أقمار صناعية صغيرة ترصد الجريمة البحرية والقراصنة

رين (فرنسا) - وضعت شركة فرنسية في المدار أخيرا قمرين اصطناعيين صغيرين للغاية قادرين على رصد وجود سفن “غير متعاونة”، من أجل مكافحة الصيد غير القانوني والتلوث والقرصنة وكل ما يتعلق بالجرائم البحرية.

وهذان القمران الاصطناعيان الصغيران المعروفان باسم “بي.آر.أو-2” و”بي.آر.أو-3” أو “برايز-ريكون-أوربيتر” واللذان لا يتخطى حجمهما علبة أحذية، تملكهما شركة “أنسين لابز” المتمركزة في مدينة رين بغرب فرنسا، وسيدعمان القمر الاصطناعي “بي.آر.أو-1” الموضوع في مداره على ارتفاع 550 كلم منذ أغسطس 2019.

ومهمة الأقمار الثلاثة جمع “تواقيع” السفن من خلال التقاط الأمواج الكهرومغناطيسية التي تبثها البواخر عموديا، وفق تكنولوجيا تسمح للجهات العسكرية والمدنية بتعزيز سلامة البحار والتصدي للجرائم البحرية، التي أصبحت متطورة بشكل متزايد، إذ تستغل الجماعات الإجرامية الثغرات القانونية، لمصلحتها في تهريب المهاجرين والمواد الإرهابية، إضافة للهجمات على السفن في خليج عدن؛ وتهريب المخدرات في المحيط الأطلسي والهندي؛ والقرصنة في البحر في خليج غينيا.

وشدد المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، يوري فيدوتوف، أن الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، عبر البحار صارت تشكل خطرا مباشرا على حياة الناس وسلامتهم وتقوِّض حقوق الإنسان، وتعوِّق التنمية المستدامة، كما تهدد السلام والأمن الدوليين.

شهدت الأشهر الـ12 الماضية تصاعدا في الهجمات على الشحن التجاري. في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020 وحده، سجل المكتب البحري الدولي ارتفاعا بنسبة 24 في المئة في هجمات القرصنة في جميع أنحاء العالم.

وتساهم المعلومات التي تقدمها هذه الأقمار أيضا في الأبحاث العلمية المتعلقة بحركة المحيطات والتيارات والمناخ، بل ستكون مفيدة في مجال سلامة الملاحة البحرية. وتسمح تكنولوجيا “أنسين لابز” التي تبقيها الشركة طي السرية، برصد سفينة من الفضاء بهامش دقة يتراوح بين كيلومتر وخمسة كيلومترات.

ويوضح كليمان غاليك (37 عاما) الذي أسس الشركة عام 2015 مع شقيقه جوناثان (40 عاما) “الهدف من بياناتنا ليس حكما نقلها كما هي، بل هي معدة لدمجها في تقرير للمراقبة البحرية”. ويرسم الشقيقان خارطة على شاشة، يدرجان فيها البيانات التي سجلها “بي.آر.أو-1” قبل بضعة أيام. وفي عرض سواحل البيرو، تشير عشر دوائر حمراء إلى وجود سفن تخطت حدود منطقة الصيد البحري.

ويوضح كليمان غاليك، وهو مهندس متخصص في الاستخبارات، “هذا ما نلتقطه. نرى أن هناك حوالي عشر عمليات تسلل في المنطقة”، مضيفا “وكأنما بالصدفة، قطعت كل هذه السفن نظام تحديد الهوية الآلي”.

وأُطلق القمران الاصطناعيان الصغيران الجديدان اللذان يستمدان اسمهما من منطقة بروتانيه الفرنسية واسمها باللغة المحلية “برايز”، أخيرا من منصة شركة “روكيت لاب” المتخصصة في إطلاق الصواريخ الصغرى في شبه جزيرة ماهيا في نيوزيلندا.

وتخطط “أنسين لابز” لنشر “كوكبة” من 20 إلى 25 من هذه الأقمار بحلول العام 2024، قادرة على جمع كمية من البيانات اليومية تكفي لـ”رسم طريق السفن بشكل دقيق جدا”.

ويرى الشقيقان أن “هناك رهانا استراتيجيا للمستقبل”، يقول جوناثان “القسم الأكبر من الطلب في الوقت الحاضر يتعلق بمكافحة الصيد غير المشروع” ولاسيما في خليج غينيا.

وتعد الشركة بين زبائنها منظمات مكلفة نشاط الدول البحري، ووزارات صيد وبحريات وطنية. ويشير جوناثان إلى أن “المحيطات شاسعة، وهناك نقص في المراقبة”.

وتوظف الشركة 16 شخصا، ولديها زبائن في فرنسا والخارج. ويتم الحصول على بياناتها لقاء اشتراك، ويمكن لصانعي القرار الاستناد إليها لمباشرة عمليات تدخل في البحار.

ويرى إرفيه بودو الأستاذ في المدرسة الوطنية العليا للبحرية “إنه أداء رائع” لكنه يذكر بأن هذه التكنولوجيا ليست جديدة، موضحا “هناك ‘هوك آي’، وهي أميركية”. الجديد هو استخدام هذه التقنيات للحاجات المدنية، ما يسمح برصد وجود سفينة خارج شريط المجال البحري البالغ أربعين كيلومترا.

ويقول بودو إن أمن البحار هو الرهان الرئيسي لكن “الجانب الآخر مرتبط بالإرهاب والقرصنة التي تطورت مع تطور التكنولوجيا، وصيد السمك الجائر، أو الحالات التي تواجه فيها سفن صعوبات، أو عندما يحتاج مشغل سفن لدواع اقتصادية إلى بيانات حول الطرق البحرية المعتمدة”.