أ. د. محمد أشرف البيومي.. كلمة حق للتاريخ :رسالة مفتوحة عاجلة لرئيس جمهورية مصر العربية

سيادة الرئيس المحترم عبد الفتاح السيسي
بعد التحية
كاتب هذه الرسالة هو مواطن مصري تجاوز الثمانين من عمره وعاصر أحداثا تاريخية عديدة في مصر وبقية الوطن العربي.
لقد صدمت بقراركم بالاشتراك في ما يسمي بعاصفة الحزم والتي أعتبرها عدوانا صارخا على الشعب اليمني وليس فقط على الحوثيون كما يغالط الإعلام، وتدخلا كبيرا في شئونه الداخلية.

إن المساهمة في ما يسمي بعاصفة الحزم هو بمثابة تمكين النظام السعودي في استمرار هيمنته على اليمن لعقود والتي لم تسفر إلا عن إفقار شعبه وسلب إرادته الوطنية. أما إذا كان هدف النظام السعودي هو حماية أمنه فهذا يتطلب منطقيا مساعدة الشعب اليمني ومعاملته بالاحترام والأخوة الواجبة وليس بقصف مدنه. كذلك فإن الأمن القومي المصري في باب المندب وقناة السويس، فالتهديد الحقيقي يأتي من إرهاب القاعدة وأخواتها سواءً في سيناء أو ليبيا أو سوريا، ومن الذين فجروا الجوامع وقتلوا الأطفال في صنعاء.

إن حجة الوقوف مع الشرعية تتطابق تماماً مع الحجة الواهية التي استخدمها الرئيس السابق محمد مرسي للتملص والتهرب من الارادة الشعبية الجارفة والتي طالبت جيش الشعب المصري التدخل لإسقاط نظام مرسي المنحرف.

إن تصوير الأمر وكأنه صراع طائفي يصب مباشرة في محاولات قوي الهيمنة الغربية في تحويل الصراع العربي الصهيوني إلى صراع سني - شيعي أو عربي - إيراني. فكم كانت إيران الشيعية تحت حكم الشاه الذي رفع العلم الصهيوني في إيران صديقا لدول الخليج ولمصر السادات فانقلبت إلى عدو يهدد أمن العرب بعد أن رفعت علم فلسطين وناصرت بقوة المقاومة الفلسطينية واللبنانية.

بانتخابنا لكم يجعلنا نتوقع ضرورة الاستماع للأصوات الناقدة والمعترضة على القرارات المصيرية مثل اشتراك مصر في عاصفة الحزم.

إن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر لا تعني تسليم مقدراتنا لأمراء الخليج والانحياز لهم ولمخططاتهم المعادية تاريخيا لمصر وتبنيهم سياسات مدمرة وتغذيتهم للإرهاب في دول عربية عريقة مثل سوريا والعراق. إنهم هم الذين شجعوا وتواطؤوا مع أمريكا لاحتلال العراق وليبيا وتدميرهما بموافقة جامعة الدول العربية التي أصبحت أداة يستخدموها كما يشاؤون. لقد خلقوا فراغا أمنيا واستراتيجيا في العراق والذي تملؤه إيران فلماذا الشكوى الآن؟ لقد تقاعسوا عن نصرة المقاومة اللبنانية والفلسطينية فكيف لهم الشكوى عندما قدمت إيران لهم المساعدة فكان نصر 2006 في لبنان حصيلة إرادة المقاومة الصلبة قبل كل شيء. ما الذي منعهم من تقدم الصفوف لنصرة المقاومة، بل إنهم تآمروا لإسقاط النظام الشرعي بسوريا في الوقت الذين أرسلوا طائراتهم لدك مدن وقرى اليمن بحجة دعم الشرعية.

نحن نربأ بكم سيادة الرئيس أن تزجوا مصر بقيمتها وعظمتها وثقلها التاريخي والجغرافي والشعبي في هذا التحالف المشبوه والذي تقف أمريكا منه كمرشد عام، والذي تصفق له اسرائيل وتدعمه. ولا يمكننا أن نتناسى أن المعسكر المعادي لشعب اليمن يشمل الإخوان المسلمين في اليمن والذين صنفتموهم، وبحق، بالإرهابيين، ويشمل حكومة أردوغان التركية وعضو حلف الناتو المعتدي علي ليبيا. بالإضافة إلى كل ذلك، فإن المعركة التي أطلقتها السعودية هي في النهاية معركة خاسرة، فالتفاف الشعب اليمني ووحدته وخبراته السابقة تضمن انتصاره.

إن مصر باتخاذها موقفاً آخر، وهو عدم الانحياز في هذا الاعتداء، وتأهيل نفسها لتلعب دور الوسيط الذي يدفع بقوة تجاه الحوار والوساطة هنا بالقاهرة. هذا هو الدور المطلوب من مصر في حدوده الدنيا الآن.

الموقف الصحيح هو إدانة العدوان بكل قوة. مصر ليست للبيع، والشعب يؤمن بكرامته ومستعد للجوع حفاظاً على كرامته كما أكدتم بأنفسكم. إن النهج السابق في عهد الرئيس السابق مبارك باتخاذ مواقف غير مبدئية في نظير التغاضي عن الديون لم يجدِ في النهاية.

نحن الآن في لحظة تاريخية تصنع الزعماء الوطنيين، ولهذا نناديكم بالتراجع عن المشاركة الفعلية براً وجوًا وبحراً في معركة ظالمة بحجج واهية، بل نناديكم بالدفع في اتجاه وقف فوري لإطلاق النار والدعوة لحوار هنا في القاهرة عاصمة العرب ومركز ثقل الأمة العربية.

لقد نادينا علناً بدعم الشرعية الحقيقية في سوريا وإعادة العلاقات مع سوريا ودعمها في حربها للإرهاب، نفس الإرهاب الذي يهددنا ليس في سيناء وحدها بل في مدننا. وهو نفسه الذي ذبح اولادنا وأحفادنا المصريين في ليبيا وبناءً عليه قمتم بضربة جوية ضد الارهابيين مما أثار غضب الخليجيين ودفعهم للتطاول على مصر. ولكن هذا الإجراء السريع دعم ثقة الغالبية العظمى من شعب مصر بكم.

إن الحزم الذي يليق بمكانة مصر هو حزم السيادة الوطنية وحزم القيادة ذات الرؤية التاريخية بعيداً عن أي شكل من أشكال التبعية، وها هي الشعارات التي يرفعها مواطنون يمنيون ترتفع ترحماً على الزعيم جمال عبد الناصر.

إن المستقبل سيادة الرئيس لن يكون إلا للمقاومة والصمود والتمسك بالسيادة الوطنية مهما كانت التضحيات البشرية والاقتصادية.
أ. د. محمد أشرف البيومي، أستاذ جامعي بالمعاش 28مارس 2015 —