مسيرة ماكرون.. "الطفل المعجزة" رئيس فرنسا الجديد

فرنسا انتخبت، والرئيس الجديد الذي سيحكمها لخمس سنوات قادمة هو إيمانويل ماكرون. ولكن من هو هذا الرجل، وما هي الأهداف التي يسعى لتحقيقها؟ وكيف حقق هذا الصعود السياسي المتسارع؟

 

ماكرون الفيلسوف. على الأقل هو هكذا بالنظر إلى دراسته الأولى. كتب بحثه الدراسي عن مكيافيلي وهيغل. إيمانويل، المولود لزوجين طبيبين من مدينة أميان الواقعة في أقصى الشمال الفرنسي. التحق بالمدرسة الوطنية للإدارة في ستراسبورغ. "إنه نتاج تلك النخب الفرنسية وتمتع بالتحصيل العلمي الكامل هناك. إنه منحدر من الطبقة الوطنية المتعلمة، وهو بالتالي من تلك الطبقة التي أعلنت مارين لوبن التصدي لها في حملتها الانتخابية"، كما يقول شتيفان زايدندورف، نائب مدير المعهد الألماني–الفرنسي في لودفيغسبورغ.

 

 

مصرفيّ متمرس

 

ولكن، وعلى عكس كثير من القادة السياسيين في فرنسا، لم يكن طريق ماكرون مباشرا باتجاه القمة. بعد فترة قصيرة قضاها كمدير مالي في القطاع العام، انتقل للعمل في قطاع الاستثمار في بنك روتشيلد الخاص في باريس.

 

وهناك ساهم في تحقيق صفقة ضخمة بين عملاق الصناعات الغذائية السويسري "نيستله" والعملاق الدوائي الأمريكي فايزر، بمبلغ إجمالي وصل إلى تسعة مليارات يورو.

 

براعته التنظيمية وخبرته الاقتصادية الكبيرة قادته في 2012 ليصبح مستشارا للرئيس فرانسوا أولاند، والذي بادر بعدها بعامين لتعيينه كوزير للاقتصاد.

 

ولكن ماكرون دخل في خصومات سياسية أيضا. واقعة التهرب الضريبي وضعته في موقف سيء وتعرض لرفض شعبي. مشاحناته المتكررة مع رئيس الوزراء إيمانويل فالس كادت تتسبب بإقالته من الحكومة عبر الرئيس أولاند، قبل أن يستقيل ماكرون في عام 2016 ويعلن تأسيس حركة "إلى الأمام".

 

 

إيمان بأوروبا

 

وبعد الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية دعا الاشتراكيون وكذلك الجمهوريون المحافظون ناخبيهم لدعم ماكرون في انتخابات الجولة الثانية أمام مارين لوبن. كما تلقى المرشح المستقل دعما كبيرا من بقية الأحزاب. نجح ماكرون في صنع شيء جديد: تأسيس حزب من لاشيء، وضم 190 ألف عضو لهذا الحزب خلال أشهر قليلة.

 

كان خلال فترة الحملة الانتخابية مرشحا يبث الأمل، وكان الوحيد الذي وضح للفرنسيين بكل وضوح: بدون أوروبا لن تتمكن فرنسا من تحقيق أي شيء. استطاع ماكرون صنع موجات حماس وحشد الناس من أجل مشروع أوروبا.

 

ماكرون (39 عاما) هو مثال للأوروبي المقتنع بالكيان الأوروبي. في لقاء معه أجري العام الماضي صرح بأن "كل التحديات يجب أن نواجهها بأجوبة أوروبية مناسبة، لأنه لا يمكننا مواجهة تلك المشاكل إلا بجهد على المستوى الأوروبي. مهمة فرنسا وألمانيا هي فعل كل شيء من أجل تعميق الاندماج الأوروبي في المجالات المالية والاقتصادية والدفاع والأمن وسياسة اللجوء".

 

 

أهداف ليبرالية


من بين خطط ماكرون بعد الفوز، تخفيض الإنفاق العام بمبلغ قدره 60 مليار يورو، وشطب 1200 ألف وظيفة في هذا القطاع. ولكنه يعتزم تخصيص 50 مليار يورو واستثمارها في برامج دعم، كالمناخ على سبيل المثال.

 

كما يريد السياسي المستقل فتح باب التأمين ضد البطالة حتى للموظفين الجدد. وبذات الوقت زيادة الضغط على العاطلين عن العمل كي يبادروا للقبول بالوظائف والعمل. ومن خططه أيضا تخفيض الضرائب على الشركات من 33.5 بالمئة إلى 25 بالمئة. وأيضا دعم الشرطة والجيش، وتخصيص وحدة مركزية لمعالجة البيانات المخزنة.

 

المصرفي السابق هو في الواقع يتبنى مبادئ "الأخلاقية السياسية"، رغم بحثه الأكاديمي في ميراث مكيافيلي. فقد سبق أن أطلق تصريحا بقي ماثلا في الأذهان: "اللاجئون هم بشر مبدعون وقادرون على المقاومة". وامتدح سياسة اللجوء التي تبنتها أنغيلا ميركل، فقد أنقذت بتصرفها كرامة أوروبا، على حد تعبيره.

 

السياسي الشاب يدخل الآن قصر الإليزيه برفقة معلمته السابقة وزوجته الحالية التي تكبره بـ24 عاما، في فترة رئاسية تستمر لمدة خمسة أعوام. فهل سيحقق كل ما وعد به ويتغلب على التحديات؟ هذا ما سيعرفه الفرنسيون قريبا.