موقع ألماني: أكثر من 300 موقع ومعلم أثري في مأرب تعرضت لعمليات حفر ونهب

كشف موقع ألماني معني بالآثار عن تعرض أكثر من 300 موقع ومعلم أثري في محافظة مأرب لعمليات حفر ونهب خلال السنوات الماضية، في ظل عمليات النهب والسطو الممنهج التي تتعرض لها الآثار اليمنية.

وتظهر صورة عبر القمر الصناعي نشرها الموقع الإلكتروني لشبكة التراث الأثري الألماني (ArcHerNet) المختص بالحفظ على التراث الثقافي (يضم 19 مؤسسة ومنظمة وجامعة دولية مهتمة بالتراث والآثار) تعرض أكثر من 300 موقع ومعلم أثري في محافظة مأرب لأنشطة الحفريات غير المصرح بها - موثقاً جزءاً من الانتهاكات والاعتداءات وعمليات السطو التي طالت المواقع والمعالم والمعابد الحضارية والأثرية في محافظة مأرب التاريخية عاصمة مملكة سبأ القديمة في الألفية الأولى قبل الميلاد.

وتعد مملكة سبأ التي يعود تاريخها من الألفية الأولى قبل الميلاد حتى وصول الإسلام حوالي 630م، ومن أبرز الحضارات التي احتضنها اليمن، كما أنها ذُكِرت في القرآن الكريم والكتب السماوية الأخرى، وما تزال معالمها وآثارها شاهدة حتى اليوم في محافظة مأرب، وبينها معبد (أوام) التحفة المعمارية القديمة جنوبي مدينة مأرب.

وتضم مرتفعات مملكة سبأ القديمة 7 مواقع أثرية "تشهد على مملكة سبأ الغنية وإنجازاتها المعمارية والجمالية والتكنولوجية، ويضم الموقع بقايا مستوطنات حضرية كبيرة مع المعابد الضخمة والأسوار والمباني الأخرى، ويعكس نظام الري في مأرب القديمة براعة تكنولوجية في الهندسة الهيدرولوجية والزراعة على نطاق لا مثيل له في جنوب شبه الجزيرة العربية القديمة، مما أدى إلى إنشاء أكبر واحة قديمة من صنع الإنسان.

وانعكست آثار الحرب التي اشعلتها مليشيا الحوثي الموالية لإيران قبل نحو 8 أعوام في اليمن، سلباً على كل مناحي الحياة في البلد، وبينها الثقافية، إذ تعرّضت المئات من المواقع والمعالم والحصون الأثرية والمتاحف والمخطوطات للنهب والسرقة والقصف الجوي والمدفعي، وهُرّبت الآلاف من القطع والتماثيل الأثرية والمخطوطات إلى الخارج، وعُرِضت في مزادات بمبالغ زهيدة.

وذكرت مصادر مطلعة لوكالة خبر، أن الموقع الأثري الأشهر بين آثار اليمن، "عرش بلقيس" أو ما يطلق عليه "معبد برآن" الذي يحتوى على النقش المعروف بـ "نقش النصر"، تعرض لعمليات تخريب وعبث من قبل مليشيا الحوثي ألحقت به أضرارا جسيمة، ناهيك عن تضرر جزء واسع من البرج الملاصق لسور المعبد وجزء من أسقف المعبد واعمدته.

وأوضحت المصادر أن مدينة براقش التاريخية في مأرب (وهي أقدم مدينة باليمن ترجع إلى 1000 قبل الميلاد) تحوي 57 عموداً وبوابتين وثلاثة معابد أثرية وبداخلها عشرات التماثيل والنقوش المسندية، اتخذتها الميليشيا الحوثية مقرا لمسلحيها عقب سيطرتها عليها، وحولتها إلى مركز لانطلاق عملياتها العسكرية، ما عرضها للقصف، وتدمير معظم معالمها التاريخية، وبعض أجزاء من سورها، وتهشيم بعض النقوش الموثقة للدولة المعينية.

وقالت المصادر، إن مدينة براقش العريقة الواقعة في وادي الفرضة الواسع بمديرية مجزر والتابعة إدارياً لمحافظة مأرب، ومعابدها الأثرية تعرضت لعمليات حفر ونهب واسعة من قبل عصابات حوثية لتهريب الآثار، بينما قامت المليشيا بزراعة عشرات الألغام في محيطها.

وشهدت مدينة براقش الأثرية -التي عرفت في النقوش اليمنية القديمة المسندية باسم "يثل"- عصرها الذهبي حينما اتخدها المعينيون عاصمة دينية وحضارية لمملكة معين في القرن الرابع قبل الميلاد، ثم قام السبئيون بإعادة بناء سورها في القرن الخامس قبل الميلاد، كما كانت مقرا لحضارة المينائيين خلال القرن السادس قبل الميلاد والعصور الوسطى. وتعد إحدى أقدم مدن الأرض ليس في اليمن فحسب، بل في كافة أرجاء الشرق الأدنى القديم.

ودعت المصادر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ومنظمة السياحة العالمية والمنظمات الدولية المعنية بالتراث الثقافي الإنساني لاتخاذ مواقف جادة والضغط على مليشيا الحوثي والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، لايقاف عمليات الحفر والنهب المستمرة في المواقع والمعالم والمعابد الأثرية في مأرب وبقية المحافظات، وإلزام طرفي الصراع بحمايتها وحراستها، وعدم اتخاذها مواقع وثكنات عسكرية كضرورة للحفاظ على المعالم التاريخية والمواقع المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي والإنساني لمنظمة اليونسكو.

وأجمع مراقبون على أن منهجية تدمير وعسكرة المعالم والمواقع الأثرية، وأيضا تهريب وبيع المخطوطات والقطع الأثرية، أسس لها مؤسس الحركة الحوثية الموالية لإيران، حسين بدرالدين الحوثي (شقيق زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي)، والذي شن في وقت سابق هجوماً لاذعاً على الحضارات اليمنية القديمة وإرث اليمن التاريخي والحضاري في محافظة مأرب وباقي المناطق الأثرية في عموم البلاد.

وظهر في تسجيلات مرئية، ودون في محاضرات مكتوبة، سخريته من هذه الآثار، بينها معبد عرش بلقيس ومعبد الشمس وغيرها، واصفا إياها بأنها (بقايا أعمدة)، معتبراً الحضارات السبئية والحميرية والمعينية وغيرها مجرد (تاريخ جاهلي)، وأن الاعتزاز بهكذا إرث هو (ضـلال)، والتذكير بها (لبس للحق بالباطل).

واعتبر الحفاظ على هذا الإرث التاريخي والثقافي الذي يمثل الهوية اليمنية، وجسرا يربطه بحضور حضارات الشرق والغرب، ما هو إلا (مؤامرة) -حد تعبيره-، ليذهب اليمنيون نحو "الأصنام" والانشغال عن المؤامرة الكبرى "امريكا وإسرائيل".

وسلك النهج نفسه شقيقه عبدالملك، حيث حولت المليشيا هذه المواقع إلى أنقاض حضارة، بينما هرّبت ما خف وزنه من مئات القطع والمخطوطات عبر عصابات محترفة، وبيع أغلبها، في أكبر وأخطر استهداف للتاريخ والحضارة اليمنية، مستغلة أوضاع الحرب لتبرير جرائمها.

ويؤكد خبراء قانونيون، أن الحكومة اليمنية لا تزال قادرة على استعادة آثاره المهربة، كون الجمهورية اليمنية إحدى الدول الموقعة على اتفاقية لاهاي 1954، وملحقاتها الخاصة بمنع تصدير الممتلكات الثقافية، والبروتوكول الخاص بحماية الممتلكات الثقافية في حالات النزاع المسلح، واتفاقية "يونيسكو" عام 1972، المتعلقة بحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة.

وطالب ناشطون ومهتمون، الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية، بفتح تحقيق شامل في جميع الجرائم التي طالت المواقع والمعالم والآثار اليمنية، وكل ما لها ارتباط بذلك من متاحف ومدن تاريخية واثرية، وتحميلها كامل المسؤولية.

وفي 25 يناير الماضي، سجلت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، آثار حضارة مملكة سبأ القديمة بمحافظة مأرب، التي تعود إلى القرن 11 قبل الميلاد، في قائمة التراث العالمي المعرض للخطر.

وفي وقت سابق، نشرت وكالة خبر تقريراً يكشف بالتفصيل عن تعرض معبد "اوام" الأثري الواقع في محافظة مأرب لسلسلة من عمليات التخريب والعبث والنبش المتعمد والنهب المنظم في كل جزءٍ منه، في اعتداء سافر وصارخ يطال الحضارة والتراث الإنساني لهذا المعبد العريق الذي يعود تاريخ بنائه إلى الألفية الثانية قبل الميلاد.