17 يوليو.. من قاعة البرلمان إلى ذاكرة الشعب.. البداية التي غيّرت اليمن

في صبيحة 17 يوليو 1978، كانت اليمن تقف عند مفترق طرق حرج. فقدت البلاد بوصلتها بعد اغتيال رئيسين في أقل من عام، وتحوّل كرسي الرئاسة إلى نقطة استهداف لا يجرؤ على الجلوس عليها أحد. الفوضى تعصف بالعاصمة، والمناطق تتنازعها الولاءات، والمؤسسات في حالة شلل شبه كامل.

وسط هذا المشهد المرتبك، برز اسم المقدم علي عبدالله صالح من صفوف القوات المسلحة، ليس باعتباره طامحًا للسلطة، بل كخيار اضطراري توافقت عليه المؤسسة العسكرية ومجلس الشعب للخروج من النفق. وما إن صوّت المجلس له رئيسًا وقائدًا عامًا للقوات المسلحة، حتى بدأ فصل جديد من تاريخ البلاد، عنوانه: الاستقرار أولًا.

مهمة شبه مستحيلة

كانت التحديات التي واجهها صالح في بدايات حكمه أقرب إلى مهمة مستحيلة: بلد مهدد بالانهيار، وموارد محدودة، وصراعات ممتدة، ونفوذ شبه معدوم للدولة خارج المدن الكبرى. لكن الرئيس الشاب بدأ في إعادة بناء الدولة من الصفر، متكئًا على حنكة عسكرية وقراءة دقيقة لمراكز القوى.

أعاد هيكلة مؤسسات الدولة، وفتح خطوط حوار مع القوى المتصارعة، ونجح في تهدئة الجبهات الداخلية، مما مهد الطريق نحو مرحلة أكثر استقرارًا وأقل دمويّة.

انتقال تدريجي نحو السياسة

ومع بروز المؤتمر الشعبي العام عام 1982 كإطار سياسي جامع، بدأت ملامح النظام السياسي اليمني تأخذ شكلًا أوضح. وتم وضع أسس الحياة الحزبية والتعددية التدريجية، التي بلغت ذروتها بعد إعادة تحقيق الوحدة في 22 مايو 1990.

حينها، دخل اليمن مرحلة جديدة من تجربته الوطنية، بتبني دستور يضمن حرية الرأي والمشاركة السياسية، ويكرّس مبدأ التعددية والتداول السلمي للسلطة.

تجربة انتخابية نادرة في المنطقة

شهدت البلاد أول انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب عام 1993، أعقبتها أول انتخابات رئاسية مباشرة في عام 1999، ثم انتخابات رئاسية ومحلية متتالية، أتاحت للمواطنين اليمنيين فرصة ممارسة حقهم السياسي في ظل تعددية كانت، في تلك الفترة، نادرة في المنطقة.

ولم تخلُ هذه التجربة من تحديات، لكنها شكّلت علامة فارقة في محيط إقليمي يتسم بالجمود السياسي.

من الرئاسة إلى المقاومة

في عام 2012، سلم الرئيس علي عبدالله صالح السلطة بآلية توافقية، بعد أحداث 2011، ليكون أول رئيس يمني يسلم السلطة انتخابيًا. ورغم خروجه من الحكم، لم يغب عن المشهد، بل عاد لاعبًا سياسيًا حتى لحظة استشهاده في ديسمبر 2017 أثناء تصديه لانقلاب الحوثيين، في موقف أعاد التأكيد على انحيازه للدولة والجمهورية.

اليوم، وبعد مرور 47 عامًا على ذلك اليوم الفارق، لا تزال ذاكرة اليمنيين تستحضر لحظة اختار فيها ضابط شاب أن يواجه المصير الغامض، فبدأت على يديه مرحلة بناء الدولة اليمنية الحديثة، وسط ركام الانهيار، في واحدة من أكثر المحطات حساسية في التاريخ الوطني.