د. عبد العزيز المقالح: اعرف عدوك.. أولاً

اعترف أن هذا العنوان قديم ومستهلك وقد صدرت تحت لافتته عشرات الكتب العربية في القرن العشرين، كما كان عنواناً لمئات وربما آلاف المقالات التي امتلأت بها صحف ذلك القرن، وفي خمسينياته وستينياته على وجه الخصوص. وما يزال هذا العنوان يطالعنا بين حين وآخر في هذه الفترة الراهنة من خلال محاولات لا تكل ولا تمل لبعض الكتّاب العرب لعلها تجد استجابة لدى الإنسان العربي الذي بات يقرأ –إذا ما قرأ!!- بعينيه لا بقلبه ووجدانه. ولهذا السبب لم يعد يفرّق بين عدو وصديق ولا بين كاذب وصادق. ولم يعد غريباً والحال كذلك أن يقع هذا العربي في حبائل الأعداء وأن يتحول جهله بمقاصدهم إلى عامل من أخطر عوامل تهديم الوطن وتمزيق الأمة. وهي حالة لا يمكن وصفها إلاَّ بالعلّة التي لا يرجى منها شفاء أو يتسنى لها دواء.

عدونا –أي عدو العرب جميعاً- واضح ومكشوف وظاهر تحت الشمس وتحت الليل، ولا يحتاج إلى من يعرِّف به أو يدل عليه. وقد بدأ هذا العدو اللدود في رسم خططه للاستيلاء على الوطن العربي وإغراق أهله في بحر من المشكلات الصعبة والمعقدة منذ وقت طويل. ومن الواضح أن جامعاته ومراكز بحوثه تمكنت منذ القرن التاسع أو أبعد في قراءة التاريخ العربي واختارت من بين صفحاته المشرقة تلك الأوراق السوداء القليلة التي تتمحور حول الخلافات المذهبية والطائفية التي كانت تظهر عندما تتعرض الأمة لمظاهر الضعف. وبدأ العدو يشتغل على هذا الجانب بخبث وإصرار. وهو الآن ومنذ عقود يبث عن طريق دعاته ومن يلتف حولهم من مرتزقة الكتبة العرب سمومه في محاولة لتمزيق وحدة المشاعر والعواطف التي جمعت أبناء هذه الأمة ووحّدت مسارهم في مواجهة أعدائهم، وإفراغ تلك المشاعر والعواطف من معانيها النبيلة .

اعرف عدوك.. أولاً------------------- اعترف أن هذا العنوان قديم ومستهلك وقد صدرت تحت لافتته عشرات الكتب العربية في القر...

‎Posted by ‎عبد العزيز المقالح‎ on‎ 15 سبتمبر، 2015

وآخر ما فتحنا عليه عيوننا، التي أرجو أنها قد بدأت تبصر، تلك الخطة اللعينة التي وضعها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كسينجر تحت عنوان "خطة أمريكية لتولي سبع دول عربية ومن لا يسمع طبول الحرب العالمية الثالثة أصم" ومما جاء في خطة هذا الصهيوني البارز حسب قوله الذي نشرته صحيفة داني اسكيب الأمريكية: "لقد أبلغنا الجيش الأمريكي أننا مضطرون لتولي زمام الأمور في سبع دول في الشرق الأوسط نظراً لأهميتها الاستراتيجية لنا خاصة أنها تحتوي على البترول وموارد اقتصادية أخرى" ويعود هذا التصريح إلى شهر فبراير عام 2012م، مع بداية الاحتجاجات في الشوارع العربية وما كان متوقعاً أن يسفر عنها من قيام أنظمة غير موالية للغرب وللولايات المتحدة خاصة التي كانت تمسك بزمام أكثر من دولة عربية وتفرض عليها الإنصياع لما ترسمه لها من خطط سياسية واقتصادية.

وتحضرني في هذه المناسبة واقعة لا أنساها، فقد التقيت بعد عودتي من مصر في أواخر السبعينيات من القرن المنصرم بباحثة أمريكية قالت لي أنها تعمل ما بين صعدة والحجرية وتدرس خصوبة النسل في هاتين المنطقتين، وبمرور الأيام أدركت أن تلك المهمة لم تكن إنسانية ولا لمساعدة أطفال صعدة والحجرية ومد يد العون للعائلات الفقيرة وإنما كان هدفاً سياسياً بحتاً لا تخفي حقيقته على أقل الناس إدراكاً وشعوراً بالمخاطر فضلاً عن العارفين بمداخل السياسة العدوانية ومخارجها وما تعده من أفخاخ لاصطياد الشعوب وإدخالها في متاهات الخلافات والحروب وتحطيم عرى التعايش والسلم الاجتماعي.