تحليل: الحرب على اليمن.. صورتان لفزع نظام آل سعود

سطوة المال وضخامة الإمكانات وحجم الآلة العسكرية وحداثتها والتحالفات المختلفة، كلها عوامل مكنت النظام السعودي من إدارة الحرب على اليمن والتعامل مع إفرازاتها من منظور المنتصر والطرف الذي حسمها لصالحه منذ ساعاتها الأولى.. ووفقاً لهكذا حسابات، فقد تمادى آل سعود في عدوانهم على اليمن بارتكاب مجازر شبه يومية بحق المدنيين طيلة شهرين ونصف، وتدمير ممنهج للبنية التحتية، بل وصل حقدهم إلى محاولة تدمير إرث اليمن التاريخي وموروثه الحضاري بقصف طال نحو 28 موقعاً أثرياً.
-رغم كل ذلك القتل والخراب، فقد ظل مجرد انتصار زائف لايتجاوز تصريحات مسئولي النظام السعودي ووسائل إعلامه، في حين تدل الوقائع على الأرض على رجحان كفة الجيش اليمني واللجان الشعبية المساندة له مقابل تقهقر مستمر لميليشيات الإصلاح والحراك الانفصالي وعناصر القاعدة في مختلف محاور القتال، وقد تسبب ذلك في إثارة مخاوف آل سعود من خسارة الحرب، فزادت وتيرة ووحشية عدوانهم في الأسبوعين الماضيين، سيما مع التركيز على قصف مقار حكومية ومنازل الرئيس السابق وأقاربه وموالين له، ومنازل قيادات حوثية أيضاً رغم إدراكهم بخلوها من القيادات المراد تصفيتها، علاوة على وجود تلك المقار والمنازل وسط أحياء سكنية داخل العاصمة، والنتيجة ارتكاب مزيدٍ من جرائم الحرب وجرائم الإبادة بحق اليمنيين.
- لكن ما أثار فزع نظام آل سعود لم يكن احتمال خسارة الحرب في اليمن، بل ما كشفت عنه تطورات الأيام الأخيرة على الحدود من تغيير اليمنيين لقواعد اللعبة بعد دخول قوات الحرس الجمهوري واللجان الشعبية خط المواجهات الحدودية والانتقال من شن هجمات محدودة وسريعة من قبل أبناء القبائل الحدودية على المواقع السعودية إلى شن هجوم منظم من عدة محاور، ومحاولة التقدم باتجاه مدن رئيسية كنجران وجيزان، إضافة إلى توجيه ضربه قوية في العمق السعودي بإطلاق أول صواريخ سكود على قاعدة خالد بن عبدالعزيز العسكرية في خميس مشيط القريبة من أبها عاصمة إقليم عسير.
مكمن فزع النظام السعودي راجع إلى إدراكه صعوبة استعادة أية أراضٍ يسيطر عليها اليمنيون داخل الشريط الحدودي - في حال غيروا من استراتيجيتهم الحالية المرتكزة على السيطرة المؤقتة على المواقع العسكرية والانسحاب من غالبيتها، لكن بعد تدمير ما فيها من آليات ثقيلة وذخائر وتفخيخها- خاصة مع تجربة نظام آل سعود المريرة مع الحوثيين العام 2009م، والكلفة الكبيرة التي دفعها لإنهاء الحرب وإخراج الحوثيين من القرى الحدودية التي سيطروا عليها.
- ونظراً للبون الشاسع بين أضرار حرب 2009م وحجم الدمار الهائل الذي أحدثته طائرات آل سعود في اليمن، فإن فاتورة إنهاء الحرب المطلوبة ستكون باهظة جداً لدرجة لانستبعد معها صحة تسريبات عن مطالبة وفد الحوثيين خلال الاتصالات المباشرة وغير المباشرة التي جرت في سلطنة عمان تعويضات تقدر بـ200 مليار دولار لإيقاف الحرب.
-رغم ضخامة المبلغ المطلوب، لكنه في الواقع لن يكون مشكلة لنظام آل سعود للخروج من المأزق الذي أوقعهم فيه مغامرة مراهق طامح لخلافة والده، تكمن المشكلة في قلق النظام من أمرين رئيسيين قد يتسببان في خسارته للمناطق الجنوبية؛ الأول له علاقة باليمنيين مع عودة الزخم للتيار المعادي للنظام السعودي في الساحة اليمنية جراء عدوانها البربري الذي وصل إلى كل بيت يمني، وما نجم عن ذلك من تزايد الأصوات المطالبة باستعادة الأراضي اليمنية (عسير، نجران، وجيزان) التي آلت إلى السعودية وفق معاهدة الطائف عام 1934م واتفاقية جدة الحدودية عام 2000م، ومبرر هؤلاء أن اليمن لم تعد معنية بتلك المعاهدات بعد خرق آل سعود لبنود رئيسية فيها خاصة ما يتعلق ببند عدم اعتداء أي طرف على الطرف الآخر وتحريم استضافة أي دولة للمعارضين من الدولة الأخرى على أراضيها، بل ووجوب تسليمهم، ومن ثم يرى هؤلاء أن اتفاقية جدة في حكم المنتهية ولم تعد اليمن ملتزمة بها.
-أما الأمر الثاني، فراجع إلى شكوك آل سعود من نوايا الحليف الأمريكي ورغبة التيار المسيحي المتصهين في تقسيم السعودية إلى خمس دول ضمن مخطط عام لتقسيم دول المنطقة على أسس مذهبية وعرقية خاصة أن عدة خرائط لذلك المخطط نشرت في موقع البنتاغون وفي كبريات الصحف الأمريكية في السنوات السابقة بعضها كانت تضم مناطق الشيعة الاسماعيليين في عسير ونجران وجيزان إلى اليمن، وخرائط أخرى كانت تظهر فيها تلك المناطق كدولة مستقلة.
-ليس خافياً أن علاقة النظام السعودي الوثيقة بهجمات 11 سبتمبر 2001م كانت سبباً في بروز رغبة أمريكية لتقسيم السعودية، لكن بعد جهود جبارة وتعويضات ورشاوى، تمكن نظام آل سعود من إعادة علاقاته مع الأمريكيين ووضع مخطط تقسيم المملكة إلى خمس دول على الرف إلى حين، لكن عودة مخطط تقسيم دول المنطقة بقوة في السنوات الأخيرة وقطعه خطوات عملية في دول كسوريا والعراق وليبيا واليمن معناه أن السعودية ليست بمنأى عن ذلك الخطر، بل إنها في مقدمة الدول المعرضة له في الفترة القادمة، ويدل على ذلك عدة أمور، أهمها:
1-الشكوك من أن واشنطن شجعت، بطريقة غير مباشرة، السعودية لشن حربها على اليمن بهدف استنزافها، وإرخاء قبضة النظام الأمنية على الداخل السعودي، والتسبب في تأجيج الخلاف داخل العائلة الحاكمة وبصورة تعيد إلى الذاكرة الخداع الأمريكي لصدام حسين في مسألة الكويت وإيقاعه في فخ غزوها، مع العلم أن هناك تبرماً سعودياً من دور الأمريكيين في إعلان هدنة الأيام الخمسة لأسباب إنسانية والتي قالت الرياض إن الحوثيين وصالح هم من استفاد منها، واستياءً من دعم واشنطن لمفاوضات جنيف التي قد تطيل أمد الأزمة، ومن ضربات طائرات بدون طيار لعناصر القاعدة في شبوة، بصورة تساعد على فتح الطريق أمام الحوثيين وصالح باتجاه حضرموت التي تمثل أهم أهداف الأجندة السعودية في اليمن.
2- التنامي الملفت والمثير للشكوك لنشاط واهتمام داعش بالسعودية في الأسابيع الأخيرة خاصة مع استخدام التنظيم كأداة رئيسية لتنفيذ مخطط التقسيم في العراق وسوريا وليبيا.
3-القلق السعودي من مغزى التسريبات الأمريكية في هذا الوقت عن توجه لإعادة فتح ملف هجمات 11 سبتمبر 2001م ودور السعودية فيها، وهو ما كشفه قبل أيام تقرير لصحيفة التايمز البريطانية بأن البيت الأبيض يتعرض لضغوطات متزايدة من أجل الكشف عن فصل سري من ملف أعد عن أحداث أيلول يتضمن إدانة واضحة للعائلة السعودية متهماً إياها بأنها كانت الممول الرئيس للعملية، ويتكون الفصل من 28 صفحة انتزعه الرئيس الأسبق جورج بوش الإبن من الملف في تلك الفترة.

- صورتان للفزع السعودي:
لانبالغ في حديثنا عن فزع يعتري آل سعود، فهناك امثلة عديدة لذلك في كثير من سلوكيات النظام وتصرفاته، وقد ارتفعت نسبته كثيراً منذ شنه عدوانه الظالم على اليمن، وكان آخر الأمثلة على ذلك صورتين واضحتي المعالم هما:

الصورة الأولى:
رغم المقاطع المصورة المنشورة في مواقع التواصل الاجتماعي، التي تؤكد تنفيذ الجنود اليمنيين عمليات اقتحام لمواقع عسكرية سعودية خلال الأسابيع الماضية، لكن النظام السعودي حرص على تجاهل التعليق عليها – باستثناء حالة وحيدة - وتركز ردة فعله على نفي حصول أي عملية اختراق للشريط الحدودي وظل يبرر سقوط قتلى في صفوف قواته إلى سقوط قذائف صاروخية من حين لآخر.
- لكن قوة وحجم الهجوم الذي نفذته قوات الحرس الجمهوري واللجان الشعبية فجر يوم 6/6 على محافظتي نجران وجيزان، جعلت من مسألة تجاهل الهجوم او نفي حدوثه أمراً غير ممكن، لذا سمعنا للمرة الأولى قنوات العربية والحدث والإخبارية تتحدث عن هجوم من ثلاثة محاور من قبل قوات النخبة في الحرس الجمهوري والحوثيين، إلا أن الملاحظ في طريقة تعاطي نظام آل سعود مع الهجوم من خلال بيانات القيادة العسكرية وتعاطي وسائل الإعلام السعودية له التالي:


1- إطلاق "معركة شرف" على عملية التصدي في دلالة واضحة المعاني على أنها عملية للدفاع عن السعودية وسيادتها ومحاولة لإثارة المشاعر الوطنية وتوحيد الجبهة الداخلية خلف النظام.
2- محاولة تحويل الهزيمة الميدانية التي تعرضت لها إلى نصر إعلامي من خلال استخدام كلمات (دحر، إفحام، ردع..) للدلالة على قوة الرد السعودي على الهجوم مع التأكيد على أن المواجهات تمت على الشريط الحدودي وليس داخل السعودية، بل إن العربية الحدث وصحيفتي الشرق الأوسط وعكاظ أكدت على أن المهاجمين لم يتمكنوا من التوغل حتى شبر واحد داخل السعودية، علاوة على الحديث عن قتل عشرات المهاجمين وامتلاء الأودية الحدودية بجثثهم مقابل الاعتراف بمقتل ضابطين وجنديين فقط، وفي اليوم التالي بدأ الإعلام السعودي يصف الهجوم تارة بالمغامرة الفاشلة، وأخرى بالمحاولة اليائسة، وثالثة بأنها عملية انتحار.
- مثل هذا الكلام لم يكن مستبعداً من نظام في حالة حرب، لكن محاولة قلب الحقائق رأساً على عقب، والتمادي في تقديم صورة مغايرة تماماً لما حدث، تسبب في كشف كذبهم بأنفسهم، وظهر ذلك في نقل صحيفة سبق عن قناة العربية الحدث خبراً لمراسلها يفيد بأن الساعات القادمة سوف تحمل مفاجآت غير سارة للحوثيين وصالح، وحديثه ـ أيضاًـ عن معلومات بحصول تغير كلي في الخطط العسكرية السعودية مع الترويج المكثف لخبر عن وصول مئات من الدبابات والمدفعيات الحديثة إلى الحدود برفقة آلاف الجنود والضباط في تخصصات عدة لتشغيل هذه الآليات.
- ترويج الإعلام السعودي لهذه المعلومات نسف كل ما ذكره عن ردع الهجوم اليمني وإفشاله، فالحديث عن تغير كلي في الخطط العسكرية يعتبر إقراراً ضمنياً بفشل الخطط السابقة رغم مزاعم نجاحها طيلة سبعين يوماً في منع أي اختراق للحدود حسب إعلام آل سعود، فما الداعي لتغييرها إلا إذا كانت غير فعالة!! كما أن الحديث عن وصول قوات جديدة رغم وجود 150 ألف عسكري سعودي على الحدود منذ اليوم الأول من العدوان علاوة على القوات الإضافية التي أرسلت مع إعلان السعودية عن عملية ثأر نجران، ما يعني أن هناك أكثر من 200 ألف عسكري سعودي على الحدود، طبعاً من غير الأف المرتزقة من السنغال والسودان وماليزيا والأردن ودول أخرى.
- رغم ضخامة القوة المحتشدة على الحدود، عاد الإعلام السعودي للحديث عن محاولات الاختراق الجديدة التي ينفذها اليمنيون على أنها عمليات متفرقة يشارك في كل عملية نحو عشرة أشخاص، حتى لو افترضنا وجود عشرة آلاف يمني محتشدين قرب الحدود، أليس الفارق الهائل في حجم القوتين دليلاً ساطعاً على حالة الفزع التي يعانيها آل سعود؟!!
-طبعاً لايمكن استبعاد أن يكون الإعداد لعملية برية هو السبب وراء الحشد السعودي الضخم، لكني شخصياً أستبعد ذلك إلا في حالة كان الأمر له علاقة بصراع داخل الأسرة على الحكم، ففي هذه الحالة سيكون الهدف من العملية البرية إنهاك قوات الحرس الوطني تمهيداً لاستيلاء محمد بن سلمان عليها كخطوة لابد منها في طريقه إلى كرسي الحكم.

الصورة الثانية :
أعطى نظام آل سعود من الساعات الأولى للحرب أولوية قصوى لوقف بث القنوات اليمنية الرسمية والمحسوبة على الحوثي وصالح وجميع الوسائل الإعلامية المناهضة للعدوان لمنع وصول صوتها إلى العالم في إطار محاولاته تزييف الحقائق والتعتيم على الفظائع التي ترتكبها طائرات آل سعود بحق اليمنيين، ولمنع الحرب النفسية من التأثير على الداخل السعودي.. طبعاً كل ذلك في حال سلمنا بصحة الادعاءات السعودية بأنهم الطرف المنتصر على الحدود وغلبة كفة المسلحين الموالين لهم في محاور القتال المختلفة داخل اليمن.
- إذا كانت محاولة إسكات صوت العدو أمراً منطقياً وبموجبه يمكن فهم ما قام به نظام آل سعود بحق الإعلام اليمني، لكن الأمر الذي يصعب فهمه توجه النظام لإسكات صوت الشعب السعودي، خاصة في نجران وجيزان وعسير، والذي ظهر في نداءات توعوية في ظاهرها وتحذيرية في ظاهرها وباطنها، صادرة عن القوات المسلحة السعودية وموجهة للمواطن منها نداء تداوله نشطاء سعوديون قبل أيام، اعتبر فيه تداول الأخبار ونشر تحركات الجهات الأمنية والقطاعات العسكرية أو نشر الخطابات السرية أو بث الشائعات من خلال شبكات التواصل الاجتماعي أو الهواتف الذكية، خيانة للدين وللوطن ولأمن المواطن، كونها تسهل للعدو معرفة الشأن الداخلي وتحركاته، وأماكن تواجده ونقاط قوته وضعفه، وفي نهاية النداء دعوة للمواطن ألا يكون عميلاً يساعد على خلخلة الأمن القومي للوطن.
- تخيلوا نظام آل سعود ينظر إلى المواطن كخائن للوطن، بل ومرتد عن الإسلام إذا ما اعتبرنا أن قصد البيان بخائن للدين أنها خروج عنه وربما يقصد أنه يعتبر إرهابياً، بل لم يكتف بالتخوين وإنما أضاف إليها تهمة العمالة، كل ذلك بسبب تصوير لقطة أو نشر تغريدة عن حادثة تعرض لها منزله أو منطقته، حتى تصوير لحظة انفجار سكود في خميس مشيط كانت من خارج القاعدة ولم تعرض صور من داخلها حتى يعتبر ذلك الأمر تجسساً عسكرياً.
-طيب يا إخوان، إعلام آل سعود يدعى أن الوضع مسيطر عليه داخل المملكة، وكل ما يحصل من الجانب اليمني مجرد مقذوف صاروخي عشوائي أصاب منطقة مدنية، في هذه الحالة ما الداعي لكل هذا القلق من تغريدات النشطاء ولقطاتهم، فهم لن ينقلوا إلا ما حدث، وهم بذلك يعززون من صحة الرواية الرسمية ويدينون الطرف الآخر لاستهدافه مدنيين، فهل جزاء هؤلاء اتهامهم بالعمالة والخيانة؟ أم أن ما يحدث داخل الأراضي السعودية أمر آخر مختلف تماماً عن الرواية الرسمية لدرجة أفزعت النظام وجعلته يسعى لتكميم أفواه المواطنين بصورة لم يصل إليها لا نازية هتلر ولا فاشية موسوليني.

* باحث يمني، كاتب ومحلل سياسي
[email protected]