تظاهرات العراق .. غضب يحرق مقرات الأحزاب

متظاهرون يصبون جامّ غضبهم على الأحزاب الدينية في جنوب العراق بعد سنين من الفساد والمحسوبية وفشل الحكومات المحلية. البصرة تسخن في شهر تموز وحمى التظاهرات تصل مدن الجنوب، وبغداد هادئة مترقبة قلقة.
 
هدوء حذر يخيم على مدينة البصرة تحت درجة حرارة تفوق الخمسين مئوي. "ربما سيسبق عاصفة"، يصف الوضع مراقب يتجول في شوارع المدينة رغم حر تموز/ يوليو. الدوائر الرسمية أبوابها مفتوحة، أو الأصح القول "نصف مفتوحة"، فقد غاب بعض الموظفين عن العمل. ومؤسسات منحت موظفاتها إجازة بسبب الوضع القلق. المدينة في انتظار شيء ما.
 
فمنذ أيام يخرج متظاهرون إلى شوارع المدينة، يتظاهرون أمام مبنى المحافظة (الحكومة المحلية)، بعضهم قطع الطرقات، آخرون اتجهوا صوب حقل غرب القرنة حيث مقر شركة "لوك أويل" الروسية التي تدير حقل غرب القرنة النفطي، فحرقوا استعلامات الشركة ومقار الحرس.
 
غضب في الشارع البصري بعد مقتل شاب الأسبوع الماضي ينتمي لعشيرة "بني منصور" من قبل جهات أمنية خلال تظاهرة طالبت بتحسين الخدمات وتوفير فرص عمل. "حمى البصرة انتقلت إلى مدن أخرى" كما يقول الناشط السياسي ليث عبد الرحمن في اتصال هاتفي مع DW عربية.
 
الوعود التي قدمها رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي الذي توجه من بروكسل إلى البصرة مباشرة لم تفلح من تهدئة الشارع البصري وشارع جنوب العراق. فالتظاهرات لا تحدث إلا في مدن الجنوب، حيث الغالبية الشيعية. الناشط ليث عبد الرحمن يقول إن "التظاهرات عفوية، وإنها خرجت من دون تنظيم مسبق، بل إن الناس تخرج من شمال البصرة حتى جنوبها من دون تنسيق".
 
ويضيف "لا يملك المتظاهرون أي سلاح، أغلبهم بسطاء وحتى ملابسهم رثة، خرجوا للمطالبة بحقوقهم، إنهم أناس مسالمون"، غير أن الجهات الأمنية تقول إن رجال الأمن يتعرضون لإطلاق نار من قبل "مندسين مع متظاهرين"، وهناك اتهامات أن جهات داخلية وأخرى خارجية تحاول الانتفاع من التظاهرات.
 
البصرة الغنية فقيرة
 
للبصرة خصوصيتها، فهي منبع ثروات العراق النفطية، يصفها البعض "ببقرة العراق الحلوب". وفيها أكبر حقول النفط العراقي الذي يمثل المصدر الوحيد تقريبا لصادرات العراق، إذ تجاوز حجم إنتاج البصرة اليومي 3 مليون برميل يومياً، بالإضافة إلى حقول الجنوب الأخرى عند حدود البصرة مع محافظة ميسان.
 
في البصرة موانئ العراق الوحيدة على الخليج، موانئ لاستيراد البضائع وتصدير النفط، وفي شرقها نقطة الشلامجة الحدودية التي تمر من خلالها البضائع المستوردة من إيران، ومع الكويت من مركز صفوان الحدودي الذي تنتقل عبره بضائع مستوردة من الكويت.
 
ورغم توفر كل أسباب الثروة، لا يجني سكان البصرة سوى دخان الحقول النفطية الذي يغطي سماء المدينة أحياناً، ونارها التي تلهب طقسها الساخن أصلا.
 
في البصرة مشاكل أخرى، منها انقطاع شبه مستمر في التيار الكهربائي خصوصا في أشهر الصيف. ومنها البطالة التي زادت نسبتها بعد توقف مشاريع بناء فيها بسبب "عدم العمل بالموازنة العامة، وكذلك عدم تنفيذ مشروع البترودولار"، أي حصول كل بصري على نسبة من مبيعات النفط، حسبما يقول الناشط السياسي ليث عبد الرحمن، حتى أن كثيرا من الشباب المتعلم وغير المتعلم أصبح من دون عمل.
 
وما زاد من مشاكل البصرة أن مياهها أصبحت أكثر ملوحة، خصوصا بعد تحويل إيران لمجرى نهر الكارون، فصعدت مياه الخليج المالحة إلى شط العرب، "مياه المدينة لا تصلح حتى للغسيل. فما بالك بالشرب". كل هذه المشاكل المتكررة وفشل الحكومة المحلية في إيجاد حلول منذ عقود، دفع الناس إلى الخروج إلى الشارع وحتى حرق مقار الأحزاب الشيعية مثل حزب الدعوة وتيار الحكمة والفضيلة في المدينة. DW عربية طرحت تساؤلا على كاتب صحفي من جنوب العراق، عن سبب عدم استهداف مقرات التيار الصدري، فرفض الإجابة مكتفيا بالقول "إنه يتحفظ على قول أي شيء الآن".
 
أما السكان في محيط الحقول النفطية في مناطق "المدّيّنة" و "الشرش" فلهم مطالب إضافية، حيث هاجم متظاهرون مدخل شركة "لوك أويل" النفطية، ومن مطالبهم تعيين أبناءهم في الشركات النفطية العاملة هناك، البعض يطالب حتى بمهنة "منظف"، التي لا تحتاج إلى شهادة علمية، حسب قول ناشطين.
 
حمى البصرة طالت مدنا أخرى
 
ما إن تظاهر الناس في البصرة حتى خرج آخرون في النجف وكربلاء والناصرية والسماوة وميسان والديوانية. مدن جنوب العراق الشيعية تتظاهر وتصب جام غضبها على الأحزاب الدينية، خصوصا وأن ولادة حكومة في بغداد متعسرة منذ أشهر ولا أمل حتى الآن في الأفق القريب.
 
نشطاء على مواقع التواصل يحملون الأحزاب مسؤولية الفساد والمحسوبية وسوء الخدمات والسيطرة على مقدرات الدولة منذ 15 عاماً. البعض يرى "أن طبيعة النظام الديمقراطي السياسي يسمح بخلق حلقة الفساد. فلا رابح ولا خاسر في الانتخابات والكل مشترك في الحكومة والجميع معارض"، حسب ناشطين على موقع فيسبوك.
 
الموقع الذي يمثل متنفسا سياسا واجتماعيا لملايين العراقيين، حيث ينظم ناشطون عملهم عليه قبيل انطلاق التظاهرات، فما كان من السلطات إلا قطع شبكة الأنترنيت يوم السبت الماضي في محاولة منها لمنع تنظيم ودعوات التظاهر، ثم عادت ورفعت الحجب مساء أمس الأحد، في خطوة انتقدها ناشطون.
 
أحد أبرز الناشطين العراقيين على موقع فيسبوك ستيفن نبيل كتب يقول "لا توجد ديمقراطية بدون إعلام وتواصل حي. قطع الاتصالات تصرف خاطئ ويعبر عن هشاشة الديمقراطية العراقية". غير أن الصور التي تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعي عن التظاهرات في مدن الحلة (بابل) والبصرة والسماوة تكشف عن أعداد قليلة من المتظاهرين، وهذا يدفع المراقب إلى السؤال: لماذا تخاف الحكومة العراقية المنتخبة من تظاهرات صغيرة يكفلها الدستور العراقي؟
 
والتظاهرات لم تخلُ من مظاهر السرقة أو الاعتداء على الأملاك العامة، حسبما يشرح الناشط ليث عبد الرحمن، مشيرا إلى أن البعض يستغل التظاهرات لأغراض غير سياسية. ولا يجزم الناشط السياسي أن التظاهرات في البصرة ستتوقف في حال تنفيذ مطالب المتظاهرين، "لأن حجم المطالب تم رفعه أكثر، فهناك من يطالب بإسقاط النظام، ومنهم من هاجم مقرات الأحزاب، وهناك من عاد للحديث عن المطالبة بإقليم البصرة أو بصلاحيات أكثر، رغم أنهم يعلمون أن هذه المطالب لا تحل إلا من بغداد". ويوضح أن ليس هناك قادة حقيقيون للتظاهرات، رغم محاولة بعض الناشطين لعب دور القيادة.
 
ناشط من البصرة رفض نشر اسمه قال "إن الجيش والشرطة الاتحادية متواجدة عند النقاط المهمة في البصرة، وأن التظاهرات لن تتوقف".