منظمة دولية تكشف تفاصيل دخول الأسلحة الإيرانية للحوثيين ومصادر تمويلها

حذرت منظمة دولية لمراقبة الجريمة المنظمة، من أن الأسلحة والذخائر الإيرانية المقدمة للمتمردين الحوثيين في اليمن تشق طريقها أيضا إلى السوق السوداء في شرق إفريقيا.

وقالت منظمة "المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود" في تقرير مطول، إنها حصلت على أدلة موثوقة لا تشير فقط إلى أن إيران تقدم الأسلحة للمتمردين الحوثيين، ولكن تقوم شبكات إجرامية بتهريب هذه الأسلحة باتجاه القرن الإفريقي وخاصة الصومال.

وأجرى باحثون في المنظمة، متنكرون بأنهم مشترون محتملون، اتصالات مع تاجر أسلحة صومالي مقيم في العاصمة اليمنية صنعاء، والذي شرح على مدى بضعة أسابيع تفاصيل عمليته.

وقدم المصدر قائمة أسعار شملت بنادق هجومية من طراز AK، وبنادق آلية خفيفة، وقذائف صاروخية وذخيرة متنوعة.

وتتبع الباحثون في التحقيق عن سلسلة أرقام الأسلحة التي حصلوا على صورها وتباع في أسواق اليمن.

بمراجعة صور مخزون التاجر، أكد التقرير أن الأسلحة تشترك في الخصائص مع تلك التي قدمتها إيران إلى مليشيا الحوثيين.

ويقول التقرير إن ذلك يشير إلى "وجود شبكات تهريب أسلحة غير مشروعة ترى أن الأسلحة الإيرانية الموجهة لليمن تنتهي في الصومال وربما خارجها".

علاوة على ذلك، أشارت المنظمة إلى أن الاكتشاف يشير في الواقع إلى اتجاه طويل الأمد في تهريب الأسلحة في المنطقة.

ويخضع الصومال لحظر أسلحة تفرضه الأمم المتحدة منذ عام 1992، وينظر تجار الأسلحة الصوماليون منذ فترة طويلة إلى اليمن كمصدر للأعمال التجارية بسبب توافر الأسلحة على نطاق واسع في الدولة العربية.

وفي 24 يونيو 2020، استولت قوات التحالف العربي على مركب شراعي يحمل أسلحة إيرانية للحوثيين في اليمن، شملت الشحنة المضبوطة ما يقرب من 1300 بندقية هجومية، فضلاً عن قناصات وقاذفات صواريخ وقاذفات صواريخ موجهة مضادة للدبابات. وكانت عملية الاستيلاء في يونيو هي الأحدث ضمن عدد من عمليات الاعتراض البحري المماثلة التي تعود إلى أواخر عام 2015.

وبحسب التقرير، توفر مثل هذه المضبوطات أدلة دامغة على النقل غير المشروع للأسلحة من إيران إلى اليمن، ومع ذلك، ظهرت أدلة تشير إلى أن بعض هذه الأسلحة الإيرانية قد يتم تهريبها لاحقاً من قبل شبكات إجرامية إلى القرن الإفريقي من اليمن (أو ربما يتم تحويل مسارها أثناء توجهها إلى اليمن).

وفي أواخر يونيو 2020، اتصل باحثون المنظمة بتاجر أسلحة مقره في صنعاء، وانتحل أحد الباحثين شخصية مواطن صومالي يتحدث العربية ويعيش في نيروبي واسمه المستعار "جاما"، أخبر جاما تاجر الأسلحة أنه كان يحاول التوسط في صفقة أسلحة نيابة عن عميل وهمي من جنوب السودان.

بين 27 يونيو و5 يوليو، تبادل تاجر الأسلحة وجاما عشرات الرسائل الصوتية المسجلة على منصة واتساب، خلالها شارك التاجر معلومات مفصلة حول عمليته، بما في ذلك مخزونه الحالي من الأسلحة وشركاؤه والوسائل المفضلة لتلقي التحويلات المالية، كما قدم عدة صور لأسلحة محتجزة في مخزنه في صنعاء، بما في ذلك صورة تظهر الرقم التسلسلي والعلامات ذات الصلة لبندقية صينية من النوع 56-1 صنعت مؤخراً.

وبناءً على هذا الرقم التسلسلي، أكدت المنظمة لاحقاً أن البندقية تشترك في الخصائص مع الأسلحة التي قدمتها إيران إلى جماعة الحوثيين. كما تم توثيق بندقية من النوع 56-1 مع رقم تسلسلي مشابه للغاية لأخرى في وسط الصومال في أبريل 2019.

يشير التقرير، أن بونتلاند، وهي منطقة تتمتع بحكم شبه ذاتي تضم معظم الركن الشمالي الشرقي من الصومال، تعتبر نقطة الدخول الرئيسة للأسلحة غير المشروعة إلى البلاد، وتكون واردات الأسلحة غير المشروعة إلى بونتلاند عادةً من أسلحة خفيفة مثل المسدسات وبنادق من طراز AK وقاذفات القنابل الصاروخية والمدافع الرشاشة من الطراز السوفييتي، إلى جانب الذخيرة الخاصة بكل منها.

وغالباً ما يتخذ تهريب الأسلحة إلى بونتلاند أحد شكلين، تتمثل الطريقة الأولى والأكثر شيوعاً في نقل الشحنات على نطاق صغير بواسطة زورق سريع عبر خليج عدن من الساحل اليمني.

أما الطريقة الثانية فهي أكثر تعقيداً، وتعتمد على استخدام وسائل وسيطة لتنفيذ وصول الأسلحة بين إيران واليمن، حيث تنقل المراكب الشراعية التي تبحر في المحيط شحنات أسلحة أكبر -غالباً بما في ذلك صواريخ أرض جو وأسلحة متطورة أخرى- من ساحل إيران في مكران.

وقد أسفرت مصادرة العديد من المراكب الشراعية الإيرانية من قبل القوات البحرية الدولية منذ أواخر عام 2015 عن أدلة تشير إلى أنه قد يكون من الشائع نقل الأسلحة الخفيفة والذخيرة إلى الصومال من قبل شبكات إجرامية تستخدم سفناً أصغر قبل وصول المراكب الشراعية إلى اليمن.

خلال إجراء بحث لدراسة قادمة حول تجارة الأسلحة بين اليمن والصومال، عثر الباحثون على معلومات اتصال تاجر أسلحة مقيم في صنعاء، وباستخدام الهوية الوهمية "جاما"، اتصل الباحثون في أواخر يونيو بالتاجر بهدف فهم أفضل لأساليب تجارة الأسلحة بين اليمن والصومال. وبعد مقدمات مفصلة، انتقل التاجر مباشرة إلى العمل، بدأ في إطلاع جاما بأنواع الأسلحة التي بحوزته وطلب من جاما تقديم تفاصيل عن متطلبات عميل جاما (الوهمي) من جنوب السودان.

بناءً على ذلك، أرسل جاما للتاجر قائمة بالأسلحة الصغيرة والذخيرة التي يفترض أن موكله في جنوب السودان طلبها. تم فحص الشحنة المطلوبة -التي تزيد قيمتها عن 5 ملايين دولار- لاختبار ما إذا كان تاجر أسلحة يمني قادراً على توسيع نطاق عمليته لتلبية الطلب الأعلى من المعتاد، في غضون يومين، رد التاجر بقائمة أسعار مختلف البنادق الهجومية والرشاشات الخفيفة والقذائف الصاروخية والذخيرة الخفيفة.

ورد التاجر قائلاً "مرحباً شيخ جاما، أسلحة من النوع الإيطالي أو الإسرائيلي، لدي كل ذلك.. بما أنك تواصلت معي، فهذا يعني أنه يمكنك الوثوق بي، نثق بالله ونعمل معاً، اكتب لي ما هو مطلوب، الأنواع والكميات في قائمة وسأوافيك بالأسعار في غضون يومين، لذلك إذا كنت تثق بي كشخص وتتعامل معي، أخبرني فقط الأنواع المختلفة التي تريدها".

تاجر الأسلحة المقيم في صنعاء أخبر جاما أنه لا يملك شخصياً القدرة على تنفيذ الأمر، وسيتعين عليه الحصول على الأسلحة من تجار أسلحة مختلفين موجودين في عموم اليمن، وجاء في المحادثة: "انظر، كميات المعدات غير متوفرة، لكن يمكننا جمعها. لذا، إذا كنت جادا، ولديك الأسعار، جهز نفسك، وأرسل لي عربون غدا بعد الظهر.. سأرسل لك اسم المستلم وسأخبرك بخصوص الحوالة التي سنستخدمها في الإرسال، حتى نبدأ بالذهاب إلى المحافظات والمناطق والجمع من التجار، مع إعطاء كل منهم بعض الإيداع المالي، حتى نحصل على جميع الكميات، اتصل بي وسأخبرك الى أين سيتم تحويل الأموال...".

كما عرض تاجر الأسلحة المقيم في صنعاء لجاما عدة صور فوتوغرافية لمخزونه المتاح، بما في ذلك صور من مخزنه لعدة بنادق من طراز AK ذات خصائص تتفق مع Type 56-1s الصينية الصنع.

وسمح الرقم التسلسلي لإحدى بنادق التاجر - 62138948 - لباحثي المنظمة بالكشف عن علاقة قوية بين اليمن والصومال. ففي أبريل 2019، تم توثيق بندقية من النوع 56-1 برقم تسلسلي يبدأ أيضاً بالتسلسل "621" بحوزة تاجر أسلحة في مدينة غالكايو بوسط الصومال، وفقاً للمعلومات التي قدمها سراً إلى المنظمة.

وتشير الأرقام الثلاثة المتطابقة من الأرقام التسلسلية بقوة إلى أن البندقيتين كانتا تنتميان إلى نفس الشحنة غير المشروعة التي منشأها اليمن.

وقدمت مصادرة صغيرة للأسلحة المهربة في مدينة بوساسو الساحلية من قبل سلطات بونتلاند، في أبريل 2019 أيضاً دليلاً آخر على مصدر البنادق تُظهر صورة المصادرة، التي اطلع عليها باحثو المنظمة، مجموعة من 19 بندقية تضمنت أسلحة يبدو أنها من النوع 56-1s.

يشير تقرير المنظمة أنه من المعقول التكهن بأن كمية معينة من بنادق من النوع 56-1 وصلت إلى الصومال من اليمن في أبريل 2019 ربما دخلت البلاد في بوساسو قبل أن يتم تداولها منذ ذلك الحين فصاعداً، لتصل على الأقل بقدر إلى تاجر أسلحة في غالكايو.

كما قدم التقرير طرق تفسر كيفية وصول هذه الأسلحة إلى اليمن في المقام الأول هي أيضاً مفتوحة للتكهنات، ولكن هناك مؤشرات قوية على أنها ربما كانت جزءاً من شحنات أسلحة من إيران مخصصة للحوثيين، وغالباً ما يتم توثيق البنادق من النوع 56-1 التي تحمل العلامات CN-17 وCN-18 - مثل تلك الموجودة في الصورة التي قدمها تاجر الأسلحة - في اليمن ويعتقد أنها مصدرها إيران.

ووثق فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة المعني باليمن، أن بنادق مماثلة من النوع 56-1 قد تم الاستيلاء عليها من مركب شراعي اعترضته السفينة يو إس إس جيسون دنهام في أغسطس 2018.

أما النوع 56 – 1 عندما تم ضبط بندقية بأرقام مسلسل تبدأ بالتسلسل "621" على متن مركب شراعي متجه إلى اليمن اعترضته قوات التحالف بقيادة السعودية في خليج عدن في 17 أبريل 2020، وفقاً لمقابلة مع مصدر سري عبر رسالة نصية بتاريخ 14 يوليو 2020.

وتوفر البندقية من النوع 56-1 الموجودة بمخزن التاجر في صنعاء أدلة دامغة -وإن كانت أولية للغاية- على تحويل إمدادات الأسلحة الإيرانية المخصصة لليمن إلى مناطق بعيدة حتى وسط الصومال على الأقل، علاوة على ذلك، أفيد أن العديد من الأسلحة الإيرانية المهربة من اليمن يتم بيعها من قبل وسطاء لدول مثل كينيا وموزمبيق وتنزانيا وجنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى. لذلك، من المحتمل أن يكون لانتشار الصراع في اليمن تداعيات أمنية أوسع على منطقة شرق إفريقيا.

فشل الصفقة

طلب تاجر الأسلحة المقيم في صنعاء من جاما تسهيل تحويل 100,000 دولار من عميله (الوهمي) في جنوب السودان كدفعة أولى، وبعد ذلك نقل اسم الشخص الذي سيجمع الأموال في مكتب صرافة لتحويل الأموال في صنعاء نيابة عنه، وعلى مدار اتصالاتهم أصبح التاجر محبطاً بشكل متزايد لأن جاما أخفق في تحويل الدفعة الأولى. وقال التاجر "اسمعني جاما.. بصراحة لقد عملنا وتعبنا (..) لقد قمنا بدورنا الآن، الموعد النهائي لـ"عميل جنوب السودان" هو 12 ظهراً.. إذا لم يرد، أخبره أننا سنلغي ولن تكون هناك حاجة لإزعاجنا بعد الآن".

أخيراً، في 5 يوليو 2020، أبلغ تاجر الأسلحة جاما أنه غير قادر على توفير الكميات المطلوبة وتوقف عن اتصالاته.

كان استعداد التاجر للتواصل علناً عبر تطبيق المراسلة وتقديم معلومات مفصلة حول طبيعة أعماله في مجال الأسلحة إلى أحد معارفه الجدد مؤشراً على بيئة الإفلات من العقاب التي يعمل فيها.

ومن خلال الرسائل المتبادلة بين جاما وتاجر الأسلحة المقيم في العاصمة اليمنية و(جاما: اسم استخدمه باحثو المنظمة من خلال انتحال اسم وهمي لتاجر أسلحة للتواصل مع تاجر الأسلحة)، بدا أنه مورد صغير الحجم يخدم بشكل أساسي المتطلبات المحلية في اليمن.

ورغم ذلك يوضح تقرير المنظمة، أن حيازته لبنادق هجومية مماثلة لتلك الموثقة في الصومال توفر نافذة مثيرة للاهتمام لإمكانية وجود أصل مشترك في إيران، وفي حين أن هناك حاجة إلى مزيد من البيانات قبل التمكن من استخلاص أي استنتاجات نهائية، فإن دراسة حالة تاجر الأسلحة المقيم في صنعاء تشير إلى طرق مثيرة للاهتمام للبحث عنها في المستقبل.