نزيف السمعة في "السبعين".. الرئاسة المحاصرة بحصار الجامع

تعتمد قوات الحماية الرئاسية المُحاصِرة لجامع الصالح بصنعاء، الذي يتواصل لليوم الخامس ويدخل السادس توالياً، على خيار الإنهاك المعنوي لأفراد الحراسة المحاصرين بالداخل.. مانعة عنهم وصول الأغذية وسواها من الحاجيات والسلع عدا النزر اليسير من الطعام بعربة تدفع يدوياً ومسموح فقط لشخص واحد أن يسير بها خلال ساحة السبعين المغلقة إلى داخل المسجد، بعد منع دخول سيارة "الطُلبة" - الطعام الخاص بالحراسة.


وبالتزامن.. تعتمد الرئاسة خيار التطويل والترحيل يوماً فيوم، لمشكلة حقيقية فرضتها أوامر الرئيس بضرب حصار عسكري مُشدد حول جامع الصالح بميدان السبعين, الميدان الشهير وطنياً ويرتبط بأحداث مهمة ووطنية في تأريخ اليمن الجمهوري, والذي أخذ وأغلق مبكراً في وجه الفعاليات والمناشط الخاصة بأنصار الشرعية والمؤتمر الشعبي وحلفائه، كما كان ساحة رئيسية لهم خلال أحداث أزمة 2011م.


مسئول ووجاهة يمنية على خط الأحداث، قال لوكالة "خبر"، مساء الثلاثاء: إن "الرغبة في تكريس حالة تأزم واشتباك سياسي تعطل مساعيَ إلى إنهاء الوضع القائم وفرملة التأزم"، الذي نشأ عن واقعتي اقتحام ونهب قناة "اليمن اليوم" الفضائية، وحصار جامع الصالح من قبل الحماية الرئاسية.


تراجعت بصورة كاملة، بل سكتت تماماً، مجمل الأقوال والادعاءات والمزاعم التي راجت مع بدء الحصار مبررة الفعل العسكري إلى فرضيات عن أسلحة ومتفجرات وأنفاق وسواها مما أخذته الريح معها وبقيت حقيقة أن جامعاً محاصراً من قبل قوات عسكرية كبيرة.


توالي واقعة اقتحام وإسكات القناة وواقعة حصار الجامع، أشَّر، بقوة، إلى "استعراض قوة في غير محلها"، كما حدث أن اتفقت معظم التعليقات والآراء من أطراف مختلفة؛ بأن الهدف المحرك للأحداث هنا سياسي وشخصي بامتياز، يحاول تملك ما يمكن اعتبارها في السياق "عوامل وأدوات ضغط" لفرض مقايضة من نوع ما مع الطرف المعني بالاستفزازات الموجهة إليه بصفة مباشرة وشخصية.


وينشأ عن هذا سؤال جوهري: ما هي طبيعة المقايضات المطلوب إنجازها, أو بالأحرى فرضها بهذه الطريقة العنيفة والخطرة؟؟


سيكون لزاماً التمهل كثيراً قبل إعطاء رأي شخصي أو تفسير منشؤه تأثر وموقف خاص. وبما أن الأمور غير واضحة تماماً ولم يصدر تفسير نهائي من أحد الطرفين, لزم التوقف عند ظاهر ما يكشفه النظر التحليلي بوضوح موضوعي.


والحال أن النزاع المصطنع والمنشأ بواقعتي القناة والجامع, مرده جموح أجندة خاصة وشخصية طاغية إلى تغيير واقع حزبي بدرجة رئيسة يتعلق برأس ورئاسة الشعبي العام وتوجه إلى حسم المسألة العالقة بطريقة الضغط المادي العنيف الذي بدأ بقمع وتكسير محطة تلفزيون "اليمن اليوم" أمام الملأ دون مسوغ أو مشروعية إجرائية قانونية نافذة. وبامتصاص وقع وشدة الضربة وتفويتها دون ردة فعل من أي نوع ما ولد شعوراً عكسياً بالغيظ والانفعال كان من نتائجه الاندفاع إلى إعطاء أوامر بضرب حصار عسكري مُشدد على "جامع"، وسرعان ما استنفدت سلة التبريرات والتخريجات المتضاربة، لينتهي المطاف بواقعية شديدة إلى جامع تحاصره قوات الرئاسة وتستمر..!


تبدو الرئاسة الآن, بتعبير شديد الواقعية, كمن تحاصر نفسها بمحاصرة جامع الصالح. قوات الحماية الرئاسية باتت تشكل عبئاً حقيقياً يُضاف إلى كاهل الرئيس المحاصر بقواته التي تحاصر جامعاً أمام اليمنيين والعالم وعدمت تخريجاً سياسياً ورئاسياً سريعاً ينهي هذا الفاصل الثقيل والمكلف، ويعفي الرئيس والرئاسة وقوات الحماية الرئاسية من دفع مزيد من النزيف الأدبي والمعنوي والسياسي وحتى الإعلامي، وأمام شعب لا يعرف ما الذي يفعله بالضبط الرئيس ومن حوله ويتصرف بسلطات الرئيس؟؟


الحال أمام الخارج والرعاة خصوصاً، ليس بأفضل حال منه أمام الداخل. لم يبدِ السفراء العشرة الرعاة تحمساً ولو فاتراً للرواية/ الروايات الرسمية المعطاة لواقعة اقتحام القناة والترويج المكثف لنظريات المؤامرة والمخطط الانقلابي وتجييش الاحتجاجات الشعبية على تردي الخدمات وانعدام الوقود. الرئاسة نفسها باتت مطالبة، أمام هؤلاء والخارج، بتفسير مقنع وواقعي. في بيانهم الأخير وضع السفراء الرعاة نقاطاً على حروف في عنونة مشهد يمني يتمخض الآن: حق المحتجين والمواطنين في المطالبة بتوفير الخدمات الأساسية. وحرية الإعلام. والترك للأجندة الخاصة. والتفرغ وتكريس الجهود لاستكمال تنفيذ بنود التسوية مبادرة وآلية. نقطة على السطر.