أ. د. حيدر اللواتي: الخليج.. والفرص الضائعة

لا نريد المبالغة في التهويل، ولكنه واقع مؤلم يفرض نفسه علينا ويدفعنا نحو كتابة هذه السطور..
 
لنعترف أننا في الخليج فشلنا في استثمار خيراتنا وثرواتنا كما ينبغي، فشلنا في استغلال الموارد الطبيعية، سيما النفط والغاز والطاقة الشمسية لتحويلها إلى اقتصادات تدير عجلة التنمية المستدامة حتى إذا نضبت أو انهارت أسعارها أو تلاشت الحاجة إليها لم تتأثر مجتمعاتنا، ولم تهتز حياتنا، نحن اليوم ندفع ثمن هذا الفشل.
 
وهناك في الخليج من نبذ التنمية والتطور واعتنق الفتن، وورط نفسه في الحروب والصراعات، وتبني سياسات فاشلة أقل ما يُقال عنها أنها تعارض مقتضيات العصر وتجهل حركة السنن الاجتماعية والتاريخية، بل حتى الوجودية، ولا أشك أن الخيبة والحسرة والندامة ستكون من نصيبه عاجلاً قبل آجل.
 
أصبح الخليج أداة للدول الكبرى لتسويق سياساتها وتنفيذ خططها، وبات الآن يحاصر نفسه بأشباح لا وجود لها، كل هدفها الاستحواذ على خيراته وشفط خزائنه، لنصارح أنفسنا بأن الخليج صار بالنسبة للغرب مجرد بقرات حلوبة للنفط لن يكون لها أي وزن أو قيمة بعد أن يجف ضرعها، وحينها سيتبرأ منه..
 

الخليج والفرص الضائعةلا نريد المبالغة في التهويل، ولكنه واقع مؤلم يفرض نفسه علينا ويدفعنا نحو كتابة هذه السطورلنعترف...

‎Posted by Haider Al-Lawati on‎ 20 ديسمبر، 2015
 
ويكفينا ألماً أن الخليج أصبح متورطاً في أزمات، لا ناقة لشعوبه ولا جمل، أزمات بعضها تبعد عنه آلاف الكيلومترات، وأصبح أكبر مورد للسلاح في العالم، وأكثر المناطق احتضاناً للفكر المتطرف وللفتن الطائفية، أصبحنا كخليجيين شبه منبوذين في العالم، أينما نتوجه ترصدنا العيون وترعب منا النفوس ويُشار إلينا كإرهابيين وجهاديين ومتطرفيين، بل ومغفلين بالبنان حتى صرنا أضحوكة العالم.
 
من كان يتصور أن الخليج، الذي يسبح فوق بحيرات من النفط والغاز، ستصبح دوله محتاجة ومديونة تقترض المال، وتسحب من احتياطي أجيالها، وتفرض الرسوم والضرائب، وترفع الدعم، وتطبق سياسات التقشف، وترشيد الإنفاق، وتعلن عن وقف التوظيف والترقيات في مؤسساتها الحكومية، وتعيش حيرة في تغطية أجور موظفيها؟
 
والقادم أدهى، فالأحداث السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط تنذر بالأسوأ، والغرب الذي بدأ يتنفس الصعداء مع انهيار النفط لن يبخل بأي جهد في منع صعوده مرة أخرى ومع دخول أمريكا مرحلة التصدير واستعداد إيران في الضخ لاستعادة حصتها، ورفع روسيا إنتاجها متزامناً مع استمرار رفض دول الخليج في خفض إنتاجها والعودة إلى حصصها السابقة، وشفط نفط ليبيا وسرقة نفط سوريا والعراق، كل ذلك يدعم الدراسات التي تتوقع استمرار النفط ووصوله إلى سعر يقارب 20 دولاراً للبرميل إن لم يكن أقل في العام القادم.
 
إن لم يبدأ الخليج في النأي بنفسه عن الفتن والصدامات والتحالفات، ومحاربة الفساد، ومعالجة الهدر في النفقات، والتنفيذ الفعال والجاد لخطط بناء اقتصادات المعرفة والتنمية المستدامة التي تتمحور حول تطوير التعليم والتدريب والتأهيل واستغلال الكفاءات الوطنية في التعينات، فلا شك أنه سيعيش سنوات جدب لم يرَ في الماضي مثلها، أسوأ من تلك التي عاشها في الثمانينات عندما وصل سعر النفط إلى 10 دولارات للبرميل أو أقل !
 
على دول الخليج أن تقف مع نفسها وقفة صريحة للمراجعة، فلا توجد مسيرة إلا ولديها إخفاقات إلى جانب الإنجازات، والحكمة تقتضي مناقشة أسباب الإخفاقات بكل شجاعة وشفافية من أجل تفاديها في المرحلة المقبلة العصيبة، وأما التركيز على الإنجازات فقط وعدم تحمل الاستماع إلى سيرة الإخفاقات، فهو ليس من الحكمة أبداً.
 
وفي الختام نقول، إن دولنا أنجزت الكثير خلال العقود النفطية الماضية، ولكن يبدو أن هذه الإنجازات لم تكن كافية لمواجهة الأوضاع الحالية والمتوقعة في المستقبل.