أو عرقية، يكفي أن تكون يمنياً لتكون مؤتمرياً. وما إن ضعف المؤتمر حتى انهار الوطن وبرزت الصراعات وعدنا لسنوات سبقت ولادة المؤتمر في كثير من تقسيماتها وصراعاتها.
 
المؤتمر في جوهره، بالإضافة إلى كونه روح اليمن وهويته السويّه، هو إطار للسلطة وعقد شريف بين النبلاء بحصر الصراع داخل الأروقة المحكومة بالقانون وسيادته، والدستور وشرعيته، وبالمؤسسات بدلاً عن المليشيات.
 
ولا يمكن لأي منصف إلا أن يعترف بأن المؤتمر أثمر للوطن الكثير، فالأمن والسيادة والوحدة والتنمية ليست بالمكتسبات الهينة في بلد انفجر كمخزن بارود بمجرد ضعف سلطته المركزية.
 
كما أن المراقب لا يسعه إلا أن يقر بأن العلاقة بين استقرار البلاد واستعادة المؤتمر دوره المحوري هي علاقة لازم وملزوم، ولن تنقصه حقائق الاستدلال على ذلك، فالوضع القائم ماثل للعيان، فالسيادة التي حافظ عليها المؤتمر سلماً وحرباً أصبحت بنداً سابعاً، والوحدة الوطنية أصبحت احتلالاً، والعمالة أصبحت وجهة نظر فقهية، والسياسة المعبرة بشجاعة عن موقف الشعب باستقلالية تجاه قضايا أمته أضحت تبعية وإلحاقاً بمحاور، وحسن الجوار التي بناها المؤتمر في أطر التعامل الأخوي البناء والتشارك تبدلت تحالفاً ومعسكرات وقصفاً، وأما البعد القومي الرافد للعرب عزةً وتفاخراً أضحى عبئاً لاجئاً أو سلة غذاء. وأما المجتمع الدولي فلم يعد اليمن سوى إحاطات وقلق عن أكبر أزمة على الأرض.
 
أيها المؤتمرين والمؤتمريات في عموم ربوع الوطن وخارجه، يسرني أن أتقدم إليكم بالتبريك بهذه الذكرى المجيدة، ذكرى الوطن الذي لن يعود سعيداً إلا بتكاتف الجميع وتبني روح المؤتمر الجامعة والقابلة بالآخر والمعترفة بالشراكة دون إقصاء أو تخوين أو تنابز بالألقاب وتوزيع صكوك الجنة والنار. وهي مناسبة لدعوة كل أعضاء المؤتمر الشعبي، على اختلاف مستوياتهم التنظيمية، إلى العمل الجاد على الالتزام التنظيمي وتواصل ذات البين، وإقامة الفعاليات ذات الطابع الوطني وتعمد إبراز مواقفكم حيال قضايا الوطن وخصوصاً في ظل الوضع المتردي المهدد للوحدة ولبقاء الوطن وقيمه الخالدة من ثورة وجمهورية وحرية وتعددية ووحدة ومواطنة متساوية.
 
لا ننسى قادتنا المؤسسين لهذا الصرح الوطني العظيم، والذين قدموا أرواحهم بكبرياء منقطع النظير وبوفاء أصبح مضرباً للأمثال.
 
فالرحمة للشهيدين الزعيم الصالح والأمين العارف، ولكل القادة المؤسسين الذين قضوا نحبهم.. والمجد لشعبنا اليمني الأعظم.
 
*المستشار السياسي للمؤتمر الشعبي العام عضو اللجنة الدائمة رئيس ملتقى الوئام الوطني