‏الثورة البيضاء والنكبة اليمنية

يتزامن عيد الأضحى المبارك هذا العام، مع ذكرى انتخاب علي عبدالله صالح رئيساً للجمهورية في 17 يوليو عام 1978م، وهذا التزامن يوجب علينا أن نتوقف أمام حقائق تاريخية، وتجربة حكم وإرادة قائد وطني حقق قدرا من البناء والنهوض الوطني ومستوى مقبولا من الحياة الكريمة للشعب، وأن نعتبر في ذات الوقت من كارثية الانزلاق العاطفي وراء الشعارات البراقة والوعود الكاذبة التي جرت الشعب إلى كارثتين أوصلتا البلاد إلى هذه الأوضاع الماساوية التي يعيشها كل مواطن في الشمال والجنوب على السواء، وتهدد أمن واستقرار المنطقة أيضاً.

تمثلت الكارثة الأولى بجماعة فوضى 2011م والتي فككت النظام، ولم يستشعر العقلاء خطورة ذلك على مستقبل البلاد، وظل البعض ينساق بعفوية وراء الشعارات الزائفة لتسقط اليمن ثانية في نكبة الحوثيين عام 2014م.

نموذج الفشل في النخبة السياسة الحاكمة التي يقودها الإخوان، الحزب الحاكم في هذه المرحلة، يتضح ليس في بناء (يمن اتحادي) كما يزعمون، بل وفشلهم في بناء اقتصاد وطني أو توحيد الصف أو إدارة المعركة الفاصلة ضد ميليشيات الحوثي واستعادة العاصمة صنعاء.. على الرغم أن الفرص التي منحت لسلطة الإخوان والتسهيلات والدعم الاقليمي والدولي لم يحصل عليها الزعيم علي عبدالله صالح طوال عهده، وهو الذي وصل إلى الحكم والبلاد أسوأ مما هي عليه اليوم، لكنه امتلك إرادة ومشروعا وطنيا.. على عكس الجماعة، فهم الفشل بذاته، حتى لو يسكنون في برج ايفل (فالغدر ما يحب الا الغدر) كما قال سلطان الصريمي.

اما بالنسبة لميليشيات الحوثي، فهم يعتبرون الزعيم صالح كابوسا، ولا يجدون ما يخفون فيه فشلهم، الا باطلاق التهم عليه في محاولات بائسة لتشويه التاريخ الناصع الذي يفضح اكاذيبهم بتلك المنجزات التي تطرز وجه الوطن في شتى المجالات.
لقد عجزت الجماعتان طوال عقد من الزمن عن تقديم مشروع بديل، وماذا ينتظر منهما، والجماعتان فشلتا عن تقديم حتى مشروع موازنة أو انجاز مشروع خدمي أو تنموي ولو حتى عبر البنك الدولي أو دعم من ايران..؟!!! وصدق القائل: (فاقد الشيء لا يعطيه)..

لقد انتخب الزعيم علي عبدالله صالح رئيسا للجمهورية ودماء رئيسين يمنيين لم تجف بعد، فيما البلاد تحترق بصراعات حزبية في الشمال والجنوب وحروب مستعرة بين نظامي صنعاء وعدن.. خلافا للتنافس الاقليمي والدولي على اليمن إبان الحرب الباردة.

وصل الزعيم إلى الحكم وليس في اليمن نفط أو غاز يصدر، كما هو اليوم، بل إن صنعاء لم تستطع ان تبسط سلطتها على كل مناطق البلاد، فيما كانت رواتب الجيش تأتي من الاشقاء، لكن صالح رفض ان يستمر مثل هذا الوضع، فرجعونا اليه (ثوار الساحات) رغم اننا اصبحنا نصدر البترول والغاز.

نعود ونقول انه برغم هذه الأوضاع الأمنية والاقتصادية المنهارة فعلا في بداية حكم صالح، الا انه لم يغادر صنعاء، ولم يحكم عن بعد أو من الخارج، أو من داخل كهف.. بل ظل داخل وطنه والتحم بالجماهير ومعه القيادات الحزبية.. كانت لدى الزعيم ارادة صلبة وشجاعة قائد وطني لا يمكن ان تهتز له شعره في المعارك الوطنية، أو ان يقبل بعمل يهز من معنويات الشعب، فمنذ البداية في 17 يوليو 1978، حمل كفنه بيد، وحمل مسدسه باليد الاخرى، إلى ان استشهد في ثورة ديسمبر 2017م التي قادها ضد ميليشيات الحوثي دفاعا عن النظام الجمهوري وحرية وكرامة الشعب اليمني.

وصل الزعيم للحكم والبلاد فقيرة.. ولا تملك كوادر لقيادة التحولات الوطنية، لكنها امتلكت القائد الفذ الذي يحمل مشروعا وطنيا طموحا، كان يبدو تحقيق ذاك مستحيلا حينذاك، لكنه حققه بنجاح..

كانت البداية من الصفر.. ولكم ان تتصوروا انه حتى المدرسين كانوا من مصر والسودان وسوريا والسعودية.. وكل شيء في البلاد كان كما تركها ابونا آدم.. لا طرق، لا مستشفيات لا تنمية ولا خدمات، ولم تتوافر ابسط المقومات للحياة، أو لنجاح الحاكم ايضا.

هذه التحديات لم تكن لوحدها هي التي واجهت الزعيم، بل كانت البلاد مليئة بالمشعبين وما اكثرهم.. كل واحد يريد ان يبني دولة بمزاجه الحزبي.. جماعة تريد دولة بروليتارية، واخرى تريدها بعثية وسواهم دولة ناصرية، وجماعة تريد دولة الخلافة، وغيرهم يريدونها اشتراكية ماوية، وشرذمة تحلم بعودة الامامة، فيما شيوخ القبائل كان كل واحد يريد ان تكون قبيلته دولة داخل الدولة.. طبعا كان الكل يمتلكون مختلف الاسلحة ولديهم تمويل من الخارج، ومعهم الغام ومتفجرات و(مكفرين ومفجرين) ايضا.

كل هذه التحديات مجتمعة لم تكن مستحيلات امام الزعيم علي عبدالله صالح القائد المحنك الذي استطاع خلال سنوات بحكمته ورؤيته السياسية الثاقبة استيعاب كل الاطراف المتصارعة والمعارضة له من خلال تبنيه لخطاب وطني جامع، وتمسكه بنهج الحوار واشاعة ثقافة التسامح والعفو، فنجح في لم شمل اليمنيين وتوحيد الصف الوطني، فاطفأ نيران الصراعات في البلاد في فترة قصيرة جدا، مثلما نجح لاحقا في حل ملف الحدود سلميا مع دول الجوار.

لم يكل أو يمل الزعيم من الحوار والعمل الوطني الدؤوب إلى ان جمع كل القوى المتحاربة على طاولة حوار وطني فنتج عنه تأسيس المؤتمر الشعبي العام، ثم قاد مع الرئيس علي ناصر محمد والمهندس حيدر العطاس والاستاذ المناضل علي سالم البيض حوارا وطنيا تمخض عنه قيام الجمهورية اليمنية.. تلك الحوارات المسئولة، لا يمكن مقارنتها بالحوارات السفسطائية التي نتابع تفاصيلها اليوم ولم تقد البلاد إلى طريق، وازدادت تعقيدا بعد تدخل اطراف اقليمية ودولية.

إن عهد الزعيم يظل الشاهد الفاضح لا عداء الشعب اليمني والمتآمرين عليه، ومهما كانت اخطاء ثلاثة عقود، فهي لم تبلغ بشاعة ما يتعرض له الشعب اليمني اليوم، ويكفي ان نشير هنا على سبيل الذكر إلى ان تاريخ البشرية وفي حكم اشهر الجبابرة والطغاة لم يسجل في صفحاته انه تم مصادرة مرتبات الموظفين لسنوات كما يحدث اليوم في اليمن..

الشعب يتضور جوعا منذ سنوات وكل جماعة ترمي بمسئولية السطو على المرتبات على الجماعة الاخرى.. لا يستشعرون المسئولية وليس لديهم امانة ولا ذمة، وببجاحة نجدهم، هات يا قدح وذم واتهامات يرمونها على الزعيم علي عبدالله صالح، ولا يتورعون ايضا عن جر الشعب إلى معارك لا تعد ولا تحصى، من اجل ان يضمنوا بقاءهم في الحكم واستمرارية نهب حقوق الناس وثروات البلاد. إلى درجة انهم اصبحوا يتلاعبون بالمعارك في الجبهات كما يتلاعبون بسعر الدولار.
رحم الله الزعيم..