وجهت إيران أموالها لاحتواء الغضب في لبنان والعراق فاندلعت انتفاضة عارمة في عقر دارها

سادت احتجاجات واسعة النطاق إيران لليوم الثالث على التوالي، على إثر قرار الحكومة زيادة أسعار البنزين بنسبة 50%، ضمن برنامجٍ لتقنين عملية توزيع الوقود شرعت في تنفيذه بدايةً من 15 نوفمبر/تشرين الثاني.
 
عمد المتظاهرون المشتعلون غضباً على الارتفاع الكبير في الأسعار إلى إحراق أكثر من 100 بنك في جميع أنحاء البلاد، وإغلاق الطرق السريعة، والاحتشاد في "البازار/السوق الكبير" الذي يعد مركزاً ثقافياً رئيساً في طهران. وكان رد الحكومة حتى الآن هو إغلاق شبكة الإنترنت في البلاد، وإطلاق حملات قمع عنيفة ضد المحتجين.
 
تقرير لموقع "ستراتفور" الأمريكي يشير إلى أنه بالرغم من أن هذه الاحتجاجات تعد الأكبر والأكثر انتشاراً منذ إعلان الولايات المتحدة انسحابها من الصفقة النووية مع إيران وشروعها في حملةٍ من العقوبات الاقتصادية ضد البلاد، فإنه من المستبعد أن تهدد الجولة الحالية من المظاهرات استمرار الحكومة الإيرانية. لكن التداعيات النهائية التي ستسفر عنها الاحتجاجات، ورد فعل الحكومة قد تثبت أهمية وأثراً كبيرين فيما يتعلق باستراتيجية إيران المتبعة في مرحلة ما بعد العقوبات.
 
إيران مضطرة هذه المرة لزيادة أسعار الوقود
 
يبرز قرار الحكومة زيادة أسعار الوقود حجم الضغوط التي فرضتها العقوبات المشددة للولايات المتحدة على الاقتصاد الإيراني. كانت المساعي الإيرانية لاحتواء الاحتجاجات واسعة النطاق التي اشتعلت في لبنان والعراق من خلال حلفائها ونفوذها السياسي قد أخذت تستنفد بالفعل مواردها، ولا شك أن طهران توقعت أن إطلاق أول زيادة في أسعار الوقود منذ عام 2015، ينطوي على إمكانية كبيرة لإثارة الاحتجاجات في البلاد.
 
وفي النهاية، فإن الحكومة الإيرانية عندما شرعت في أول خطة لتقنين توزيع الوقود في عام 2007، تبعها مباشرة أعمال شغب. وأثار اقتراح يتضمن رفع أسعار الوقود في عام 2017 معارضةً حالت دون تنفيذه. لذا، وبالنظر إلى أن إيران كانت منشغلة بالفعل في التعامل مع حركات احتجاج إقليمية والمقاومة السابقة القوية لارتفاع أسعار الوقود، فإن كل ذلك يشي بأنها لم تكن لتقدم على هذا الرفع لأسعار الوقود ما لم يكن الأمر ضرورةً مطلقة.
 
ما الذي ينتظر الاحتجاجات خلال الفترة المقبلة؟
 
لا تعد الاحتجاجات أمراً غير شائع في إيران، فضلاً عن نوبات كبيرة من الاضطرابات بين الحين والآخر، مثل الاحتجاجات الاقتصادية في 2017-2018 واحتجاجات "التحرك الأخضر الإيراني" في عام 2009، وهي احتجاجات استمرت لأسابيع. وبالنظر إلى المعنى الأوسع للقلق الاقتصادي العميق المهيمن حالياً على إيران، فإن احتجاجات الوقود يمكن أن تتطور لتصبح حلقة ذات أهمية قابلة للمقارنة تاريخياً. ولما كان لإيران تاريخ طويل مع الاحتجاجات، فإن الحكومة ما انفكت تطور أدوات لاحتواء الانتفاضات، وذلك باستخدام مزيج من قمع قوات الأمن للمحتجين والسيطرة على المعلومات.
 
كل هذا يجعل من غير المرجح أن تتصاعد الاحتجاجات على رفع أسعار الوقود إلى حدِّ إحداث انقلاب في البيئة السياسية الإيرانية أو إثارة استقالات من الحكومة، وهو هدف صريح لاستراتيجية العقوبات الأمريكية. ومع ذلك، فإن آثار الانتفاضة الحالية يمكن أن تفضي إلى لحظة حاسمة فيما يتعلق بالتفكير الاستراتيجي الإيراني، مثل "أزمة ارتفاع أسعار الدجاج" في عام 2012، وما أعقبها من انخفاض في قيمة الريال الناجم عن جولة من العقوبات في عام 2012، دفعت إيران للعودة إلى المفاوضات مع الولايات المتحدة بعد ذلك بوقت قصير.
 
العقوبات فرضت وضعاً لا تستطيع تحمله
 
تُبين احتجاجات الوقود، إلى جانب الظروف الاقتصادية السيئة عموماً في إيران، أن استراتيجية عقوبات الضغط القصوى التي فرضتها الولايات المتحدة، أخذت تفرض على إيران وضعاً لا تستطيع تحمله على المدى الطويل. ومن ثم ستستمر في سياسة جس النبض فيما يتعلق بالمفاوضات مع الغرب، وستقبل إعادة الدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة مقابل إنقاذ اقتصادها. لكنها تريد أن تكون قادرة على فعل ذلك وفقاً لشروطها، وعندما تكون في موضع نفوذ يسمح لها بالتأثير في مسار التفاوض. وعلى هذا الأساس لن تفعل ذلك في الوقت الذي لا يزال الرئيس دونالد ترامب يشغل المنصب في البيت الأبيض، على أمل أن يأتي خليفة له أكثر مرونة وأفضل استجابة في محادثات مستقبلية.
 
في غضون ذلك، ستستمر إيران في اتخاذ قرارات، مهما افتقرت إلى الشعبية، للحفاظ على اقتصادها متماسكاً، وستواصل قمع الاحتجاجات المعارضة لإجراءات التقشف. كذلك ستعمد إيران إلى استخدام التعزيز التدريجي لبرنامجها النووي كقوة ضغط في المحادثات المستقبلية، وزيادة التكلفة على الولايات المتحدة إذا لم يمنحها البيت الأبيض بعض إعفاء من الضغوط الاقتصادية على المدى القصير.
 
يمكن لإيران أيضاً أن تتخذ قراراً باستئناف هجماتها التي تستهدف صادرات النفط وغيرها من الأهداف الإقليمية، خاصةً إذا حقق المرشحون البرلمانيون المتشددون نتائج جيدة في الانتخابات. وفي كل الأحوال، ستستمر إيران في بذل كل ما في وسعها للحفاظ على تماسك اقتصادها، منتظرةً لمعرفة ما إذا كان ترامب سيواصل البقاء في منصبه بعد الانتخابات الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.