"التهجير القسري".. مشهد النهاية في الحرب السورية

تقود اتفاقات "التهجير القسري" في سوريا الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من 7 سنوات إلى الحسم، بعد أن أودت بحياة مئات الآلاف وشردت نصف الشعب السوري داخل وخارج وطنه.

وتمثل عملية تهجير السكان من منطقة ما داخل سوريا، آخر مرحلة، بعد حملة عنيفة من القصف والحصار والقتال تشنها القوات النظامية والميليشات الداعمة لها، ليصبح الخيار الوحيد أمام السكان هو الرضوخ لعملية التهجير إلى منطقة أخرى، وهو ما أدى إلى تغيير في التركيبة السكانية السورية على مدار الحرب.

وتركزت نتائج اتفاقات التهجير، التي جرت في معظمها برعاية روسية، وشاركت فيها أطراف أخرى مثل إيران وتركيا وقطر، على نقل السكان من المناطق التي تحاصرها قوات النظام السوري، إلى محافظة إدلب في الشمال السوري، والتي باتت منطقة معارضة خالصة وبؤرة سكانية متفجرة.

وبدأت أولى اتفاقات التهجير القسري تحت رعاية أطراف دولية، في مايو عام 2014 في مدينة حمص القديمة، فيما عرف وقتها باتفاقية "هدنة حمص"، بإشراف من إيران حليفة النظام السوري والأمم المتحدة.

وبموجب الاتفاقية، خرج المسلحين المعارضين وأسرهم و3 آلاف من المدنيين من المدينة التي تسكنها أغلبية سنية، وانتقلوا إلى ريف حمص الشمالي.

ريف دمشق

وشكلت محافظة ريف دمشق التي تحيط بالعاصمة إحدى الجبهات الأساسية في القتال، فهي ثاني المحافظات التي داخلت مسار الاحتجاج بعد درعا في الجنوب، لذا فإن التهجير القسري لسكان هذه المحافظة كان ضروريا للنظام من أجل إزاحة كتلة معارضة كبيرة عن تخوم دمشق.

ففي 27 أغسطس 2016، بدأ تهجير سكان مدينة داريا بالكامل بعد اتفاق بين المعارضة والنظام السوري، وانتقال المسلحين وأسرهم إلى محافظة إدلب في الشمال السوري بينما نقل المدنيون إلى مراكز إيواء في ريف دمشق.

وأتبع ذلك، خروج أهالي بلدتي قدسيا والهامة عبر اتفاق تسوية تم على إثره تهجير ألفي شخص بعد حصار شديد، إلى إدلب.

وفي 19 أكتوبر 2016، بدأت عملية تهجير ثلاثة آلاف شخص من معضمية الشام، بناء على اتفاق تسوية، أعقبها اتفاق آخر في ذات الشهر على تهجير أهالي خان الشيخ، غربي دمشق، الذي قدر عددهم بأكثر من 5 آلاف شخص إلى إدلب.

واستقبلت إدلب ألفي شخص آخر تم تهجيرهم في ديسمبر 2016 من مدينة التل بريف دمشق.

حلب

وبعد حملة عسكرية عنيفة شارك فيها سلاح الجو الروسي وميليشيات إيرانية، وحصار خانق على الأحياء الشرقية في مدينة حلب، تم التوصل لاتفاق بخروج 45 ألف مقاتل ومدني من شرقي حلب إلى ريف إدلب.

كما أدى حصار دام 40 يوما تحت القصف إلى اتفاق لتهجير سكان وادي بردى، ليخرج أكثر من ألفي شخص إلى إدلب.

أحياء دمشق الشرقية وما تبقى في حمص

وتوالت اتفاقات التهجير القسري لتشمل أحياء دمشق الشرقية، في 8 مايو 2017، حيث خرج معارضون ومدنيون من حي برزة، أعقب ذلك اتفاق لخروج أهالي القابون وحي تشرين، ليصل مجموع المهجرين 7 آلاف مدني وعسكري.

وبرعاية روسية، توصل النظام والمعارضة إلى اتفاق لخروج مسلحين ومن رغب من المدنيين في حي الوعر في مدينة حمص في مارس 2017، لتنتهي العملية في مايو بخروج 25 ألف مدني أي ما يمثل نصف سكان الحي.

الغوطة الشرقية

في فبراير 2018 عرفت البلاد اتفاقيات الغوطة الشرقية، وبدأت بحرستا ومن ثم انتقلت إلى زملكا وعربين وانتهت بدوما وقد تمت برعاية روسية مع كل من جيش الإسلام وفيلق الرحمن وجبهة النصرة وقضت بتوجههم نحو إدلب وجرابلس.

جنوب دمشق

في مايو 2018 أبرم اتفاق بين النظام ومسلحي داعش في مناطق جنوبي دمشق شمل الحجر الأسود والتضامن ومخيم اليرموك.

درعا

في يوليو 2018، أبرم اتفاق شمل مناطق بريف درعا الشرقي وعقد بين ممثلين عن الفصائل والجيش الروسي وقضى بتوجه الرافضين لاتفاق التسوية مع عائلاتهم نحو إدلب.

وتمثل سيطرة النظام بالكامل على درعا رمزية مهمة، كونها أول مدينة انتفضت ضد حكم الأسد.

اتفاق تهجير المدن الأربع

في 11 أبريل 2017، توصلت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) المدعومة من قطر وممثلون عن إيران، إلى اتفاق يقضي بخروج المسلحين من بلدة مضايا ومدينة الزبداني في ريف دمشق، إضافة إلى من يرغب من السكان المدنيين، مقابل فك الحصار عن بلدتي كفريا والفوعة المواليتين للنظام بريف إدلب الشمالي، فيما عرف بـ "اتفاق المدن الأربع"، بعد انضمام مخيم اليرموك في جنوب دمشق إلى الاتفاق.

ونصت الاتفاقية على خروج مسلحي النصرة من المخيم مقابل إخلاء سبيل 1500 معتقل لدى نظام الأسد، أغلبهم من النساء.

واستكملت الصفقة في 18 يوليو 2018، بخروج آخر المقاتلين والمدنيين من بلدتي الفوعة وكفريا التي كانتا تحت حصار المسلحين، فيما أطلق النظام سراح 700 شخص من سجونه لكنه، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، لم يلتزم بقائمة المعتقلين الذين طلب المسلحون إطلاق سراحهم.

وأعقب ذلك اتفاق يقضي بمغادرة المقاتلين الرافضين للتسوية من محافظة القنيطرة على حدود الجولان المحتل إلى محافظة إدلب أو القبول بحكم الدولة.

توزيع جديد

وبذلك أصبحت محافظة إدلب بؤرة سكانية معارضة تضم مهجرين من مختلف المدن، إضافة إلى مسلحين من جميع التوجهات الإيديولوجية، ليصبح النظام السوري مسيطرا على كامل الأراضي السورية باستثناء المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا.

وفي الجنوب، تبقى بعض المناطق المتاخمة للحدود الأردنية تحت سيطرة قوات التحالف الدولي والمسلحين المدعومين منها.

كما تخضع مناطق في ريف حلب الشمالي لسيطرة تركية بعد عملية عسكرية لإنشاء منطقة عازلة وخالية من المسلحين الأكراد.

وفيما عدا ذلك يبدو أن الرئيس السوري بشار الأسد تمكن من خلال اتفاقات التهجير بدعم من القوات الروسية والميلشيات الإيرانية من حسم الصراع في الجزء الأكبر من أراضي سوريا لصالحه.