"جاسوس روسي" داخل الاستخبارات الألمانية.. تحقيق يثير مخاوف أوروبية

أثار تحقيق موسع بشأن "عملية تجسس" مشتبه بها لصالح موسكو داخل دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية (بي إن دي)، مخاوف في عواصم أوروبية وسط دعوات لإجراء إصلاح شامل للوكالة لتعزيز دفاعاتها ضد التجسس الروسي، وفقاً لما كشفته شبكة "إن بي سي نيوز".

وقالت الشبكة الأميركية في تقرير، الأحد، إن القضية تأتي في مرحلة حاسمة من الحرب في أوكرانيا تتشارك فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها معلومات استخباراتية مع كييف، كما تثير تساؤلات بشأن حجم الأضرار المحتملة التي ربما تسبب فيها موظف كبير في جهاز الاستخبارات الألماني، يشتبه أنه "نقل أسراراً" إلى روسيا.

وأشارت الشبكة إلى أن ألمانيا، وهي شريك أساسي في الجهود التي يبذلها الغرب لمواجهة الكرملين بعد غزو أوكرانيا، "ثبت منذ فترة طويلة أنها هدف سهل لجواسيس روس يشتبه أنهم دبروا اغتيال أحد معارضي موسكو في قلب برلين في عام 2019".

ويُعد الكشف عن وجود جاسوس روسي محتمل في دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية، أحدث تطور في سلسلة تقارير مثيرة للقلق عن عمليات تجسس روسية مشتبه بها في ألمانيا وأماكن أخرى في أوروبا.

عملاء روس

ورجح خبراء استخباراتيون وجود المزيد من العملاء الروس الذين لم يتم اكتشافهم بعد. وقال مشرعون ألمان إن ثمة إجماع متزايد على حاجة برلين إلى تحديث أجهزتها الأمنية، وتبني موقف أشد صرامة ضد عمليات التجسس الروسية.

ونقلت "إن بي سي نيوز" عن عضو في البرلمان الألماني، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته بسبب الطبيعة الحساسة للقضية، قوله إن "الحكومة تشعر بالانزعاج والخوف من أن روسيا كان لديها جاسوس في هذا المنصب الرفيع".

وكان الموظف الذي يخضع للتحقيق، وعرفته السلطات باسم "كارستن إل" فقط، يعمل في القسم الفني بدائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية، وهو أحد الأذرع الهامة للوكالة ويشرف على عمليات التنصت الحساسة وغيرها من المعلومات التي تجمع من خلال الوسائل التقنية، وليس بواسطة عملاء بشريين.

وأعلنت السلطات الألمانية، الخميس، عن عملية اعتقال ثانية في القضية، وقالت إن مواطناً ألمانياً، لا يعمل لدى دائرة الاستخبارات، احتُجز للاشتباه في مساعدته الموظف المتهم بنقل معلومات إلى الروس.

واحتجز المشتبه به الثاني، الذي عرفته السلطات الألمانية باسم "آرثر إي"، في مطار ميونيخ لدى وصوله على متن رحلة من الولايات المتحدة.

وقال ممثلو الادعاء، في بيان، إن "آرثر إي. نقل المعلومات إلى روسيا وسلمها إلى جهاز الاستخبارات هناك". وقالت السلطات الألمانية إن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي "FBI" قدم المساعدة في التحقيق.

ووفقاً للشبكة الأميركية، يتزامن الكشف عن وجود "جاسوس محتمل" داخل جهاز الاستخبارات الألماني مع تحوّل سياسي كبير تشهده البلاد، منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير 2022، إذ تخلت الحكومة الألمانية عن سياستها التوافقية القائمة منذ فترة طويلة مع موسكو.

ويُشير معلقون وبعض أعضاء البرلمان الألماني إلى القضية كدليل إضافي على أن برلين يجب أن تتخذ موقفاً أكثر صرامة، عندما يتعلق الأمر بمواجهة أعمال التجسس العدوانية الروسية والحرب السياسية.

النائب عن حزب "الخضر" ورئيس اللجنة البرلمانية المشرفة على أجهزة الاستخبارات كونستانتين فون نوتس قال: "في حالة ثبوت صحة الادعاءات، تبرز الحاجة إلى رسالة واضحة بشأن روسيا. للأسف، كان هناك نقص في مثل هذه الرسائل في الماضي. الدول الأخرى تفاعلت بشكل أوضح مع حوادث مماثلة".

خطر على الاستخبارات

تجدر الإشارة إلى أن موظف دائرة الاستخبارات الاتحادية الذي يخضع للتحقيق، كان يحمل رتبة عقيد، وعمل في القسم الفني، ولكن وظيفته ومسؤولياته المُحددة لا تزال غير واضحة. ونظراً لمنصبه الرفيع، يُحتمل أن يكون اطلع على معلومات جمعتها دائرة الاستخبارات الاتحادية وأجهزة أخرى شريكة، وفقاً لوولفجانج كريجر، وهو أستاذ متخصص في الأجهزة الاستخباراتية في "جامعة ماربورج"، أدلى بإفادات في قضايا تجسس سابقة بصفته شاهداً وخبيراً.

وقال كريجر إن القضية "من المحتمل أن تلحق ضرراً بالعلاقات بين دائرة الاستخبارات الاتحادية والأجهزة الشريكة" في الدول الحليفة، وربما تؤدي أيضاً إلى "تقليص المعلومات المقدمة إلى الاستخبارات الألمانية. كما أن بإمكانها أن تدفع أيضاً أجهزة الاستخبارات الشريكة إلى أن تكون أكثر حذراً، لأن الجاسوس يمثل خطراً على أفراد الأجهزة وأساليبها".

في المقابل، رفض ناطق باسم دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية طلب الشبكة للتعليق على القضية، وقال إنها "لا تزال قيد التحقيق". كما رفض مسؤولو الاستخبارات الأميركية التعليق على الأمر.

وفي ديسمبر الماضي، قال رئيس دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية، برونو كال، إن نجاح التحقيق في القضية سيعتمد على ضمان الإعلان عن أقل قدر ممكن من المعلومات.

وأضاف: "كل جزء من التفاصيل المتعلقة بهذه العملية يصبح معروفاً علناً، يعني حصول الخصم على ميزة في خططه لإلحاق الضرر بألمانيا".

ويرى جيرهارد كونراد، وهو ضابط سابق في دائرة الاستخبارات الاتحادية، أنه لا يتوجب تقييم أي تداعيات محتملة ناجمة عن التجسس المزعوم، حتى يجري الكشف عن طببيعة عمل المشتبه به في جهاز الاستخبارات.