روسيا تتحرك بخطوتين في ميناء اللاذقية.. وجدل بشأن "التوقيت"

سيّرت القوات الروسية، الثلاثاء، دوريات مشتركة مع قوات النظام السوري في ميناء اللاذقية السوري، مما يطرح تساؤلات عن الهدف من هذه الخطوة، التي تعتبر الأولى من نوعها، وتأتي بعد أسابيع من ضربات نسبت لإسرائيل، استهدفت "ساحة الحاويات التجارية" فيه.

وجاء الإعلان عن تسيير الدوريات من جانب وسائل إعلام روسية، حيث استعرضت العديد من الصور، ووثقت فيها انتشار القوات في مناطق متفرقة من الميناء، إلى جانب عدد من السيارات المصفحة والمدرعة.

ولم يعرف بالتحديد الهدف من هذه الخطوة الروسية، واللافت أن الكشف عنها تزامن مع إعلان "القرم" توقيع اتفاقية تعاون تجاري بين موانئ شبه الجزيرة، من جهة وإدارة ميناء اللاذقية من جهة أخرى.

وكانت الضربات "الإسرائيلية"، في 28 من ديسمبر الماضي، استهدفت بحسب وسائل إعلام شحنات أسلحة إيرانية "مخبأة ضمن الحاويات التجارية"، مما أسفر عن "خسائر وأضرار كبيرة"، بحسب ما قالت وكالة الأنباء السورية "سانا".

وأثارت الضربات في ذلك الوقت جدلا واسعا داخل الأوساط المؤيدة للنظام السوري، حيث انتقد مواطنون وصحفيون وسياسيون طريقة التعاطي الروسية معها، من زاوية أن موسكو "تنسق ضمنيا مع إسرائيل"، وبالتالي تمتنع عن تفعيل منظومات الدفاع الجوي الخاصة بها والمنشرة بكثرة هناك.

وعلى مدى السنوات الماضية تحدثت تقارير غربية عن ميناء اللاذقية، واعتبرت أن إيران تستخدمه لتمرير شحنات الأسلحة التي تحتاجها ميليشياتها، كما جعلت منه محطة لتمرير النفط والوقود إلى النظام السوري وميليشيا "حزب الله" في لبنان.

ولا يرتبط الميناء بأي عقد واضح حتى الآن، على عكس مرفأ طرطوس، الذي استحوذت عليه موسكو، قبل سنوات، بعقد مدته 49 عاما.

ويتولى ميناء اللاذقية استقبال معظم الواردات القادمة إلى سوريا، البلد الذي مزقته حرب أهلية مستمرة منذ عقد من الزمن والعقوبات التي فرضها الغرب، بهدف دفع نظام الأسد لتقديم تنازلات سياسية، بموجب القرار الأممي 2254.

وإلى جانب الهجوم الأخير وقع هجوم آخر في السابع من ديسمبر الماضي، عندما أفادت وسائل إعلام سورية بأن طائرات حربية إسرائيلية قصفت محطة الحاويات، مما أدى إلى اندلاع حريق كبير أيضا.

لماذا الدوريات؟

تعتبر الدوريات التي تحدثت عنها وسائل إعلام روسية، وما تبعها من الاتفاقية التي أعلنت عنها شبه جزيرة القرم "خطوتين لافتتين"، بحسب ما يقول محللون وباحثون سوريون لموقع "الحرة".

وقال موقع "rusvesna" الروسي، الذي انفرد بنشر صور الدوريات، إنها أجريت بمشاركة "وحدات خاصة من الشرطة العسكرية الروسية، وباستخدام مركبات كاماز- 43501 وباترول وتايغر، ورافقها تحليق لطائرات مسيرة تابعة للقوات الجوية الروسية".

وأضاف أن "تسيير الدورية جاء بعد معلومات استخباراتية بشأن هجمات إرهابية وشيكة من قبل الفصائل المتطرفة في محافظة إدلب"، مشيرا نقلا عن تقارير إلى أن "مسلحين كانوا يعدون فرق تخريب تحت الماء لتنفيذ تفجيرات في مينائي طرطوس واللاذقية".

لكن المحلل العسكري السوري، العميد أحمد رحال، اعتبر أن التبريرات المذكورة "لا أساس لها من الواقع والحقيقة"، وهذا يرتبط ببعد مدينة إدلب جغرافيا، وطبيعة المنطقة الخاصة بالميناء، والتي تخضع بالكامل لسيطرة النظام السوري وروسيا بشكل خاص.

ويقول رحال لموقع "الحرة": "روسيا لها مصلحة في إبعاد إيران عن السواحل السورية، وهذا ما نراه الآن، أما بخصوص الاتفاقية المعلنة بين القرم والميناء فهي تندرج ضمن ما يسمى بتوأمة الموانئ".

 ويضيف المحلل العسكري: "يبدو أن الروس لا يريدون لإيران التمركز في المنطقة الساحلية. لن يعطوهم منفذا أو أي قاعدة على سواحل المتوسط، وهذا الأمر بتوافق مع إسرائيل".

وبوجهة نظره، فإن مصلحة روسيا تكمن في "تحجيم الدور الإيراني، كون طهران تعيق مسارات موسكو باتجاهين، عسكريا من خلال إصرارها على توسيع النفوذ، وسياسيا بعرقلة وتخريب أي خطوات للحل السياسي".

"الانتشار لمنع الضربات"

ومنذ عام 2016 تستهدف إسرائيل، بطريقة تبتعد عن التبني، مواقع عسكرية في عموم المناطق السورية التي تخضع لسيطرة النظام السوري، من الجنوب وصولا إلى الشمال والشرق والغرب.

ويصر الجيش الإسرائيلي على مواصلة ضرباته الصاروخية والجوية داخل سوريا، ويقول إنها لمنع إعادة التموضع الإيراني في المنطقة.

ومن بين أبرز المواقع التي تلقت الضربات، المطارات الجوية، سواء مطار دمشق الدولي أو مطار "تي فور" الواقع في ريف محافظة حمص السورية، وسط البلاد.

وفي نوفمبر العام الماضي نقل "المرصد السوري لحقوق الإنسان" عن مصادر قولها إن مليشيات إيران أفرغت مطار "تي فور" العسكري، ونقلت معداته إلى مطار الشعيرات، بعد سلسلة استهدافات تعرض لها.

وأوضحت مصادر المرصد أن قوات النظام السوري إلى جانب الشرطة العسكرية الروسية، ستحلّ مكان المليشيات الإيرانية، عقب إتمام عملية الإخلاء ونقل المعدات.

وقد تنطبق هذه الخطوة بما يحصل الآن في ميناء اللاذقية، بحسب الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، نوار شعبان، في مسعى من موسكو لإبعاد خطر الضربات، بمبرر أن قوات الشرطة الروسية قد انتشرت في المنطقة، وبالتالي "لم يعد هناك أي تهديد".

ويقول شعبان لموقع "الحرة": "منذ 6 سنوات إلى الآن لم تتوقف إسرائيل عن ضرباتها. تكثيف القصف على المطارات دفع روسيا لنشر قواتها كبديل".

ويضيف الباحث السوري: "هناك اتفاق غير معلن بين القوى الفاعلة في سوريا وروسيا من أجل ضبط التحركات الإيرانية. كيف سيتم الضبط بالانتشار الروسي؟ هذا لا يكفي، ولذلك تحاول موسكو منع الضربات أكثر".

ويستبعد شعبان فرضية أن "روسيا بصدد الصدام مع إيران"، مؤكدا أن "الانتشار الروسي في ميناء اللاذقية وغيره لمنع إسرائيل من ضرب مناطق معينة".

وزاد: "روسيا ليست بصدد فتح جبهات داخلية مع إيران في سوريا وخاصة في الوقت الحالي. ربما في المستقبل".

"رسم خط أحمر"

وقبل نهاية عام 2021 كان المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، قال إنه "من المستحيل إغلاق هذه القضية"، في تعليقه عن الضربات الإسرائيلية المتكررة في البلاد.

وأضاف، في مقابلة مع قناة "روسيا اليوم": "الإسرائيليون يصرون على ما يسمونه حق الدفاع عن النفس وحماية الأمن القومي. هم يقولون إنهم يستهدفون أهدافا إيرانية. لنقل ذلك بصراحة".

وتعتبر مسألة التواجد الإيراني في سوريا أحد المسائل العالقة، والتي لطالما اعتبرها النظام السوري "شرعية"، كون القوات الإيرانية دخلت إلى البلاد "بطلب من الحكومة السورية".

ونادرا ما تخرج تصريحات توضح ماهية العلاقة بين حلفاء رئيس النظام، بشار الأسد (إيران، وروسيا).

وبينما تشير العديد من التقارير المحلية والغربية عن وجود "صدع غير معلن" بينهما، إلا أن ذلك لم يثبت بمواقف رسمية لمسؤولي البلدين.

وكانت روسيا قد اتجهت بعد تقلص مساحة العمليات العسكرية إلى سياسة تسيير الدوريات المشتركة، كحل من شأنه أن يضبط الأمور ويجعلها تحت السيطرة، ويحافظ أيضا على نظام "التهدئة".

وهذه الدوريات تسير على طول الحدود السورية – التركية، وعلى طول الحدود الفاصلة بين مناطق النظام السوري وفصائل المعارضة في محافظة إدلب، فضلا عن أخرى أعلن عنها مؤخرا في أعقاب "اتفاق التسوية" بمحافظة درعا جنوبا.

ويقول المحلل السياسي المقيم في موسكو، رامي الشاعر، إن "روسيا تضع على رأس أولويات مهام تواجدها العسكري في سوريا الحفاظ على نظام التهدئة ووقف إطلاق النار والاقتتال على كافة الأراضي السورية".

ولتحقيق هذا الهدف، يضيف الشاعر: "يتم نشر دوريات روسية، أحيانا ما تكون مشتركة مع الجيش العربي السوري، أو مع الجيش التركي، وبالتنسيق مع مجموعة أستانا، كما تقوم باتصالاتها مع الدول المجاورة لسوريا بما في ذلك إسرائيل".

"ولا تلتزم إسرائيل وتتجاوب مع الجهود الروسية، فيما يخص باحترام السيادة ووحدة الأراضي السورية. الاعتداءات مستمرة من جانبها، وبتأييد من واشنطن"، بحسب تعبيره.

ويشير الشاعر: "لهذا فمن غير المستبعد تواجد الدوريات العسكرية الروسية أو المشتركة في المواقع الاستراتيجية السورية، ومن بينها الموانئ أو المطارات وغيرها".

ويتابع: "تواجد روسيا يعد خطا أحمر، لا يمكن تجاوزه من قبل الأميركيين أو حلفائهم، بما فيهم إسرائيل. الاعتداء على أو قصف أهداف أو منشآت يمكن أن يكون من بين ضحاياها أفراد من القوات العسكرية الروسية الموجودة على الأراضي السورية".

من جهته يوضح المحلل العسكري، العميد أحمد رحال، أن "ميناء اللاذقية يعتبر بالنسبة للإيرانيين بديلا عن القوافل البرية والجوية التي تهبط بمطار دمشق الدولي".

ويضيف: "بذلك وعن طريق البحر فهم قادرين على إدخال الكثير من شحنات الأسلحة. بآلاف الأطنان".

 وهناك نقطة أهم، وفق قول رحال، وهي أن "الميناء تحول إلى مركز لتصدير المخدرات، بمشاركة أساسية من قوات الفرقة الرابعة، وهي المسؤولة أمنيا بالكامل عنه".

ويتابع المحلل العسكري: "من مصلحة روسيا أن تضبط الميناء، لكن هناك نقطة أساسية. الدوريات كيف تجري؟ هل بمشاركة الفرقة الرابعة المسؤولة عن كل ما يحصل أم بتشكيلات أخرى من قوات الأسد؟".

وسبق أن ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في تحقيق لها أن مختبرات مخدر "الكبتاغون" تنتشر بشكل أساسي في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، وفق شهادات سوريين يعيشون في هذه المناطق، أو في الأراضي التي يسيطر عليها "حزب الله" بالقرب من الحدود اللبنانية، أو خارج العاصمة دمشق وحول مدينة اللاذقية الساحلية.

وبعد إتمام مراحل الإنتاج، يتم إخفاء حبوب الكبتاغون الجاهزة في حاويات شحن أو عبوات حليب أو شاي أو صابون أو داخل شحنات فواكه، ثم يتم تهريبها برا إلى الأردن ولبنان، حيث يغادر بعضها عبر منافذ بيروت الجوية والبحرية، والجزء الأكبر يغادر سوريا من ميناء اللاذقية على ساحل البحر الأبيض المتوسط.