الصين تؤكد عزمها الاستيلاء على تايوان

تعهّد الرئيس شي جينبينغ بتحقيق هدف جعل الصين الدولة الأعظم في العالم. ويعادل عدد سكان الصين خُمس سكان العالم، بعد أن بلغ عددهم 1.4 مليار نسمة، وتمثل الصين 18 % من الاقتصاد العالمي، وتُعدّ ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتهدف إلى تجاوز الولايات المتحدة بوصفها أكبر اقتصاد عالمي.

ولأن نمو الصين بات مصدر قلق لكثيرين، فقد شنّ الرئيس السابق دونالد ترمب حرباً تجارية على الصين في عام 2018. ولا تزال الحرب نفسها مستمرة في عهد خلفه الرئيس بايدن، ولو بصور مختلفة.

ولا تزال الصين تمثل قضية مُقلقة بالنسبة لحلف شمال الأطلسي «ناتو»، حيث تضمّن «المفهوم الاستراتيجي» لحلف «ناتو» (2022) عبارة تقول إن «طموحات الصين المعلَنة وسياساتها القسرية تتحدى المصالح والأمن والقيم (العائدة لدول ناتو)».

ومن بين قضايا الصين الكثيرة يأتي الأمن، وما تعتبره تهديداً لوحدتها الوطنية، حيث تأتي تايوان في طليعة اهتماماتها مع بعض القضايا الأخرى، ومنها إقليم شينجيانغ الذاتي الحكم، والأويغور، والتبت، وهونغ كونغ.
وكانت تايوان إحدى القضايا التي تناولها الرئيس شي جينبينغ، في خطابه الافتتاحي بالمؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني. وفي كلمته جدّد الرئيس تأكيد أن «حل قضية تايوان مسألة تخص الصينيين، وهي مسألة يجب أن يحلّها الصينيون (وحدهم)».

وذكر أن الصين ستواصل سعيها من أجل إعادة التوحيد السلمي، لكنها لن تتعهد أبداً بالتخلي عن استخدام القوة، وأن الصين تحتفظ بخيار اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية، لكنه حدد أيضاً الفارق بين «مواطني تايوان» ومعسكر العدو الذي يضم «قوى خارجية» و«عدداً قليلاً من الانفصاليين الساعين إلى استقلال تايوان».

في الواقع، هذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها الصين إمكانية استخدام القوة، إذ يشير قانون مناهضة الانفصال لعام 2005 إلى إمكانية إعادة التوحيد في أي وقت تختاره الصين، سواء بالوسائل السلمية أو بالقوة.
وتنص المادة الثامنة من هذا القانون على ما يلي: «في حال قيام القوات الانفصالية لاستقلال تايوان بالتصرف تحت أي اسم أو بأي وسيلة للتسبب في انفصال تايوان عن الصين، أو في حال وقوع أحداث كبرى تنطوي على انفصال تايوان عن الصين، أو كانت هناك احتمالات بالسعي لاستنفاد جهود إعادة التوحيد السلمي بالكامل، يتعين على الدولة استخدام الوسائل غير السلمية وغيرها من الإجراءات الضرورية، لحماية سيادة الصين وسلامة أراضيها».

وفي أغسطس (آب) 2022، قبل شهرين من المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، نشر مكتب شؤون تايوان، التابع لمجلس الدولة والمكتب الإعلامي لمجلس الدولة لجمهورية الصين الشعبية، ما سمّياه «ورقة بيضاء» بعنوان «مسألة تايوان وإعادة توحيد الصين في العصر الجديد». وجوهر الورقة البيضاء هو أن تايوان جزء من الصين، وهي ملتزمة بشدة بإعادة التوحيد.

وتنص الورقة البيضاء على ما يلي:

- الاعتراف بامتلاك البر الرئيسي (الصين الأم) وتايوان لأنظمتهما الاجتماعية وأيديولوجياتهما المميزة. وفي هذا الصدد فإن مبدأ «دولة واحدة ونظامان» هو الحل الأكثر شمولاً لهذه المشكلة.

- الاختلافات في النظم الاجتماعية ليس عقبة أمام إعادة التوحيد، ولا مبرراً للانفصال.
- على الرغم من بذل كل ما في وسعها لإعادة التوحيد السلمي، فإن الصين لن تتخلى عن استخدام القوة؛ لأنها تحتفظ بخيار اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة ضد التدخل الخارجي والأنشطة الانفصالية.

هذه التصريحات واضحة بما فيه الكفاية، لكن كيفية وتوقيت تنفيذها، وهل سيتم هذا التنفيذ فعلاً، يمثلان مسألة أخرى.

والسؤال الآخر هو: إذا اتخذت الصين خطوتها فهل ستقف الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى جانب تايوان أم لا؟
في بداية العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والصين، صدر بيان شنغهاي لعام 1972 الذي أوضحت فيه الصين والولايات المتحدة مواقفهما بشأن مختلف القضايا.
وكان موقف الجانب الصيني هو أن تايوان مقاطعة صينية، وأن تحرير تايوان شأن داخلي للصين ولا يحق لأي دولة أخرى التدخل فيه.

وكان موقف الولايات المتحدة بمثابة اعتراف بصين واحدة تعتبر تايوان جزءاً منها. وصرحت الولايات المتحدة بأنها لم تغير هذا الموقف، وأنها تعيد تأكيد اهتمامها بالتوصل إلى تسوية سلمية لمسألة تايوان من قِبل الصينيين أنفسهم.

وكانت هذه الوثيقة هي المبادئ التوجيهية في موضوع تايوان. والآن تدَّعي الصين أن الولايات المتحدة انتهكت الاتفاقية. ويتفق البعض في الولايات المتحدة مع ذلك، على الأقل من حيث روح الوثيقة.

وجاءت زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي لتايوان لتزيد من حِدة الجدل، خصوصاً أنها ثالث أعلى مسؤول في الإدارة الأميركية، بعد الرئيس ونائب الرئيس. ويمكن اعتبار زيارة على هذا المستوى اعترافاً بتايوان كدولة ذات سيادة، أو تحدياً للوضع الراهن. في كلتا الحالتين فإن الزيارة وجهت رسالة قوية إلى الصين.

وفي ملاحظة أخرى مثيرة للاهتمام، في 12 أكتوبر (تشرين الأول) 2022، قبل أيام قليلة من المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، جرى إصدار استراتيجية الأمن القومي الجديدة للولايات المتحدة.

وتشير وثيقة الاستراتيجية إلى الصين باعتبارها المنافس الوحيد؛ وذلك بهدف إعادة تشكيل النظام الدولي والقوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية للقيام بذلك.

العناصر الرئيسية للوثيقة المتعلقة بتايوان هي كما يلي:

- يُعدّ السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان أمراً بالغ الأهمية للأمن الإقليمي والعالمي، كما أنه أمر يثير القلق والاهتمام الدوليين.
- تُعارض الولايات المتحدة أية تغييرات أحادية الجانب للوضع الراهن من أي جانب، ولا تدعم استقلال تايوان.
- تظل الولايات المتحدة ملتزمة بسياسة صين واحدة، التي تسترشد بقانون العلاقات مع تايوان، والبيانات المشتركة الثلاثة، والتأكيدات الستة.
- تلتزم الولايات المتحدة، بموجب قانون العلاقات مع تايوان، بدعم الدفاع عن النفس لتايوان، وستقاوم استخدام القوة أو الإكراه ضدها.
ولطالما كانت تايوان عنصراً في العلاقات الصينية - الأميركية، وعلى الرغم من التوترات الدورية، فقد جرى الحفاظ على الوضع الراهن. والآن تبدو تايوان أوضح في الصورة كعنصر مهم في المنافسة الاستراتيجية العالمية بين الصين والولايات المتحدة.

وثمة بُعد اقتصادي مهم جداً أيضاً، فعلى سبيل المثال، تنتج تايوان 62 % من إجمالي الرقائق الدقيقة في العالم، وتُعدّ صناعة الدفاع الأميركية من بين المستفيدين الرئيسيين منها، وكذلك الصين، التي بلغ حجم تجارتها مع تايوان 328 مليار دولار أميركي في عام 2021. ويمثل 250 ملياراً من هذا الرقم صادرات تايوان للصين، والفائض التجاري لتايوان 171.6 مليار دولار.

لقد باتت منطقة المحيطين الهندي والهادئ مسرحاً رئيسياً للجغرافيا السياسية العالمية. وفي هذا المسرح تتطور الاستراتيجية العسكرية والسياسية والاقتصادية بشأن تايوان، التي تجد نفسها محصورة بشكل متزايد في عراك بين فيلين. ولديّ شك في أن يكون التايوانيون راضين عن ذلك.
 
*الشرق الاوسط