الإيجارات في اليمن.. كابوس يقض مضاجع المستأجرين

في اليمن، البلد الذي يشهد حرباً للعام السادس على التوالي، شهد موجة نزوح واسعة من مناطق الحرب إلى المحافظات مثل صنعاء وإب وعدن وحضرموت، إلا أن ارتفاع عدد النازحين تسبب بارتفاع إيجارات المساكن إلى الضعف، فضلا عن أن بعض مالكي العقارات أصبحوا يشترطون أن يكون الدفع بالدولار الأمريكي.

وتحولت الإيجارات إلى كابوس يقض مضاجع المستأجرين بعد أن اضطر ما يقدر بنحو 16 بالمئة من السكان، أي حوالي 5 ملايين شخص، إلى مغادرة منازلهم، وفق تقديرات الأمم المتحدة، في الوقت الذي يعيش قرابة 74 بالمئة من الأسر النازحة في مساكن مؤجرة بينما البقية تقاسموا الخيام وبيوت القش وآخرين في العراء.

ارتفعت إيجارات المساكن إلى الضعف وبعضها إلى ثلاثة أمثال ما كانت عليه، حيث تراوح في المساكن المتوسطة ما بين (60 - 90) ألف ريال شهريا، ما يقارب (120) دولارا أمريكيا، فيما تراوح أسعار إيجارات المتوسطة ما بين (40 - 50) ألفا، ما يعادل (70) دولارا امريكيا.

كذلك ارتفاع الطلب على العقارات من قِبل تجار السوق السوداء سواء في المشتقات النفطية أو المواد الغذائية التي يكدسها غالبية التجَّار في المخازن زاعمين انعدامها وهو ما يرفع قيمتها ليتم بيعها لتجار السوق بأسعار خيالية، وغير ذلك، وكله يحظى بحماية من قبل قيادات لدى الحوثيين الذين سرعان ما تحولوا إلى شركاء وتجار في ذات الوقت، وأصبحوا يتحكمون بأقوات المواطنين متخذين من "الحرب" غطاءً لأعمالهم وممارساتهم.

خزانة الدولة

مصادر مطلعة كشفت لوكالة "خبر"، أن قيادات كبيرة لدى مليشيا الحوثي هي من أصبحت تتحكم بالسوق، حيث أنشأت شركات صرافة واستيراد مشتقات نفطية ومواد غذائية ودوائية ومواد بناء وغيرها، ودخلت في استثمارات أخرى مثل المستشفيات والجامعات والمدارس الأهلية والمراكز التجارية... وغيرها.

وبحسب مصادر وكالة "خبر" الاقتصادية، تسبب ذلك باشتعال السوق العقارية، وارتفاع أسعارها بنحو 300 بالمئة، فضلاً عن تلاعبها بالعملة المحلية ومصادرتها لمئات ملايين الريالات من الطبعة الجديدة، ما تسبب بانهيار مشاريع استثمارية وشركات وغرقها في الافلاس، فيما استثمارات قيادات الحوثيين تنمو يوما بعد آخر بصفقات مهولة تبرمها لذاتها من خزانة الدولة، على حساب الشعب اليمني.

وتضيف المصادر، "كما ربطت مليشيا الحوثي كافة العقود الحكومية الشرائية والاستيرادية عبرها، حيث تركت بعض أبواب بنود اللوائح الداخلية للوزارات مفتوحا، لتتمكن من استنزاف العام، واكتفت بإغلاق بنود الأجور والحوافز والمكافآت على بقية الموظفين".

وتوضح المصادر، أن "صفقات تزويد المرافق الحكومية بالوقود بواسطة شركات حوثية، تستنزف المليارات بمفردها، فضلا عن ذلك بقية الجوانب".

وهذا تسبب بانهيار القطاع الخاص وتسريح الموظفين، أمام القطاع الاقتصادي السلالي الموازي له، وأصبح آلاف اليمنيين لا يستطيعون دفع إيجار المساكن.

ترف وفقر

يقول محمد صالح، إن توقُّف الرواتب للعام الخامس على التوالي وتقليص الوظائف في القطاعين الحكومي والخاص، وانحسار الدخول وتفشي البطالة أوجد شريحة جديدة فائقة الترف، وأخرى تحت خط الفقر، وبذلك ارتفع طلب الأولى على شراء العقارات والبسط على أراضي الدولة وغيرها، وهو ما زاد من قيمة الشراء.

سمير.. معلم، ترك مسكنه في شارع خولان بالعاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وانتقل إلى ضواحي منطقة حزيز جنوبي المدينة، حيث يقطن شقيقه ليتقاسم السكن معه، قال لـ"خبر" إنه "مع ارتفاع إيجارات المساكن اضطر المئات إلى مغادرتها وأصبح في الغالب كل شقيقين يتقاسمان سكنا واحدا وإيجارا واحدا"، مضيفا "لا توجد مرتبات حكومية، ولا تتوافر وظائف خاصة تغطي الاحتياج، ومن الصعب أن تدفع إيجار 50 ألفا بدون وظيفة".

وأمّا "سالم" -وهو أب لأربعة أطفال وبنات- فيقطن مع زوجته في "دكان مساحته (3 * 5) أمتار، وحمام داخلي" في منطقة مذبح شمالي صنعاء -حسب قوله- جعل منه "مطبخا وغرفة نوم"، حد تقاسم جميعهم فراش النوم والاغطية للنقص فيها، خصوصا في منطقة باردة مثل صنعاء.

وعن مصدر دخل "سالم"، قال بمرارة، "أنا رجل عايش على باب الله، عامل بناء بالأجر اليومي، أسبوع أحصل على عمل وآخر أظل على الرصيف واقفا بجانب أدوات عملي، كل ما ادخره لا يغطي قيمة الأكل والشرب، وأما الملبس والدواء...".

توقف عن الحديث واطلق تنهيده، ثم أردف: "نحن عمَّال الأجر اليومي لا أقول لك بأننا كنا نعيش حياة ترف ونعيم والآن تشردنا بسبب الحرب، ولكن كنَّا مستوري الحال، ولله الحمد، كانت الدبة الغاز بـ1200 واليوم بـ6000 وكان الكيس الدقيق بـ4500 واليوم يقارب 15000 كل شيء ارتفع بجنون".

ومع استمرار اشتعال السوق العقارية، وعدم استقرار الريال اليمني أمام الدولار الأمريكي الذي ارتفع منذ أزمة 2011 وحتى اللحظة ما يزيد عن 300 بالمئة، فيما تقدر نسبة الزيادة منذ العام 2015م ما يزيد عن 200 بالمئة، أصبح المستأجر غير قادر على دفع إيجار مسكنه العادي، فضلا عن مشقة بقية متطلبات الحياة التي زاد من تفاقها تفشي جائحة كورونا.

ولعل أيضاً عمليات البسط على الأراضي والأملاك الحكومية والخاصة، التي شهدتها معظم محافظات البلاد، أسهم إلى حد كبير في ارتفاع أسعار العقارات، حيث شهدت محافظات صنعاء وعدن وإب وحضرموت ومأرب قفزة عمرانية مهولة، معظمها يخلو من الطرق القانونية.

ولم تقم أي من الجهات الحكومية الشرعية، وكذلك مليشيا الحوثي، في مناطق سيطرتهما بوضع حد لما يمارسه مالكو العقارات ضد المستأجرين بالرغم من كثر شكاوى المستأجرين.