لعبة النقد في سياق الصراع السياسي

عبدالحميد المساجدي

في ظل تعقيدات المشهد اليمني، تشهد السوق النقدية تحركات مفاجئة تكشف عن مساعٍ سياسية مستميتة لقطع الطريق على تسوية قادمة لإصلاح الشرعية يبدو أنها تُطبخ على نار هادئة. التحسن المفاجئ لسعر صرف الريال اليمني – في ظل غياب أي تحسن فعلي في مؤشرات الاقتصاد أو تدفق الموارد – لا يمكن قراءته بعيداً عن هذا السياق. فهذه القفزة المؤقتة لم تأت نتيجة لإصلاحات نقدية أو دعم خارجي حقيقي، بل جاءت نتيجة نتيجة ضبط إيقاع أدوات مصرفية يهيمن عليها أطراف نافذة تسعى لترتيب المشهد بما يخدم بقاءها في مراكز القرار.

ما يجري في سوق الصرف ليس إلا محاولة مكشوفة لإعادة ضبط الإيقاع السياسي تحت غطاء نقدي، وهي خطوة تُذكّر بسيناريوهات سابقة لجأت فيها مراكز النفوذ إلى افتعال استقرار اقتصادي وهمي بهدف التأثير على مواقف الفاعلين المحليين والدوليين، أو لكسب الوقت لحين إعادة التموضع. لكن المفارقة أن هذه التحركات صارت مستهلكة ومفضوحة للرأي العام، وتفتقد للفاعلية السابقة، بل قد تؤدي إلى نتائج عكسية، أبرزها تآكل ما تبقى من ثقة الشارع بالبنك المركزي، والنظام المالي ككل.

المؤسسات النقدية، التي من المفترض أن تعمل باستقلالية ومهنية، باتت اليوم أحد أذرع الصراع السياسي، لا وسيطاً مهنياً يضمن الاستقرار. فتحريك السوق بهذا الشكل المفاجئ يعزز من القناعة بأن العملة الوطنية أضحت أداة ابتزاز وتهديد، لا مجرد وسيط تبادل. كما أن هذه الإجراءات تُظهر أن الأطراف المهيمنة لا تتوانى عن استخدام آخر ما تبقى من أدوات التأثير لتأجيل التسوية أو تعديل شروطها، حتى لو كان الثمن تعميق حالة عدم اليقين الاقتصادي وتضييق الخناق على معيشة المواطنين.

إن اقتراب النهايات لا يعني بالضرورة الوصول إلى حلول عادلة، لكنه يشير إلى انسداد في أدوات المناورة التقليدية. وكلما زادت وتيرة التحركات المصرفية المصطنعة، كلما بدا أن مراكز النفوذ بدأت تشعر بأن الأرض تُسحب من تحتها، فتسارع لاستخدام آخر أوراقها: المال، والإشاعات، وتحريك السوق. لكن هذه الأدوات حين تُستخدم في الوقت الخطأ وبتكرار ممل، تتحول من وسائل سيطرة إلى علامات ارتباك. وفي النهاية، فإن من يستهلك أوراقه سريعاً يخسر قدرة التأثير حين تُقرع طبول التغيير الحقيقية.