«الغارديان»: سمعنا بنجاح أول عملية زراعة رأس بشرية؟ لم ولن تنجح على الأغلب

يدعي جراح الأعصاب سرجيو كنافيرو نجاحه في إجراء عملية زراعة رأس بشرية، لتكون المرة الأولى في التاريخ التي تجرى فيها هذه العملية. لكن «الغارديان» تشكك في إنجاز الجراح الإيطالي، ويقول تقرير كتبه أستاذ علم الأعصاب دين برنِت إن تحليلًا سريعًا للأمر سيُظهر أنه لم يحدث، وأن المنطق العلمي ينبئ بأن هذا لن يحدث أبدًا.

 

يقول الكاتب إن كنافيرو قد يبدو أنه نجح فيما أعلن عنه – ونشرته «الغارديان» – في 2015، حين قال إنه سينجح خلال عامين في أن يزرع رأسًا بشريًا حيًا على جسد متبرع به. لكن ما نشرته صحيفة «تليجراف» هذه الأيام عن نجاح العملية بعد عامين وتسعة شهور، لم يجعله هو أو غيره من علماء الأعصاب الجبناء مثله يشعرون بأنهم حمقى لأنهم قالوا إن الأمر غير ممكن، لأن حقيقة الأمر تتضح مباشرة إنْ بحثنا فيما وراء العناوين التي يسودها الاحتفاء والذهول.

 

يوضح الكاتب – من باب المصارحة مع القراء – أنه لا تربطه أي علاقة بالجراح الإيطالي وأنه لم يفعل له شيئًا من قبل، على حد علمه. لكنه يشكك في دوافعه بقوة. ويذكر في تقريره هذا كل الحجج التي كان قد تناولها سابقًا في كتابات أخرى.

 

 

لا يسمى هذا نجاحًا

كان كنافيرو قد ظهر من قبل ليعلن نجاحه في عمليات لزراعة الرأس، لكن الكاتب يتساءل عن تعريفه للنجاح، ويقول إن وصفه كان مبالغًا فيه على أقل تقدير. فعلى سبيل المثال، كان قد ادعى نجاحه في زراعة رأس قرد، لكن هل فعل هذا حقًا؟ يجيب الكاتب أن رأس القرد قد بقي على قيد الحياة، لكنه لم يستعد وعيه، وأبقي على قيد الحياة 20 ساعة فقط لأسباب أخلاقية. كما لم تجر أي محاولة لوصله بالحبل الشوكي، وهو ما يعني أن القرد كان سيعيش مشلولًا طوال حياته في حال نجاته.

 

هي عملية ناجحة بالطبع، فقط إن اعتبرنا الشلل وفقدان الوعي والعمر القصير – الذي لا يتعدى اليوم – مؤشرات للنجاح. هناك أيضًا عملية أخرى «ناجحة» لزراعة رأس فأر، وشملت ربط رأس مقطوعة على جسد فأر حي ويملك رأسه بالفعل. كيف توصف بالناجحة؟ فهي مجرد ربط لعضو لا يعمل بجسد كان سليمًا قبل العملية.

 

أما عن عمليته الناجحة لزراعة رأس بشري، فأجراها على جثث. يقول الكاتب إنه مقتنع بأن وصف أي عملية جراحية بالناجحة في حين أن من تجرى لهم العملية قد ماتوا قبل إجرائها يعد وصفًا مبالغًا فيه لأقصى درجة، حتى وإن كانت هذه القناعة تجعله يصنف ضمن من يسعون للكمال. قد تكون العملية قدمت عرضًا جيدًا لـ«ربط» الأعصاب والأوعية الدموية بشكل واسع، لكن ما أهمية هذا الأمر؟ هي فقط الخطوة الأولى من الخطوات المطلوبة لكي يعمل النظام الحيوي للجسم، وتبقى خطوات كثيرة. يمكنك أن تلحم نصفي سيارتين وتدعي أن هذا نجاح، لكن عندما تشغلها وتنفجر فلن يدعم عبقريتك الكثيرون.

 

لا ينفي الكاتب أن الطرق المستخدمة لحفظ الرؤوس وربطها بالأجساد قد تكون ذات قيمة علمية، لكنها ما زالت محاولات بعيدة عن التصور بأن هناك من سيسير بجسد غير الجسد الذي ولد به. ويبدو أن كنافيرو اعتاد أن يعلن انتصاراته الدعائية المزعومة بمجرد تحقيقه إنجازاتٍ ضئيلة، أو حتى بعد أن يجعل الأمور أسوأ. ويشبهه الكاتب في هذا الأمر بالفريق المسؤول عن مفاوضات بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي.

 

التفاصيل المهمة مهملة

يشرح الكاتب نقطة محورية في جسم الإنسان، وهي أنه لا يتكون من قطع يمكن فكها وتركيبها مثل المكعبات، ولن يمكنك أخذ قطعة من القلعة لتركبها على السفينة. يجب التعامل مع الكثير من العقبات عند ربط رأس بجسد، حتى وإن كانا لنفس الشخص. في السنوات الأخيرة، نجح الأطباء في أن يعيدوا وصل حبل شوكي متضرر بشدة لطفل صغير، لكنه كان متضررًا وليس مقطوعًا تمامًا، كان متصلًا بشكل كاف للعمل عليه ودعمه ومعالجته. وكانت هذه العملية لطفل صغير لا يزال جهازه العصبي في طور النمو ويمكنه التعويض. رغم كل هذا، ورغم التطور الكبير للطب الحديث، فإن هذه العملية كانت تُعدُّ شبه معجزة.

 

ماذا عن إلحاق حبل شوكي مقطوع تمامًا لشخص بالغ بحبل لشخص آخر ربما يكون ميتًا منذ عدة أيام؟ قد نحتاج أربع معجزات بحسب رأي الكاتب. هذا إن تجاهلنا: مقاومة الجهاز المناعي، وأننا لا نستطيع إصلاح الأعصاب المتضررة (ولا نتحدث حتى عن ربط نصفين مختلفين)، وأن مخ كل شخص ينمو بالتوافق مع جسده. وتعني النقطة الأخيرة أن الرابط بين الاثنين استثنائي بشكل نسبي، فإن وضعت رأس موسيقي على جسم رياضي فقد تكون مثل من يحاول اللعب بلعبة مخصصة لـ«إكس بوكس» على جهاز «بلاي ستيشن»، إلا أن الأمر سيكون شديد المأساوية في الحقيقة.

 

يستدرك الكاتب بالقول إننا لا نعلم حتمًا ما سيحدث، لأنه أمر لم يجربه أحد مطلقًا. أما كنافيرو فهو مقتنع بأنه يمكنه فعل ذلك، لكنه لم يقدم تفسيرًا معقولًا أو علميًا لادعاءاته لتكون قادرة على تخطي هذه العقبات سوى حديثه السطحي عن حفظ الأنسجة والتأكد من توفير الدم الكافي أثناء إجراء العمليات. وهو ما يشبه ادعاء أحدهم قدرته على بناء مفاعل انصهار نووي، وحين سؤاله عن الطريقة يشرح لك طريقة توصيل المياه في الحمامات من أجل الفنيين. ربما يكون عملًا مفيدًا، لكنه ليس قضيتنا الأساسية.

ضجة دون إنجاز

يقول الكاتب إنه قال هذا مرارًا وتكرارًا، لدرجة أنه يفكر تسجيل هذه النظرية باسمه. ويقول فيها: «بكل بساطة، إن كان أحدهم يقدم ادعاءات علمية ضخمة دون توفير دليل حاسم، وفي حين أنه يلقي حديثًا في مؤتمر TED، فيجب أن يكون هذا مدعاة للشك». ويضيف أنه لا يعلم ما مصدر ثقة كنافيرو، ولا يبدو أن هناك من يعرف مصدرها. فهو لم ينشر أي شيء يدعمها حتى الآن. حتى عملية زراعة الرأس البشرية «الناجحة»، يمكنك أن تقرأ عنها في «تليجراف» قبل أن ينشر نتائجها الفعلية.

 

لماذا قد يفعل هذا؟ ولماذا يُعلم الصحف قبل إعلام زملائه؟ يتساءل الكاتب، ويضيف أنه إن كانت عمليته متماسكة وحقيقية فعلًا، فستعكس النتائج ذلك. فلا يكون الأمر مبشرًا أبدًا عندما يسعى العلماء للشهرة ويتفادون الفحوص الدقيقة، خاصة إن كانوا ممن يدّعون أنهم متفردون.

 

قال كنافيرو في «تليجراف» إن خطوته القادمة ستكون محاولة زرع رأس شخص في حالة غيبوبة خضرية أو حالة مشابهة من اضطراب الوعي، وقال إنه يملك العديد من المتطوعين لهذا الأمر. وهو ما يجعل الكاتب يتعجب مجددًا من كيفية تطوع من هم في غيبوبة لإجراء عملية خطيرة كهذه.

 

لا يوجد ما يشير لإجراء العملية على شخص واعٍ حتى الآن، رغم وجود المتطوعين. ويشكك الكاتب بقوة في أن يحدث ذلك في أي وقت، فالشخص الواعي يحتاج لأن يتأكد من أن عملية الزراعة ستنجح بنسبة 100% ليبقى في نفس حالته بعد إجرائها؛ وهو ما يعني أنه يجب إيجاد حلول فعالة للعقبات الكثيرة التي تقابل مبدأ زراعة الرأس نفسه.

 

ويضيف أنه سيعتذر ويتراجع عن كل كلامه بصدر رحب إن كان مخطئًا، لكنه لا يجد في كلام كنافيرو أو أفعاله أي شيء يدل على أنه يملك أدنى فكرة عن كيفية تنفيذ هذا الأمر. ويشير في ختام المقال إلى استعماله مصطلح زراعة الرأس بدلًا من زراعة الجسد رغم أن الأخيرة أكثر منطقية، وذلك لأن زراعة الرأس هي الأكثر استعمالًا.