عاش كريماً وارتقى عظيماً ولقي ربه شهيداً

ترتبط الأمم والشعوب الحية برموز تاريخية ملهمة. إن استذكارها بمثابة استحضار لعناصر العزة والفخر والحماسة. هكذا هو الزعيم الشهيد علي عبد الله صالح، يبقى قامة رفيعة وهامة عالية في تاريخ اليمن المجيد، عاش عظيما وارتقى كريما ولقي ربه  شهيدا، مدافعا عن قيم ومبادئ الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية، رافضا للظلم وثقافة الكراهية والطائفية والمذهبية والجهوية وكل أشكال العنصرية، منافحا بقوة عن حقوق شعبه وأمته.

يظل في قلوبنا واحداً من أعظم صناع التاريخ والسلام في اليمن الحديث، نستمد منه قيم الشجاعة والوفاء والدفاع عن المبادئ، مهما اشتد الظلام.

ومازال الأمل معقودا على من سماهم الزعيم الشهيد علي عبد الله صالح تركته التي ورّثها، وتعتبر مَعيناً لا ينضب. وعائلته الكبيرة من القيادات الوفية لرسالته في كل مكان بالداخل والخارج يجسدون في كل حين وصاياه ونهجه الوطني على دروب الوحدة والديمقراطية، والوفاء للنظام الجمهوري ومبادئ الثورة المجيدة.

كان الزعيم الشهيد من القلة القليلة الذين أدركوا وبعمق ماذا حدث وماذا سيجري بعده.
إن المتأمل في أقوال وخطابات الزعيم الشهيد، منذ نكبة ٢٠١١ حتى يوم استشهاده، يلحظ أن ما كان يحذر من وقوعه قد وقع.
لقد حاول، وبكل ما أوتي من قوة، إخراج اليمن مما خطط ودبر له في ليل. ولهذا كان قرار التخلص منه -رحمه الله- لأنه كان  الصخرة الكأداء التي كانت تعوق تنفيذ مخطط تدمير اليمن أرضا وإنسانا.
علي عبد الله صالح رجل الإنسانية، كان من قماشة أخرى منسوجة من شعاع اليمن في التاريخ. رئيس حكم خلال عهدته الرئاسية من خلال نهج الديمقراطية وصناديق الاقتراع، وكان مرشح الجميع وأمل الجميع أحزابا وقوى وطنية، قبل أن يكون مرشح حزب المؤتمر، لأن الجميع اعتبره صمام أمان للديمقراطية والتعددية السياسية، بل إن الشعب اليمني كله قد اعتبره رئيسا وزعيما له، يمتاز في سباساته بالبرجماتيه

في ادارة الدولة والحكم، كما كان متسامحا، مع الجميع حتى مع خصومه السياسيين ولعل هناك من الشواهد ماتحتاج إلى مقال خاص للحديث عنها، وتكلم عنها خصومه قبل انصاره ومحبيه.

تحقق خلال حكمه كثير من الإنجازات العظيمة، ومثلما كان ناجحا وموفقا في أغلب قراراته وسياساته، فإنه أيضا بشر يخطئ ويصيب؛ وإن كانت كل أخطائه تحمل نوايا حسنة لشعبه وأمته العربية. فالتاريخ سيقف شاهدا وموثقا لعظمة المنجز الذي تحقق في عهده. صحيح أننا لم نكن في نعيم وبحبوحة؛ لكن الحياة معه كان لها طعم طيب. ورغم كل الإشكالات التي حصلت، يبقى عهده من أروع وأعظم حقب حكم اليمن. نعمنا فيها بالأمن والاستقرار والتنمية بما لا يمكن بالمطلق قياسه بما حل بنا من نكبات وكوارث بعده.

كنت يوما، وبعض من القيادات، في اجتماع معه، وكان هناك مجموعة من الأشخاص قدموا للسلام عليه، وأخبرته برغبتهم اللقاء به، وأنه رغم تركه للسلطة لازال يتمتع بشعبية كبيرة. وأجاب بكل ثقة: لو كان من جاء بعدي أفضل لما جاؤوا إلي.

كان يدرك بواقعية أن الكثير من الناس شعروا بخيبة أمل ممن خلفه في السلطة، فأغلب اليمنيين يتذكرون عهده، ويتحسرون على يوم من أيامه  بحثا عن الأمن والأمان والاستقرار، بما فيهم خصومه السياسيون الذين كانوا ينعموا بالأمن والحرية. لكن الحاقدين منهم أو بعض المستفيدين بالطبع، فهؤلاء مازال ديدنهم النيل منه ومن إنجازاته، ومحاولة تشويه فترة حكمه. وهم بأعمالهم لا يدركون أن تصرفاتهم وحقدهم يرفع شعبيته، وأن الشعوب لها ذاكرة حية، والتقييم يستقر في ضمائر الناس حقائق وبراهين لا تنال منها غربان الشر والتدمير.

زعيم حباه الله بموهبة القيادة والكاريزما، والذكاء الفطري وسرعة البديهة، والقدرة على التعلم. لم يكن يعتمد في فترة حكمه على التقارير المكتبية أو قناة واحدة، لأنه كان قريبا من نبض الناس ومصادره متعددة.
كنت كلما تذكرت طريقته في مجابهة الأزمات التي عصفت باليمن، أستذكر قول الشاعر العربي الجواهري:
يا أيها النسْرُ المُحَلِّقُ يتّقي
فيما يميلُ عواصفاً هوجاءَ  

كان يدرك أن التغيير سنة من سنن الكون، وأراد  ترك السلطة بطريقة تحفظ له مكانته وشعبيته وتاريخه الكبير، والاعتراف بتضحياته تجاه شعبه وأمته. ولهذا تنازل عن السلطة وهو في أوج قوته، حفاظا على دماء اليمنيين، وكان يريد خروجا آمنا وحصانة وإرساء للنهج الديمقراطي، ولكن المخطط كان أكبر من الجميع. وقرار طي صفحة الرئيس علي عبد الله صالح وعدد من الزعماء العرب قد اتخذ لأسباب متعددة. وبالتالي تم تشجيع الفوضى والاضطراب  والانقلاب على المبادرة الخليجية والخروج عن التوافق والشراكة الوطنية، وصولا إلى الانقلاب الحوثي واستشهاده دفاعا عن قيم الثورة والجمهورية.
رحمة الله تغشاك يا أبا أحمد، وستظل في قلوب كل اليمنيين رمزا خالدا، إلى جانب كبار القادة العظام في تاريخ اليمن المجيد