العبث الحوثي بالمنشآت الصحية.. أخطاء طبية قاتلة ضحاياها بالعشرات
يشهد القطاع الصحي في صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي الموالية لإيران في اليمن تدهوراً لافتاً، فهذا القطاع الهام المرتبط بحياة وارواح الناس ليس احسن حالاً، اذ يشكو السكان من ضعف ورداءة الخدمات الطبية وارتفاع اسعارها، وتفشي الأمراض والأوبئة، وتزايد تجارة الأدوية المهربة ومنتهية الصلاحية والفاسدة وتصاعد الوفيات وحالات الأخطاء الطبية بشكل غير مسبوق.
وخلال سنوات الحرب، ارتفع اعداد حالات الأخطاء الطبية في اليمن خصوصا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين سواء في المستشفيات الحكومية أو الخاصة والتي قد تسلب المريض روحه وتسبب له عاهة او شللا مزمنا او تعرضه للاصابة بمرض ومخاطر قد تؤدي للوفاة، فيما تتكتم وزارة الصحة بحكومة الحوثي (غير المعترف بها دولياً) وترفض الإفصاح عن اعداد الأخطاء الطبية التي تتزايد كل يوم مآسي ضحاياها في كابوس جديد اصبح يؤرق حياة السكان.
ويلجأ ذوو ضحايا الأخطاء الطبية في الآونة الأخيرة الى منصات التواصل الاجتماعي لنشر القصص المرعبة لاقاربهم الذين تعرضوا لتلك الأخطاء القاتلة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين كنوع من الاستنكار وللمطالبة بمحاسبة مرتكبيها.
وفي احدث الاخطاء الطبية، تعرضت ابتسام ناجي (28 عاما) لألم حاد وانتفاخات في البطن وتقيؤ متكرر بعد اسبوع من عملية قيصرية اجريت لها مطلع شهر ابريل في مستشفى ام القرى بمديرية دمت محافظة الضالع.
وكشف تقرير طبي صادر عن مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا بصنعاء الذي اسعفت اليه، انه تبين بعد الفحص السريري للمريضة ابتسام محمد طاهر ناجي (28 عاما) انها تعاني من الم جراحي حاد في البطن واضطرابات في العلامات الحيوية وتسمم بكتيري في الدم وفحص ميوعة الدم ويرجع السبب بعد عمل الفحوصات والاشعة لوجود ثقوب في الامعاء والتي دل عليها وجود هواء في غشاء البروتون ومحتويات الامعاء والذي تسبب في البطن الجراحي الحاد والتسمم بالدم وتم ادخال المريضة الى المستشفى بسبب حالتها الحرجة ونقلها للعناية المركزة لتلقي العلاج اللازم والقيام بعملية طارئة تتضمن المحاليل والمضادات الحيوية والبلازما حتى تتعادل نسبة السيولة في الدم.
وحمل اهالي المريضة ابتسام محمد طاهر ناجي طبيبة تدعى اشراق وكادرها بمستشفى ام القرى بمدينة دمت، المسؤولية الكاملة ازء ما جرى لها في العملية القيصرية، مطالبين بمحاسبتها وتعويضها وجبر الضرر.
أمل طه علي محسن الدميني (عشرينية) متزوجة حامل بالشهر التاسع تنحدر من قرية قلامة بمديرية مذيخرة أسعفها زوجها قبل أيام الى مستشفى مذيخرة الريفي جنوب غرب محافظة إب وقرر الأطباء إجراء عملية قيصرية لها ولكنها توفيت بسبب خطأ طبي أثناء خضوعها لعملية ولادة قيصرية في المستشفى الحكومي بالمديرية الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
يقول أحد أقرباء زوج الضحية، إن إدارة المستشفى المدعومة من نافذين حوثيين عرضت على والد الفتاة دفع مبلغ "خمسة ملايين ريال" مقابل الصمت وعدم رفع شكوى ضد إدارة المستشفى والطاقم الطبي.
يُذكر أن الطبيبة هي زوجة مدير المستشفى الذي يحظى بدعم من شقيقه "حارث المليكي" المُعيّن من قبل المليشيا وكيلاً لمحافظة إب.
وتعد الحادثة هي الثالثة من بين ثلاث وفيات بخطأ طبي خلال شهرين في مستشفى مذيخرة العام، وسط مطالبات محلية بالتحقيق في الحادثة ومحاسبة الجناة.
قصور فني
وفي حادثة مماثلة لسابقتها توفيت امرأة متزوجة تدعى "مريم علي عبدالرقيب الشميري" (31 عاماً)، داخل مستشفى عز الدين الشيباني الاهلي بصنعاء، بعد ثلاثة اشهر من فقدانها للوعي والحركة داخل احدى غرف المستشفى الذي دخلته بهدف اجراء عملية قيصرية اثر قصور وإهمال اثناء اجراء العملية.
وبحسب تقرير للجنة الطوارئ والقضايا المستعجلة بالمجلس الطبي - الخاضع للمليشيا - بشأن القضية، فإن اسباب وفاة الضحية "مريم الشميري" ناتج عن قصور فني يتمثل في ان من قام بإجراء التخدير غير مؤهل، وتتحمل ادارة المستشفى ومن قام بإجراء التخدير المسؤولية، وان هناك قصورا في إجراءات نقل المريضة من العمليات الى العناية المركزة قبل استكمال استقرار وضعها.
وأكد احد اقرباء الضحية، ان ادارة المستشفى تمارس ضغوطاً كبيرة على أسرة "مريم الشميري" التي قضت نتيجة الخطأ الطبي بمطالبتهم بمبلغ ثلاثة عشر مليون ريال تكاليف علاج الضحية بهدف ارغامهم على التنازل.
ونقل عن أسرة الضحية مطالبتها سلطة الحوثيين بتنفيذ قرار المجلس الطبي وتوصيات لجنته ومحاسبة المستشفى ومن يمثله ومعاقبتهم بأقصى العقوبة وتعويض أطفال الضحية.
خطأ طبي يودي بحياة شاب
عزمت أسرة "عبدالله القاسي الجوفي" على اجراء عملية الزائدة لابنها في مستشفى خاص بمحافظة البيضاء في اعتقاد منها بأفضلية اداء الاطباء بالمستشفيات الخاصة وجودة خدماتها وفي مطلع الشهر الجاري ادخلت نجلها "احمد" لإجراء عملية لاستئصال الزائدة الدودية في المستشفى الاستشاري بمدينة رداع ولكنه توفي جراء خطأ طبي قاتل.
وطالبت أسرة الشاب المتوفى، الجهات المعنية بفتح ملف للقضية والتحقيق في ملابستها ومحاسبة الكادر الطبي ومدير المستشفى وقيادة الجهات الصحية بالمحافظة وإحالتهم إلى القضاء.
دخل المستشفى يمشي وخرج جثة هامدة
دخل المواطن "عبده القاضي"، وهو احد أبناء منطقة أسناف خولان محافظة صنعاء الى مستشفى تشفين الواقع بشارع تعز تحديدا بمنطقة حزيز بغرض إجراء عملية نزع مسمار من ساقه الذي تم تركيبه له بنفس المستشفى قبل أكثر من أسبوع.
ولكن هذه المرة مختلفة عن سابقتها، حيث إن عملية نزع المسمار اجريت له واستمرت نحو ست ساعات رغم انها لا تستغرق من الوقت نحو ساعتين وانتهت بخروج طبيب جراح من غرفة العمليات ليبلغ أقرباء المريض كذباً بنجاح العملية ولكن المريض يستدعي نقله للعناية المركزة ثم غادر الطبيب خلسة المشفى فاراً إلى مكان مجهول، وظل أقرباء المريض في انتظار أي طبيب آخر لتطمينهم فخرج الممرض ليفاجئهم بابلاغهم بأن مريضهم توفي اثناء إجراء العملية.
وقد احتشد العشرات من أهالي المتوفى على أبواب المستشفى، مطالبين بإحالة الطبيب الذي أجرى العملية إلى الجهات المختصة لمحاسبته واحالته للقضاء، الأمر الذي جعل إدارة المستشفى تقوم بتعزيز الحراسة الأمنية، كما استدعت عدداً من أطقم المليشيات لحماية المستشفى.
المجلس الطبي والقضاء في مهمة دفن حقوق الضحايا
يتوجه بعض ذوي واقرباء الضحايا لتقديم شكاويهم لنقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين وما يسمى "المجلس الطبي الأعلى" ولكن النقابة على الواقع ليس لها اي دور ولا تمارس، اي نشاط ملموس منذ انقلاب مليشيا الحوثي عام 2014، اما "المجلس الطبي الأعلى" الخاضع لإدارة الحوثيين والذي يملك سلطة التحقيق والعقوبات فقد تمكنت ذراع إيران من السيطرة عليه وتشكيله بشكل مخالف للقانون دون وجود اعضاء نقابيين كما هو نص المادة الرابعة من قانون المجلس بأن يكون فيه 7 من أعضاء النقابة.
ويقول احد الأطباء، ان أغلب أعضاء المجلس الطبي الأعلى -تابع للحوثي- هم الأطباء أو مسؤولو وزارة الصحة بصنعاء، لذلك لا يفرطون بزملائهم، ويماطلون في تحديد موقف من القضايا المعروضة عليهم، كون الشكاوى إذا دخلت أدراج المجلس، فهي لا تخرج ولكون ذوي الضحايا قليلي الحيلة ارهقتهم المتابعة وعدم ثقتهم بانصاف القضاء لهم يضطرون لتسليم أمر ضحاياهم لله عز وجل، ويضيف: في النادر ما تجد قضية خطأ طبي يبت فيها القضاء بمسؤولية وبالعقوبة والتعويض اما لكون احد ذوي الضحية نافذاً او تربطه صلة قرابة مع قيادي حوثي.
رداءة التعليم والتدريب لطلاب الطب
ومطلع العام الجاري، تظاهر طلاب وطالبات الدفعة الثانية طب بشري بجامعة عمران منددين برداءة سير عملية التعليم والتدريب السريري، وافتقارهم إلى أبسط مقومات التعليم، وعدم وجود خـطة دراسية لهم، في إشارة إلى التدهور التعليمي والتدريبي في ظل سيطرة مليشيا الحوثي الانقلابية.
وشكا الطلاب والطالبات من تجاهل قيادة جامعة عمران لمطالبهم المتكررة ورفضها الاستجابة لهم بتوفير كادر تعليمي متخصص ذي كفاءة وخبرة لتدريبهم والنهوض بالطب والتعليم على حد سواء، وايجاد بيئة تعليمية مناسبة للتدريب السريري بمستشفيات المحافظة رغم إضافة رسوم الدائرة السريرية منذ السنين الأولى بهدف تحسين الدائرة السريرية، حد قولهم.
وحمل المحتجون الجهات المعنية بسلطة الأمر الواقع مسؤولية رداءة تعليم وتدريب الطلاب، محذرين من حجم الأخطاء الطبية التي ستحدث والأرواح التي سوف تـزهق بسبب التـقصير في عملية تعليمهم وتدريبهم.
تورط وزير صحة الحوثي
وكشف تقرير المنظمة اليمنية للاتجار بالبشر عن تورط وزير الصحّة الحوثي طه المتوكل بقضايا فساد وإهمال جسيم للقطاع الصحي والتستّر على الفاسدين وعدم اتّخاذ أي إجراء ضدّهم أو إحالتهم للتحقيق رغم معرفته وعرض معظم الأمور عليه إذ يكتفي بالعمل على إخفاء الدليل ومعاقبة الشاكي بشتّى الطرق.
وقال التقرير، إنه وفي الوقت الذي لا يمتلك وزير صحة الحوثي، أي مؤهلات مهنية في مجال الصحة فقد عمل من أول يوم لاستلامه الوزارة على إقصاء قرابة مائة وخمسين موظفًا من الكوادر الفنية المهنية المؤهلة المتخصصة في كافة القطاعات الصحية واستبدالهم بكوادر لا تحمل أي مؤهلات صحية و"اكثرهم تأهيلا يحمل شهادة ثانويه عامة".
وعزا أطباء ومراقبون يمنيون، أسباب تزايد الأخطاء الطبية وحالات الوفاة، إلى تدني بيئة العمل، خصوصاً لجانب التجهيزات الفنية (المعامل ومعدات التشخيص)، التي تشكّل 90 في المئة من مجمل هذه الأخطاء، وقلّة الخبرة والتدريب والتطبيق العملي، ما يتطلّب إيجاد سياسات صحية فاعلة ونظام صحي نافذ، وتأهيل وترقية المستشفيات إلى مستويات متقدمة، فضلاً عن تشغيل ممرضين وصحيين في القطاع الصحي لا تربطهم بمهنة الطب أي صلة، واغلبهم لا يحملون أي مؤهلات علمية ويملكون شهادات مزورة، وليس لديهم قدرة للتعامل مع الحالات الطارئة او خلال اجراء العمليات.
بالإضافة الى زيادة الهجرة للأطباء الأكفاء والمتمكنين من داخل البلاد الى الخارج بحثاً عن فرص أفضل في ظل تدهور الاوضاع الاقتصادية ونهب المليشيا للرواتب للعام الثامن على التوالي.
وارتفعت في السنوات الخمس الأخيرة أعداد ضحايا الأخطاء الطبية في مختلف المستشفيات الحكومية والخاصة والتي تتاجر بأرواح المواطنين وتهدف إلى الربح المادي بدرجة رئيسية فضلا عن رداءة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين في تلك المستشفيات، مما يعكس الاستهتار من قبل وزير الصحة التابع للمليشيا وغياب الرقابة والكوادر المؤهلة والمتخصصة في المستشفيات بالمحافظات الخاضعة لسيطرة الانقلابيين.